-
الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وبكين.. الرئيس الصيني إلى السعودية
تسعى دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً لتنويع علاقاتها الأمنية والاقتصادية بدول العالم، منها الصين، ولاسيما مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ترى السعودية ودول الخليج في الصين شريكاً اقتصادياً عميقاً على المدى الطويل، في حين تعد منطقة الخليج العربي جغرافية حيوية لاستراتيجية التنين الصيني على خلفية مبادرتها الطموحة "حزام واحد، طريق واحد".
يأتي ذلك في ظل التحولات الجيوسياسية في العالم، إذ تتطلع الولايات المتحدة إلى تركيز مزيدٍ من الاهتمام والموارد على آسيا بينما توسع الصين وروسيا نفوذهما في المنطقة.
خلال العام الماضي، حددت وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي بعد 40 يوماً من تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن سدة السلطة بأن الوجود العسكري الأقوى سيكون في منطقة المحيط الهادئ وأوروبا، بينما سيكون في الشرق الأوسط بما يكفي لتلبية احتياجات معينة.
وأضافت الوثيقة" لن نعطي شيكا على بياض لشركائنا الذين يتبعون سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب سحبنا دعم الولايات المتحدة للهجمات باليمن، مشيراً إلى أن الصين وروسيا يشكلان التهديد لواشنطن والنظام العالمي.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا التي أظهرت جلياً التغييرات الجارية في التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط، أضحت الحاجة ملحة أكثر للسعودية ومعها دول الخليج، لتنويع تحالفاتها ولاسيما مع العملاق الاقتصادي "الصين" أكبر مستورد للنفط في العالم وأكبر شريك تجاري للسعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم.
اقرأ أيضاً: إعلام: السعودية تدعو الرئيس الصيني لزيارتها
وفي خضم القلاقل التي تواجه العالم حالياً ولاسيما في قطاع النفط وتذبذبات الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وجهت السعودية، دعوة للرئيس الصيني، تشي جين بينغ، لزيارة المملكة، حَسَبَ تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال في الوقت الذي تقول الصحيفة إن السعودية تتطلع لتعميق العلاقات بالصين، بينما تتوتر علاقتها بواشنطن.
الرئيس الصيني إلى السعودية في أبريل
من المتوقع أن تتم الرحلة بعد شهر رمضان الذي يبدأ في أوائل أبريل من هذا العام، فيما يمكن أن يكون أول سفر خارجي للرئيس الصيني منذ بدء جائحة كوفيد-19، حسبما نقلت الصحيفة عن أشخاص وصفتهم بأنهم مطلعون على الخُطَّة ما يجعلها على درجة عالية من الأهمية في سياق رسم خرائط جيوسياسية جديدة في عالم قادم متعدد الأقطاب.
وتخطط الرياض لتكرار الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس السابق، دونالد ترامب، في عام 2017 عندما زار المملكة في أول رحلة له إلى الخارج".وفق ما قال مصدر للصحيفة نفسها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي قوله إن "ولي العهد وشي صديقان مقربان وكلاهما يدركان أن هناك إمكانات هائلة لعلاقات أقوى"، مضيفا أن الأمر لا يقتصر على أنهم يشترون النفط منا ونحن نشتري الأسلحة منهم".
يمثل الخليج العربي أهمية حيوية لاستراتيجية التنين الصيني على خلفية المبادرة الطموحة "حزام واحد، طريق واحد" المعمول عليها بنشاط براً وبحراً في السكك الحديد والموانئ البحرية وصولاً إلى أوكرانيا حيث تدور رحى الحرب حاليا.
يعدّ الشرق الأوسط المكان الذي تلتقي فيه إفريقيا وآسيا وأوروبا معاً، وحيث تلتقي طرق التجارة بين الصين والهند وأوروبا. في حين، تؤدي الصين دوراً رئيسياً في اقتصاد المملكة العربية السعودية، التي تسعى لبناء اقتصاد أكثر تنوعاً، فهي دائماً أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية. ويرى محللون أنّ هناك الكثير من التوافق بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية السعودية 2030.
وعلى سكة التشبيك والتعزيز المستمرة، زار الصين بدعوة من وزير الخارجية وانج يي، وزراء خارجية السعودية والكويت وسلطنة عُمان والبحرين، إضافة للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، بدأت الزيارة منذ الاثنين 10يناير 2022، واستمرت خمسة أيام إلى الجمعة 21 يناير 2022.
الحرب الأوكرانية وزيارة جونسون للسعودية
الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني تأتي وسط تذبذبات أسعار النفط وارتفاعها مؤخراً، قبل أن تنخفض خلال اليومين الماضيين، الأمر الذي يحرّك العملاق الآسيوي إذا كان التحرك الدبلوماسي مثمراً في هذا الإطار ومرتبطاً بالحليف الروسي والإيراني. حتى الآن، هناك انخفاض نسبي بما يزيد على خمسة في المئة، الاثنين 15 مارس الحالي، إلى أدنى مستوياته في حوالي أسبوعين، وسط آمال بتقدم نحو نهاية دبلوماسية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
شهدت أسعار النفط ارتفاعات قوية منذ بدء "العملية العسكرية الروسية" في أوكرانيا في 24 فبراير، وحظر الولايات المتحدة وبريطانيا واردات الخام من روسيا. وهي مرتفعة الآن حوالي 36 في المئة عن مستوياتهما في بداية العام.
اقرأ أيضاً: جونسون يسعى لإشراك السعودية في جهوده لحل أزمة الطاقة
لطالما قاومت روسيا تحرك أوكرانيا نحو الاتحاد الأوروبي وتحالف الناتو. ولدى إعلانه "للعملية العسكرية" في أوكرانيا، اتهم بوتين الناتو بتهديد "مستقبلنا التاريخي كأمة".
إلى الآن، قتل آلاف الجنود منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في 24 شباط/فبراير. بين المدنيين، قُتل ما لا يقلّ عن 596 شخصاً حَسَبَ حصيلة أعلنتها الأمم المتحدة الأحد، مؤكدة أن عدد القتلى ربما يكون أعلى بكثير من ذلك.
تجري حالياً مفاوضات بين الطرفين المتحاربين، ويرى محللون أن هناك بارقة أمل، بعدما فشلت الجلسات الثلاث الأولى من المحادثات التي عُقدت في بيلاروس ثمّ اللقاء بين وزيرَي الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا في تركيا الخميس.
وترفض الصين العقوبات المفروضة على روسيا، فقد أكد وزير الخارجية الصيني الثلاثاء 15 مارس رفض بكين أن "تتأثّر" بالعقوبات على موسكو.
يتزامن ذلك كله مع سعي القُوَى الغربية للحصول على إمدادات نفطية إضافية لتخفيف اعتماد الغرب على الطاقة الروسية وإبطاء الزيادات الهائلة في الأسعار الناجمة عن العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأشار تقرير لصحيفة الغارديان إلى أن "السعودية والإمارات لا يريدان زيادة إنتاج النفط لأن ذلك سيفكك اتفاقهما النفطي مع روسيا المعروف باسم أوبك +".
وهو ما يظهر من الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الرياض خلال أيام، دون أن يشير إلى الإمارات، بحسب ما أوردت صحيفة "ذا تايمز".
وذكرت الصحيفة أن جونسون سيسعى لدى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لحضه على المساهمة في تخفيف وطأة تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا، بعدما أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة حظر الواردات النفطية الروسية.
يأتي ذلك بعدما واجهت محاولة الرئيس الأمريكي جو بايدن إقناع السعودية والإمارات زيادة إنتاج النفط "لممارسة أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على روسيا"، مقاومة من الدولتين الخليجيتين.
شراكة استراتيجية
تعتمد الصين، العدو اللدود للولايات المتحدة، على الشرق الأوسط للحصول على احتياجاتها من النفط، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
في المقابل لوقف الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات، أطلق محمد بن سلمان برنامجا واسعا للإصلاحات الاقتصادية في بلاده، بعنوان "رؤية 2030"، شمل إدراج نسبة بسيطة من شركة أرامكو النفطية في البورصة.
وفيما تنوع المملكة اقتصادها غير النفطي، تحتاج لأنواع أخرى من المستثمرين لديهم الخبرة التقنية، يبدو أن الصينيين من بينهم.
اقرأ أيضاً: النفط يتراجع تزامناً مع محادثات أوكرانية روسية وقبل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
وخلال السنوات الأخيرة، سعت الصين لتعزيز علاقاتها بدول الخليج. ومنذ العام 2014، تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ مضاعفة المبادلات التجارية مع المنطقة بحلول العام 2023.
من الناحية الاقتصادية، لا تمثل الصين سوقاً ضخمة ومربحة للصادرات الخليجية فحسب، بل هي أيضاً محرك رئيس للتكامل الإقليمي وترابط البنية التحتية.
أما من الناحية السياسية، تعمل سياسة الصين الصارمة المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى على زيادة سلاسة العلاقات. علاوة على ذلك، فإن النموذج الصيني الناجح لموازنة التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على الاستقرار السياسي له جاذبية لا لُبس فيها ومطمئنة لدول الخليج التي لديها تطلعات مماثلة.
يوجد الكثير من نقاط الالتقاء بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية السعودية 2030، برنامج التنويع الاقتصادي الذي تأمل المملكة العربية السعودية في بناء اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة. وبهذه الطريقة، يعد التعامل مع الصين فرصة لأنه قد يساعد المملكة العربية السعودية على تحقيق أهدافها التنموية.
وتأتي هذه الزيارة المرتقبة في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين ولاسيما مع التحول الجيوسياسي الذي يحدث في المنطقة، وتغيير التحالفات الإقليمية والدولية على وقع الحرب الأوكرانية، والدعوة ما هي إلا التزام سعودي تجاه الصين باستمرار إمدادها بالنفط.
ليفانت نيوز_ خاص
إعداد وتحرير: عبير صارم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!