الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ليبيا.. مقبرة أحلام أردوغان
ليبيا.. مقبرة أحلام أردوغان

خاص ليفانت - رشا عمار 


يقول التاريخ إن دولة الرجل المريض ذات الإمبراطورية الممتدة شرقاً وجنوباً انتهت إلى غير رجعة، بينما لا يزال رجل مريض يجلس في إسطنبول يحلم بالبطولة والخلافة، تغلب عليه النزعة التوسعية للدرجة التي تجعله يفقد عقله ويلهث خلف أوهام ثم يجد نفسه داخل مقبرة يواجه مصيراً لا هروب منه يكتب حتمًا نهايته.


فساد مستشري في أرجاء البلاد، اقتصاد دون انتاجية، رعاية مفضوحة للإرهاب في كل العالم وتدخل تركي غير مسبوق في شؤون الدول، تلك باختصار ما وصلت إليه أحوال تركيا في ظل حكم أردوغان الذي يحاول البحث عن موطئ قوة بعد أن انهارت كافة مشاريعه بالداخل والخارج.


ووسط إدانات دولية موسعة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الشهر الجاري عزم بلاده إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، بما يهدد أمن واستقرار المنطقة ويثير غضب دول الجوار المهدد أمنها جراء تصرفات أردوغان التي وصفها مراقبون بـ"الحمقاء".


من شرق سوريا إلى ليبيا خلال أقل من ستين يومًا، يحاول الخليفة الوهمي البحث عن انتصار يغلّف خيبات عظيمة وانهيارات ساحقة للمشروع الإخواني الذي حاول تطبيقه مرتديًا عباءة الإصلاحي وفشل، لكن مراقبون أكدوا أن التدخل العسكري التركي في الدول سيعجّل بنهاية أردوغان وسينسف مشروعه في المنطقة.


ويرى الباحث المصري المتخصص في شؤون تيارات الإسلام السياسي والأمن القومي، عمرو فاروق، إن "التصعيد العسكري من قبل تركيا مدعومًا من حكومة الوفاق الإخوانية، هو مجرد محاولة جديد لتنفيذ مشروع ومخطط التنظيم الدولي، في إيجاد صياغة سياسية وتشريعية لجماعة الإخوان داخل ليبيا من خلال بعض الأذرع الاستعمارية ذات النفوذ والمصالح والأهداف المشتركة مثل تركيا وقطر وإيران، ابتداء من محاولة الهيمنة على ثروات ليبيا وخيراتها، انتهاء بغاز شرق المتوسط".


وأوضح فاروق، أن "الدولة المصرية تسعى من خلال دعمها لقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ودورها الفاعل في حل الأزمة الليبية، إلى تسوية سياسية، مبنية على تفكيك كل المليشيات الإخوانية المسلحة وإجلاء المرتزقة الأتراك، وحظر تسليحهم في مقابل إعلاء مصالح الدولة الوطنية الليبية".


وأشار فاروق، أن "وقوف الدولة المصرية ضد مخطط أردوغان وتوسعاته في المنطقة، وعرقلة مشروع التنظيم الدولي للإخوان، وتلويحها بالتدخلات العسكرية حفاظ على آمنها القومي المصري باعتبار ليبيا دولة جوار، ربما يدفع محور الشر لمحاولة الضغط عليها من الداخل المصري، من خلال إحداث حالة من التوترات الأمنية عن طريق تنفيذ عدد من العمليات المسلحة تستهدف زعزعة الشارع، وإحراج النظام السياسي، والتشكيك في قدرته على تأمين الداخل المصري في ظل دعمها الكامل للجش الوطني الليبي، وصناعة وجهة جبهة دولية موحدة ضد تدخلات تركيا ومن خلفه قطر والتنظيم الدولي للإخوان".


وأوضح فاروق: "ما يؤكد هذا السيناريو - وفقاً لمصادر خاصة - هو ضبط الأجهزة الأمنية لطائرتين مسيّرتين بدون طيار، داخل منطقة بئر العبد، تابعتين لعناصر تكفيرية، بهدف التجسس وجمع المعلومات حول المرتكزات الأمنية والكمائن الخاصة بالقوات المسلحة المصرية، والشرطة المدنية في منطقة العريش والشيخ زويد وبئر العبد، ما يعني أننا أمام محاولات لإشعال المنطقة الشرقية في سيناء، والمنطقة الغربية من خلال تنشيط عناصر داعش في الجانب الغربي، ما يستهدف توتر الأوضاع في العمق المصري والتأثير على القرارات السياسية للنظام المصري، واستكمال مخطط اسقاط الدولة المصرية بأيدي خونة الداخل والخارج".


ليبيا.. مقبرة أحلام أردوغان


من "تصفير المشكلات" إلى الحرب..

كيف غيّر أردوغان سياسته نحو الشرق الأوسط؟


لم تبدأ سياسة أردوغان سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي كما انتهت، بالعكس، فمنذ توليه رئاسة الحكومة التركية في العام 2003 حرص على تصدير الوجه الليبرالي الإصلاحي القادر على تقريب الفجوة مع أوروبا متحدياً جميع الآراء التي وصفته وقتها بـ"الذئب المتخفي خلف وجه شاة"، لكن سرعان ما تبين وجه أردوغان الحقيقي في سنوات قليليه بعد أن تخلص من بعض مناصري الدولة العلمانية في السياسة والقضاء والجيش، ولبس وجه الخليفة المتأسلم.


حرص أردوغان في بداية حكمه على نزع فتيل الأزمات مع القوى الإقليمية وخاصة الشرق الأوسط واتبع سياسة وصفها أحمد داود أوغلو مستشاره السابق بأنها سياسة "تصفير المشكلات"، وشرع أردوغان منذ العام 2004 في توسيع الاتفاقيات الاقتصادية مع بلدان عربية منها سورية وتونس والمغرب ثم مصر والجزائر في عام 2005، كما حرص على رفع القيود عن تأشيرات العرب لزيارة تركيا.


لم تكن إجراءات أردوغان الإصلاحية ظاهريًا بعيدة عن عين المراقبين الذين وصفوه بـ"الحرباء" التي تتلون من أجل المصلحة وأنه رجل نفعي لأقصى حد، تلك الآراء أكدتها دون شك أحداث ما بعد 2010 بالبلدان العربية حيث تكشف وجه أردوغان القبيح للعالم وظهر داعمًا للقوى التي رفعت شعارات الإسلام من أجل كسب مصالح سياسية والوصول للسلطة، ثم مارست أقسى أشكال الإرهاب بحق مواطنيها وأبرزها جماعة الإخوان الإرهابية.


مع تصاعد الأحداث بالمحيط العربي نهاية عام 2010 كشف أردوغان وجهه القبيح الداعم لكافة أشكال الفوضى والإرهاب، وبسبب موقفه الداعم للتنظيمات الإرهابية في سوريا بل والتدخل عسكرياً بهدف تقسيم الأراضي السورية فقد أردوغان أصدقاء الأمس وأصبح عدو ظاهر لروسيا وإيران.


ومارس أردوغان أبغض أشكال العداوة والكراهية ضد المصريين بسبب ثورتهم الشعبية التي انطلقت في يونيو /حزيران عام 2013 وأسقطت حكم جماعة الإخوان الإرهابية، الحليف الأبرز للرئيس التركي عن البلاد، ولم يترك أردوغان محفل دولي إلا وهاجم مصر، فضلاً عن استضافة كافة قيادات التنظيم المتهمين بالإرهاب في بلادهم وتوفير الدعم المادي واللوجيستي لهم للهجوم والتآمر وضرب البلاد من الداخل باستخدام عناصر إخوانية نفذت عشرات العمليات بمصر بدعم تركي رصدته الأجهزة المصرية فيما بعد وأعلنت عنه مرارًا.


انهيار حلم الاتحاد الأوربي يعصف بشعبية الرئيس الإخواني

تقول تقارير إن ما يزيد عن مليون عضو غادروا حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان خلال عام 2018 في مقدمتهم مستشاره والرجل الأقرب إليه أحمد دواد أوغلو، بسبب السياسات الفاشلة وتراجع الاقتصاد ودعم الإرهاب.


أردوغان الذي لم يجد حرجًا في تقديم كافة أشكال الدعم لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق وغيرهما من أجل تحقيق مصالحه، فضلاً عن سجن الآلاف من معارضيه ونسف حرية الصحافة واستقلال القضاء عليه أن يواجه اليوم أن تلك السياسات ستقضي حتماً على حلم انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي.

حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي بدء يتلاشى نهائياً مع حكم السلطان، هو بمثابة الخنجر المسموم في ولايته، التدهور الذي جعله يفقد شعبيته ويجني حقد مواطنيه.


ويقول كرم سعيد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية المتخصص في الشأن التركي: "حكومة أردوغان عملت بقوة من أجل تحقيق حلم دخول الاتحاد الأوروبي، وحاولت استخدام كافة الوسائل لتظهر بمظهر الدولة الديموقراطية لكن سياسات أردوغان الداعمة للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات 2011، أظهرت وجهه الحقيقي وديموقراطيته الزائفة".


ويتابع "سعيد" في تصريح لـ"ليفانت" أن "السياسات القمعية الواسعة التي تبعت محاولة الانقلاب على أردوغان في 2018 وحملات الاعتقال والتنكيل التي طالت قضاة وصحفيين وسياسيين كشفت حقيقة نظام أردوغان الديكتاتور، فضلاً عن الدعم الواضح لتنظيم داعش والدور الذي لعبه أردوغان لدعم المليشيات في سوريا وليبيا وهو ما جعل إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أمر أقرب إلى المستحيل".


وظلت تركيا على مدار عقود وحكومات متتالية تعمل بشكل كبير من أجل دخول الاتحاد الأوروبي مما يمثل فرصة لبيئة اقتصادية خصبة مع دول الجوار الأوروبي ومميزات عدة، إلا أن الحكم الاستبدادي كما وصفته "المفوضية الأوروبية في تقريرها الأخير عصف بطموحات الشعب التركي.


ويقول تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية أن الآمال التركية في الانضمام للأسرة الأوروبية تلاشت تمامًا بسبب الحكم الاستبدادي الذي يمارسه أردوغان وازدياد الأوضاع سوءً في المحاكم والسجون والصحافة فضلًا عن انهيار المؤسسات الاقتصادية، وتدهور مؤشرات حقوق الإنسان والتدخلات غير المسبوقة في استقلال القضاء، كل تلك الأمور تجعل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمرًا مستحيلًا.


نقل الإرهابيين من سوريا إلى تركيا

في خطوة اعتبرها البعض نقلاً لمسرح العمليات التركية من سوريا إلى ليبيا أعلن المرصد السوري أن نحو 300 مسلح من مرتزقة داعش، وجميعهم عناصر خطرة، تم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الطيران التركي للمشاركة في العمليات الإرهابية التي تدعم تدفق الجيش الليبي.


وذكر المرصد أن عدد المسلحين الذين تلقوا التدريبات في المعسكرات التركية تمهيدًا لنقلهم إلى ليبيا تجاوز 1600 شخص، وتجري في الوقت الحالي عملية تجنيد واسعة لزيادة الأعداد.


وتؤكد التقارير أن محاولة التوسع التركي وفرض السيطرة خاصة في مناطق الصراع في الشرق الأوسط (سوريا وليبيا) سيزيد موقف الرئيس التركي هشاشة في ظل استمرار انهيار المؤسسات الداخلية وفشل الحكومة في تحقيق الطموحات الشعبية، وسيعجّل بسقوطه.

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!