-
لبنان: تسوية دستورية
في حين شعر العديد من المراقبين أنّ الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان كانت تتجه إلى نقطة الغليان، إلا أنّه بالتأكيد قلّة منهم من توقعوا أنّها كانت ستنكشف بشكل كبير من خلال انفجار يبلغ حجمه عُشر حجم قنبلة هيروشيما، والذي دمر نصف المدينة وقتل ما يقرب من مائتي شخص وجرح الآلاف.
عادت أخبار لبنان فجأة إلى الصفحات الأولى، لكن هذه المرة بصورة اغتيالات مدنيّة أو ما قد يطلق عليها اسم الحرب الإقليمية، ويبدو أنّ عدم الكفاءة البيروقراطية والفساد هو من أدّى إلى مثل هذه الخسارة الزلزالية، مما لا يثير الدهشة، وخلال أسبوع، استقالة الحكومة بعد خروج الاحتجاجات مرة أخرى إلى شوارع بيروت، التي تمكّنت هذه المرة من الاستيلاء على الوزارات.
ومع ذلك، فإنّ استقالة الحكومة اللبنانية ليست بالأمر الجديد، وكما تحسر رئيس الوزراء المستقيل، حسان دياب، فإنّ الفساد في لبنان “أكبر من الدولة” نفسها، و”جدار سميك وشائك يفصلنا عن التغيير. جدار محصن بطبقة تلجأ إلى كل الأساليب القذرة من أجل المقاومة والحفاظ على مكاسبها”.
إذا لم يكن لبنان دولة فاشلة، فهو بالتأكيد دولة هجينة تتمتع فيها القوى دون الوطنية، والقوى فوق الوطنية، بسيادة أكبر بالمعنى الحقيقي من الحكومة نفسها. لقد تم الاعتراف بنهاية الحرب الأهلية الطويلة والمدمرة في البلاد على أنّها توازن للقوى وتسويات داخل وخارج البلاد، وأعطى الميثاق الوطني دستوراً رسمياً ومجموعة من التعليمات غير الرسمية، وغير المكتوبة، التي اعتبرت الدولة فطيرة يتم تقسيمها تحت رعاية الطوائف المختلفة في البلاد.
لقد كان هذا الخلل في طريقة حكم البلد مقنعاً إلى حدّ ما بأهمية لبنان كملعب للمصالح الإقليمية، حيث تدفقت مبالغ طائلة من إيران والخليج على الأحزاب والمنظمات السياسية المختلفة. وفي غضون ذلك، كانت الجاليات اللبنانية المغتربة، بتعداد سكاني أكبر من سكان البلد نفسه، بمثابة شريان حياة اقتصادي مهم آخر لتحمل ما لا يمكن تحمله.
في الوقت الذي أدّى فيه فيروس كورونا إلى تباطؤ التحويلات المالية، وأدّت الحرب السورية والعقوبات التي تعرّضت لها إلى الضغط على الاقتصاد اللبناني، شهدت إعادة تنظيم القوة الإقليمية تصاعد النفوذ الإيراني وتراجع النفوذ الخليجي. في عام 2016، حثّت المملكة العربية السعودية جميع مواطنيها على مغادرة لبنان وأوقفت المساعدات للبلاد بسبب “المواقف اللبنانية العدائية الناتجة عن سيطرة حزب الله على الدولة”.
حالة من التوتر البنّاء، ربما تم استبدالها بعدم الاستقرار المستشري والذي كشفه الانفجار في مرفأ بيروت، والذي ترك العالم يتساءل ماذا بعد؟. في سوريا وعلى الرغم من أنّ الصراع على وشك إعلان عقد من المجازر، فمن المقرر عقد جولة جديدة من محادثات اللجنة الدستورية التابعة للأمم المتحدة، في 24 أغسطس في جنيف، ويعتقد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة أنّه من خلال تحديث الحمض النووي للبلد، عن طريق دستورها، فإنّه قد يتم تشكيل مسار لمستقبل سلمي.
السؤال المطروح الآن، هو إذا ما تم استبدال حكومة لبنانية بأخرى لها نفس القضايا الأساسية، ما الذي سيتغير؟، من وجهة نظري لن يتغير سوى القليل، لكن السؤال المطروح بعد ذلك هو، هل تقبل القوى المخوّلة والنخب التقليدية في لبنان الحاجة الماسة إلى التغيير الجذري على التغيير الشكلي؟ هل سيشاركون، على سبيل المثال، بجدية في المناقشات لمراجعة وتجديد دستور البلاد؟، هل هناك رغبة ومرونة في البلاد لإلقاء نظرة جادة على نزع الطائفية عن سياسات البلاد، لتحويل وزارات الحكومة من جامعة للغنائم إلى نصير لمحركات التغيير الجوهري الذي تحتاجه الدولة، لتكون مكاناً أفضل لمواطنيها، أو كما يجادل البعض؟، هل الطائفية هي النظام الوحيد للبنان، ولكن هل يمكن أن يتم بطريقة أفضل؟
ما يحتاجه أيّ نقاش حول هذه الموضوعات المثيرة للجدل والخطيرة بشكل لا يصدق، هو أن تكون الجهات الفاعلة التي تمتلك السلطة حاليّاً على استعداد للتنازل عن بعض أو كل ما لديها من أجل رؤية أكبر لما يمكن أن تصبح عليه الدولة. قد يندهش بعض المراقبين الخارجيين من أن البديل ممكن، وبأنّ أصحاب المصالح يمكن أن يشهدوا تفجير نصف عاصمة البلاد وما يزالون في السلطة.
ومع ذلك، ما يزال الرئيس الأسد مثلاً، إلى الشرق من لبنان، رأساً للدولة التي شهدت تشريد نصف سكانها. وببساطة، فإنّ عدم الكفاءة الوحشية لا يكفي لضمان تغيير الجينات السياسية للبلد. الرؤية وأصحاب الرؤى، هو ما يحتاجه لبنان، الآن، سواء أولئك الذين ليس لديهم قوة وربما الأهم من ذلك بين أولئك الذين يمتلكونها حاليّاً.
ليفانت – جيمس دينسلو
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!