الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عن أغاني الأطفال الكرديّة ومرحلتها الأولى
همبرفان كوسه

قبل مدّة من الآن، حوّل روّاد مواقع التواصل الاجتماعيّ وكثير الكرد، أغنية للأطفال غنّاها الفنان الكرديّ، معصوم شكاكي، على إذاعة آرتا المحليّة في مدينة عامودا إلى مادةٍ للسخرية. كانت هذه السخريّة تنطلق غالباً من غياب ثقافة أغاني الأطفال الكرديّة عن المجتمع الكرديّ، وتوجّه الكرد عموماً نحو الثقافة العربيّة في الأغاني والشعر والأدب والسياسة وحتّى الرياضة؛ إذ أنّ السخرية تكون موجودة في حديث معلّق رياضي كرديّ على مباراةِ كرةِ قدم، وتكون موجودة على دبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبيّة باللغة الكرديّة، ذلك أنّ كثير من المفردات الكرديّة لا تزال غائبة عن اللغة المحكّية الكرديّة، ودمجها مع مادةٍ معرفيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة، ستكون غريبة على المتلقي الكرديّ، المتأقلم مع المفردات العربيّة. أغاني الأطفال الكرديّة


كان المجتمع الكرديّ إلى وقتٍ قريب يزال لا يمنع الأطفال من مشاهدة أغاني القنوات التي تملك توجّهاً عقائدياً دينيّاً، مثل قناة طيور الجنّة؛ تلك القنوات الإعلاميّة التي توظّف الأغنيّة كأداة سياسيّة ودينيّة، وتمنحها شكلاً من التبشير الدينيّ، وتعمل على تشكيل قاعدة فكريّة وسلوك اجتماعيّ للأطفال يرتبط بالدين والأفكار الدينيّة.


كانت المرويّات الشعبيّة الكرديّة، وقصص مثل فاطمة صالح آغا ومم وزين، حتّى وقت قريب، ما ترويهنّ النسوة الكرديّات على أطفالهنّ، وكانت أغاني الفولكلور الكرديّ القصصيّة التي تسرد التاريخ الاجتماعيّ والكفاحيّ للشعب الكرديّ، من مرويّات القرى والبلدات الكرديّة في سوريا للأطفال. بدا هذا الشيء يتلاشى تدريجيّاً منذ بداية القرن الواحد والعشرين مع نهاية جيل نسويّ كرديّ حافظ على التقاليد الاجتماعيّة الكرديّة وبعد أن حلّ محلّه جيل آخر يختلف في الكثير من القناعات والعادات ونمط الحياة، وصارت القصص العالميّة والعربيّة للأطفال والأغاني التي تملك أبعاداً عقائديّة وقوميّة هي ما يستمّع لها الطفل/ة الكرديّ/ة في مرحلته/ا العمريّة الأولى، إلى أن صرت تجد صغار الكرد يرددون شعارات لقوميّات ثانية غير كرديّة، وينتمون إلى مدارس سلوكيّة تختلف عن البيئة الاجتماعيّة الكرديّة التقليديّة القرويّة، وحتّى شبه المتمدّنة.


وفي المناهج التعليميّة السوريّة، كانت الأشعار والأغاني التي تدرجها وزارة التربية والتعليم في المنهاج التعليمي للمرحلة الابتدائيّة تضمّ أغانِ تمجّد القوميّة العربيّة وحزب البعث الحاكم، وتسعى إلى تأسيس جيل سوريّ يؤمِن بعقيدة حزب البعث ويتعلّم من أيديولوجيته ويحوّلها إلى سيرة حياته المعرفيّة.


وقتئذ، كانت الثقافة الاجتماعيّة الكرديّة المتأثّرة بتطورات الأحداث الاجتماعيّة والسياسيّة والعسكريّة في كردستان العراق وكردستان تركيا، تؤثّر في عدم اندماج القسم الأعظم من الأطفال مع المشروع التربوي الذي عمِل عليه حسب البعث؛ إذ أنّ العائلة والأسرة الكرديّة المتأثّرة بالتحولات الكفاحيّة الكرديّة، وتعلّم أفراد عائلتها على سلوكيات المجتمع الكرديّ وقضيته القوميّة، غالباً كان ذلك دون موجّهاً أو مدروساً. كان وبالخلاف من ذلك، كان عصر التطوّر التكنولوجي؛ فالعائلة الكرديّة هي من أدخلت القنوات التلفزيونيّة الخاصّة بالأطفال والتي تحوي أدوات دينيّة واجتماعيّة تختلف مع طبيعة المجتمع الكرديّ إلى المنزل، وتأثّر الأطفال تدريجيّاً، حتّى حلّت الثورة السوريّة، فتوقّف تأثير تلك القنوات تدريجيّاً، حتّى غابت إلى حدٍ كبير.


والحال أنّ ضرورة وجود أغان خاصّة للأطفال في المجتمع الكرديّ السوريّ، بلغة ومفردات كرديّة تتشابه مع المفردات المحكيّة للأسرة الكرديّة، ومؤسّسات إعلاميّة كرديّة خاصّة بالأطفال، هي أنّ هذه الأغان ستؤسّس مستقبلاً الواقع المعرفيّ للكرد في سوريا، وستؤسّس الثقافة الاجتماعيّة والأيديولوجيّة الكرديّة في سوريا إلى حدٍ كبير؛ فالأغان الخاصّة بالأطفال توجّه سلوكهم العام، وهذا السلوك يؤسّس الواقع المعاش راهناً ومستقبلاً. أغاني الأطفال الكرديّة


وفي مطلق الأحوال، فإنّ الجزء اليسير من الموسيقى الكرديّة ظلّت لغة تعبيريّة، تمكّن الكرد من مجابهة السلطة في سوريا، وتقدّم آراءها وطروحاتها عبر الأغاني. كان الشعراء الكُرد المنشغلون بكتابة أغاني الأطفال، في بعض الأحيان، يشرحون لهم في بعضٍ منها عن ممارسات الأجهزة الأمنية للنظام السوري، وأدوارها وأفعالها، ضمنها تلك الأغنية التي غنّاها الفنان معصوم شكاكي، والتي لاقت موجة السخرية.


تالياً؛ أصدرت إذاعة آرتا إف إم، ألبوماً للفنان الكرديّ، معصوم شكاكي، يضمّ مجموعة من أناشيد الأطفال، لعدّة شعراء كُرد، تتمحور حول الوطن واللغة الكرديّة وأغانِ اللهو والفرح ومديحهم التي تليق بالأطفال الكرد وبلغتهم، وربّما في وقتٍ قريب تحلّ هذه الأغاني محلّ أغاني قناة طيور الجنّة والأغاني الغربيّة، وتعود الثقافة الكرديّة وفولكلوره وميراثه الاجتماعي والثقافي إلى مكانه الطبيعي. ليفانت


همبرفان كوسه-صحفي كردي/سوري ليفانت

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!