-
كيف ترك ترامب السوريين للموت وتوجّه لحماية النفط؟
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة وضعت النفط في سوريا تحت سيطرتها وبات بمقدورها التصرف به كما تشاء، وذلك بعد لقاء جمعه مع الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبيرغ، في لندن، على أبواب افتتاح أعمال قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة البريطانية، إذ قال: "لقد حاول داعش حفظ سيطرته على النفط، أما الآن فأصبحنا نحن الذين نسيطر عليه بشكل كامل"، متابعاً: "أقول بكل صراحة إننا نتمتع في هذا الشأن بدعم عدد كبير من الناس المختلفين. وفي حقيقة الأمر، لم يبق في هذه الأراضي (السورية) من عسكريينا سوى من يحمون النفط. النفط في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء".
ترك السوريين للموت..
ويأتي حديث ترامب ذلك، ليستفز المزيد من مشاعر السوريين، الذين يتهم كثير منهم، خاصة من سكان شمال سوريا، بطعنهم في الخاصرة من الجانب الأمريكي، عندما سمح بشن هجوم تركي على مناطقهم في التاسع من أكتوبر، عقب سحب القوات الأمريكية لقواعدها من نقطتين هناك، بين مدن رأس العين\سريه كانيه و تل أبيض، وهي المناطق التي تسيطر عليها تركيا اليوم عبر فصائل الجيش الوطني السوري التابع لأنقرة، عقب مقتل عشرات المدنيين، وتهجير قرابة 300 ألف سوري من أرضه.
الواحد والعشرين من أكتوبر..
منذ ذلك الحين، بدأ الحديث الأمريكي الصريح عن هدفه في شمال سوريا المحصور في حماية النفط من داعش، وهو ما اعتبره موالون لقوات سوريا الديمقراطية تخلياً عن تعهدات سابقة، إذ لطالما تحدثت واشنطن عن ترسيخ الاستقرار وضمان عدم عودة داعش والوصول إلى حل سياسي شروطاً أمريكية للإنسحاب من سوريا، وهي إن كانت حينها تجد لنفسها من يدعمها، خاصة من جهة الكُرد في سوريا، فإنها وفي تخليها عن حماية المنطقة لصالح تمدد النفوذ التركي، قد فقدت ما كان يكنه لها سكان المنطقة من احتضان، حتى شوهدت المركبات الأمريكية تغادر مناطق شمال سوريا على وقع رميهم بالخضار التالفة من قبل الأهالي، وهو مشهد لم تعهده تلك القوات التي كانت حتى الأمس القريب شريكة في مواجهة تطرف أعمى أحرق السوريين.
انتقادات أمريكية..
ولا يبدو أن الهدف الأمريكي المعلن حالياً لوجوده في شمال سوريا مناسباً حتى للأمريكيين أنفسهم، إذ انتقدت مجلة فورين بوليسي في الثاني والعشرين من اكتوبر، خطة واشنطن لحماية حقول النفط في شمال شرقي سوريا، قائلة إنها محفوفة بالمخاطر وتشيع البلبلة والارتباك، ونقلت المجلة عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية وخبراء اعتقادهم أن الخطة ربما تكون وسيلة لإقناع الرئيس دونالد ترمب بالموافقة على إبقاء عدد محدود من الجنود الأمريكيين في سوريا.
وبموجب هذا المقترح، حسبما تنقل المجلة عن مسؤول بالبنتاغون لم تسمه، فإن أمريكا ستواصل شن غارات جوية انطلاقاً من العراق ضد تنظيم داعش في سوريا، ولم تكن خطة البنتاغون الداخلية تتضمن في بادئ الأمر أي بنود تتعلق بتولي قوات أمريكية حماية حقول النفط في شمال سوريا. غير أن صياغة الخطة بطريقة تحول دون سيطرة النظام السوري على النفط، كان لجعلها على الأرجح تروق لترمب الذي ظل طوال العام يمارس الضغط لسحب القوات من هناك.
وتنسب المجلة إلى مايكل شرانوف الأستاذ المساعد بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع الوطني في واشنطن القول إن الوجود الأمريكي على مقربة من حقول النفط قد يوفر حماية لعمليات مكافحة الإرهاب المستمرة في سوريا، بما يؤمن إبقاء "أثر صغير لرغبات ترمب".
ادعاءات..
بدوره، إدعى السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، في الرابع والعشرين من أكتوبر، أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تعد خطة للتدخل العسكري في سوريا، من شأنها منع تنظيم "داعش" الإرهابي من العودة للظهور في سوريا، ومنع وقوع النفط السوري في أيدي إيران، وذلك بالتزامن مع إعلان وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أن الولايات المتحدة ستستخدم "قوات ميكانيكية" من عربات مدرعة قد تتضمن دبابات، للمساعدة في حماية حقول النفط السورية ومنع مقاتلي تنظيم داعش من السيطرة عليها.
حديث مع قسد..
وعقب سحب قواته، والذي تسبب بمقتل العشرات من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال إنه "ربما حان الوقت" أن يتسلم الأكراد في شمال سوريا المسؤولية عن حقول النفط، وجاءت تلك تصريحات في تغريدة له على تويتر، في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأمريكية بالتمركز في شمال سوريا حول حقول النفط، للحيلولة دون سيطرة مقاتلي داعش عليها بعد انسحاب الكم الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا.
وكتب ترامب في تغريدة له على تويتر، في الرابع والعشرين من اكتوبر: "لقد استمتعت حقًا بمحادثتي مع الجنرال مظلوم عبدي، (القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية)، إنه يقدر ما فعلناه، وأنا أقدر ما فعله الأكراد، ربما حان الوقت للأكراد لبدء التوجه إلى منطقة حقول النفط".
جهود البنتاغون..
لكن الإعلام الأمريكي حاول إبراز البقاء الأمريكي حول حقول النفط السورية على أنه شبه مكرمة من ترامب، إذ نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريراً في السادس والعشرين من أكتوبر، كشفت فيه عما سبق قرار الرئيس دونالد ترامب من جدل للإبقاء على قوات أمريكية في سوريا، ونقل التقرير عن مسؤول أمريكي مطلع على عمليات واشنطن في سوريا قوله إن البنتاغون عارض قرار ترامب الأصلي سحب القوات من سوريا وبذل جهوداً ملموسة لإقناع البيت الأبيض بمراجعة هذه الخطط وإبقاء بضع مئات من العسكريين على الأقل هناك.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب لم يصغ للتحذيرات من أن الانسحاب سيصب في مصلحة خصوم الولايات المتحدة وسيشكل خطراً على المقاتلين ضمن قسد المتحالفين مع واشنطن، لكنه سرعان ما غير موقفه عندما قيل له إن خروج الأمريكيين من سوريا قد يضر بسيطرتهم على الحقول النفطية، وأشار المسؤول إلى أن البنتاغون نجح في الاستفادة من اهتمام ترامب بالنفط، مقارناً المشاورات مع رئيس البلاد بمزج دواء للطفل بعصير حلو.
وذكر مسؤول أمريكي ثان أن الخطط الجديدة تقضي بنشر بضع مئات من العسكريين في سلسلة مواقع بين الحسكة ودير الزور، يتراوح عددهم بين 800 و1000 فرد.
روسيا ترفض..
لكن خطة أمريكية لم تجد لنفسها صديقاً، ففي السادس والعشرين من أكتوبر، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، أن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن الإبقاء على مجموعة من القوات الأمريكية شرق سوريا لحماية حقول النفط من “داعش” محيرة، ورد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية قائلاً: ” بالتأكيد لا تعود المواد والمعادن الطبيعية الموجودة في سوريا إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، وأيضاً هي لا تعود للقوات الأمريكية التي تتدعي بحربها ضد “داعش” الإرهابي، إنما هذه الموارد حصراً للدولة السورية فقط”.
وأضاف قائلاً: “لا في القانون الدولي ولا في القانون الأمريكي نفسه هناك نصوص تقر بشرعية تواجد القوات الأمريكية لحماية الموارد الطبيعية والمعادن في سوريا لأنها تعود حصراً لسوريا وشعبها”، وتابع كوناشينكوف قائلاً: “لذلك ما تفعله واشنطن الآن هو الاستيلاء والسيطرة المباشرة على حقول النفط شرقي سوريا، أي بالفعل يمارسون نشاط قطاع الطرق على مبدأ دولي صرف وبالتالي هو نشاط غير قانوني ويتعارض مع القوانين الدولية”.
لصوصية..
إلا أن الحيرة التي تحدث عنها المسؤول الروسي السابق، قد حسمت في اليوم التالي، إذ قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: "ما تفعله واشنطن حالياً من وضع اليد والسيطرة على حقول النفط شرقي سوريا، يدل بكل بساطة على عقلية اللصوصية على مستوى عالمي"، وأضافت: "لا تعود ملكية أي من حقول النفط الواقعة على أراضي جمهورية سوريا العربية، لإرهابيي تنظيم داعش، ولا للمدافعين الأميركيين عن إرهابيي التنظيم، بل تعود حصريا لجمهورية سوريا العربية".
حصة واشنطن..
وعقب ساعات من إعلان مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في السابع والعشرين من أكتوبر، خرج الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ليكشف عزم بلاده عقد صفقات للاستفادة من النفط السوري، وقال في ندوة له، إن النفط في سوريا غذى تنظيم الدولة وعملياته، مضيفاً أنه “يجب أن نأخذ حصتنا الآن، وسأعقد صفقة مع شركة عالمية”.
جاهزية للدفاع..
حصةٌ يبدو أن واشنطن جاهزة للدفاع عنها، ولو كان ذلك بالأسلوب العسكري المسلح، حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في التاسع والعشرين من أكتوبر، إن الولايات المتحدة ستتصدى لأي محاولة لانتزاع السيطرة على حقول النفط السورية من أيدي قوات سوريا الديمقراطية باستخدام "القوة الساحقة"، سواء كان الخصم داعش أو قوات مدعومة من روسيا أو سوريا.
فيما صرّح وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر وقال للصحفيين في البنتاغون "ستبقى القوات الأمريكية متمركزة في هذه المنطقة الاستراتيجية للحيلولة دون وصول الدولة الإسلامية إلى تلك الموارد الحيوية. وسنرد بالقوة الساحقة على أي جماعة تهدد سلامة قواتنا هناك"، وعند ملاحقته بالأسئلة عما إذا كانت مهمة الجيش الأمريكي تشمل الحيلولة دون وصول أي قوات روسية أو تابعة للنظام السوري إلى حقول النفط، قال إسبر "الإجابة المختصرة نعم، إنها موجودة بالفعل"، ومضى بالقول: "نريد التأكد من أن قوات سوريا الديمقراطية تستطيع الوصول إلى هذه الموارد كي تحرس السجون وكي تسلح قواتها وتساعدنا في مهمة هزيمة الدولة الإسلامية"، وأضاف "وعليه فإن مهمتنا هي تأمين حقول النفط".
تنديد فارسي..
وقد دفعت تلك التصريحات الأمريكية، طهران إلى التنديد بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإبقاء على وجود عسكري قرب حقوق النفط في شمال شرق سوريا، وتطرق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للقضية في مؤتمر صحفي بجنيف يوم الثلاثين من أكتوبر، بعد لقاء بنظيريه الروسي لافروف والتركي مولود جاويش أوغلو، وقال ظريف: ”حسناً.. يبدو أن الولايات المتحدة باقية لحماية النفط، وعلى الأقل الرئيس ترامب صادق في أن يقول ما تعتزم الولايات المتحدة فعله“.
30 مليون دولار..
ويبدو أن بقاء النفط السوري تحت السطوة الأمريكية أثار شهية موسكو للنفط، مما دفعها لحساب المكاسب الشهرية التي قد تجنيها واشنطن، فكشفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في الأول من نوفمبر، عن حجم عائدات النفط السوري من الحقول التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية في شرق البلاد، وقالت في مؤتمر صحفي: "إن واشنطن تهرب النفط بشكل غير قانوني بأكثر من 30 مليون دولار شهريًّا من حقول النفط في شمال شرق سوريا"، وأوضحت أن "الولايات المتحدة تفرض العقوبات وتقوم بتجاوزها بتهريب النفط بقيمة تزيد على 30 مليون دولار شهريًّا من شمال شرق سوريا، ويبدو أنها غير عازمة على تركها (حقول النفط شمال شرق سوريا) في المستقبل المنظور"، منوهةً أن تصرفات الجيش الأمريكي غير قانونية.
كما اتهمت زاخاروفا، واشنطن باتخاذ "داعش" ذريعة لسرقة النفط السوري، بالقول إن "تصرفات الدولة المتحضرة التي تعلن التزامها بقيم الديمقراطية (واشنطن) تثير التساؤلات عندما تضخ النفط من الحقول شمال شرق البلاد وتغطي أنشتطها الإجرامية، بذريعة قتال عناصر التنظيم"، لافتة إلى أن التنظيم تم القضاء عليه في مارس/آذار بحسب الإعلان الأمريكي.
العائدات لـ قسد..
اتهامات يبدو أنها أحرجت واشنطن، التي افقدت نفسها الحجج المنطقية للبقاء في شمال سوريا، والمتمثلة في دفع السوريين نحو حل سياسي قد يحفظ دمائهم، ويمكنهم من الجلوس على طاولة حوار واحدة، بناء على قواعد المساواة والعدالة التي لطالما بحث عنها السوريون، وهو ما دفع المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جوناثان هوفمان، في السادس من نوفمبر، للتأكيد على أن بلاده لا تزال تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية وتواصل تزويدها بالقدرات والدعم لقتال داعش، كما شدد على أن إيرادات النفط من الحقول الشمالية ستذهب لقوات سوريا الديمقراطية وليس لأميركا، مضيفاً: القادة العسكريون الأميركيون لديهم حق الدفاع في مواجهة أي قوات تهدد حقول النفط في شمال شرق سوريا.
النظام السوري..
أما رئيس النظام السوري بشار الأسد، فقال في الخامس عشر من نوفمبر، إنهم سيتقدمون بشكوى إلى مجلس الأمن بخصوص سرقة الولايات المتحدة للنفط السوري، إلى مجلس الأمن الدولي، مستبعداً قيام الأمم المتحدة بأي خطوة بهذا الصدد، قائلاً: "لا يوجد أمم متحدة ولا قانون دولي".
وأضاف بشار: "كل الشكاوى التي تُرفع للأمم المتحدة تبقى بالأدراج، لأن هناك شبه دولة (أميركا) تحكمها العصابات وتنطلق من مبدأ القوة، وكما كنا نقول قبل قليل هم مجموعة لصوص والصراع بينهم هو صراع على الأرباح والمكاسب والخسائر"، مُتابعاً: "الصراع الأميركي الداخلي هو ليس صراع عقائد أو أحزاب كما يظهر، وأقصد الصراعات التي تحصل بين ترامب وبين الآخرين في أميركا، هي صراعات من أجل الغنائم والمكاسب، لذلك نحن نعيش اليوم في عالم يشبه الغابة، هو أقرب إلى العالم ما قبل الحرب العالمية الثانية وليس بعدها. لذلك سنرسل شكوى ولكنها ستبقى في الأدراج".
فقدان ثقة..
ويمكن الإشارة ختاماً، أن الوجود الأمريكي في شمال سوريا لم يعد يأخذ الأهمية السابقة من قبل أهالي شمال سوريا، خاصة مع فقدان الثقة بالأمريكيين، وتحولهم في أعين الكثيرين من سكان المنطقة من شريك في مُحاربة الإرهاب، إلى شريك في سفك دمائهم.
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!