الوضع المظلم
الجمعة ٠٥ / يوليو / ٢٠٢٤
Logo
عقدة المنشار بين الأسد وأردوغان 
علي الأمين السويد

 

علي الأمين السويد

لماذا تتدخل تركيا في سوريا، وماذا تريد من تدخلها عند النهاية؟

تسعى تركيا جاهدة وبكل الوسائل الممكنة لاحتلال الشريط الحدودي مع سوريا بعمق أربعين كيلومتراً بالاتفاق مع نظام بشار الأسد. فتركيا تريد احتلال المنطقة تنفيذا للميثاق الملي التركي الذي يعتبر شمال سوريا، وشمال العراق أرضاً تركية يجب اعادتها الى الدولة التركية. 
فمصالح تركيا توسعية على حساب سوريا والعراق. وخصوصاً أنها تعتبر سوريا دولة فاشلة، وأن نظام الأسد مستعد لفعل أي شيء يبقيه في السلطة حتى ولو كان التنازل عن الشمال السوري بمن فيه الى تركيا كما فعل ابيه عندما تنازل عن الجولان لإسرائيل كي يحكم سوريا وليتمتع بالحماية الإسرائيلية. 

ماذا يريد نظام الأسد من تركيا؟

يريد الأسد إيجاد مخرج ما يمكنه من التنازل عن الشمال السوري لتركيا تنفيذا لاتفاقاته معها المدعومة من إيران وروسيا، ولكنه يريد أن يتجنب "مخرج" تعديل اتفاقية أضنة 1998 بحيث يسمح لتركيا التوغل مسافة 40 كم داخل الأراضي السورية "لملاحقة الإرهابيين المزعومين" بدون تنسيق مع نظامه لأن الأمر بات مكشوفا للقاصي والداني.  فأي تعديل بهذا المنحى يعني أن الأسد باع الشمال السوري بما حمل الى تركيا. 

هل يوجد تطبيع بين تركيا والنظام السوري؟

روسيا، وباعتبار تركيا حليف استراتيجي لها، تحاول الانتهاء من مسألة الشمال السوري بأي شكل من الأشكال ونهائيا بغية ترتيب سوريا الجديدة حسب مصالحها ومصالح إيران. لذلك تقوم روسيا وإيران بمحاولة إيجاد مخرج للتقارب الصوري بين نظام دمشق وتركيا. وأقول صوري لأن التقارب الفعلي تم واقعيا وعمليا منذ تسليم حلب لنظام دمشق عام 2016.


ونتيجة للضغط الروسي والإيراني، تنازل الأسد عن مطالبه "الإعلامية" بانسحاب تركيا من الأراضي السورية قبل اجراء أية لقاءات بينه وبين أردوغان.

وكخطوة تشجيعية لنظام الأسد، قامت تركيا بفتح معبر أبو الزندين مقابل اللقاء الثنائي ذو الشرط المهين بكونه بعيد عن الإعلام، وبدون مشاركة أي طرف ثالث. 

ولكن إيران أفشلت هذه الخطوة حين جعلت نظام الأسد يغلق معبر أبو الزندين من جهته، كرد على تركيا يقول: "لا يمكنكم الاستفراد بالأسد ونحن من يحكم سوريا." وهذه ليست عداوة إيرانية لتركيا، وانما لأن إيران تعتبر الأسد عنزتها ولا تريد لتلك العنزة أن تلد كلبا. بمعنى أخر يمكن القول بأن إرادة للحضور الإيراني في أي شأن يخص سوريا هو حق طبيعي لإيران لأنها الحاكم الفعلي لسوريا. 

مالم تحسب تركيا حسابه هو إرادة الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد، أو شدة ردة فعله. فأنقرة تعتقد بأنها تتعامل مع سكان المناطق السورية المحتلة على أنهم عبيد، تأمرهم فيطيعون. 

إلا أن الأحرار خرجوا عن صمتهم، وتخلوا عن صبرهم، وخرجوا في مظاهرات عارمة ضد تطبيع قيادات فصائل الجيش الوطني المرتزق والحكومة المؤقتة الموالية لتركيا مع نظام الأسد. 


ولأن هذا الخروج الثوري في الشمال لم يرق لنظام الاحتلال التركي، قامت الحكومة التركية بتحريض العنصريين الأتراك للاعتداء على السوريين في قيصراي التركية، وغازي عنتاب. فشهدت تلك المناطق اعتداءات مخزية على السوريين العزل من قبل العنصريين ومن قبل قوات الامن التركية. 

ورداً على هذه الاهانات بحق السوريين في تركيا، وفتح معبر أبو الزندين تطور الحراك الشعبي في الشمال السوري ليكون غضبه موجها هذه المرة الى الحكومة التركية، والى الاحتلال التركي، والى قادات المرتزقة السوريين الموالين لتركيا بشكل مباشر . فتفاجأت تركيا من هول الصدمة، واكتشفت بأنها لا تتعامل مع قطيع داجن، وانما مع شعب حي تقويه المحن وتشد من أزره الصعاب. 


إن مثل هذه الثورة الشعبية ضد الوجود التركي ستصعّب كثيرا جدا من تنفيذ المخططات التركية باحتلال الشريط الحدودي. لذلك سارع رأس النظام التركي بمحاولة الترقيع ولوم الجن الأزرق والأخضر كونهم هم من صنع الفتنة بين المهاجرين والانصار. 

إن استخدام أردوغان كلمة "أنصار" قاصداً بها الشعب التركي حين توجه بكلماته الى الشعب السوري لهو استخدام منحط وسخيف واستخفاف بعقول السوريين على أساس انه بكلمتين دينيتين يستطيع الضحك عليهم، واعادتهم الى حظيرته. 

أخيرا، من المستبعد أن يتم أي اتفاق قريب بين النظام التركي والنظام السوري ليس لأن تركيا تكره الأسد، وليس لأن تركيا تحب السوريين، وليس لأن تركيا تريد من الأسد تطبيق القرار 2254، وليس لأن النظام السوري لا يساعد تركيا في القضاء على قسد، وإنما لأن الأسد لا يجرؤ حاليا على تعديل اتفاقية أضنة حسب الإرادة التركية لأن مجرد التعديل يعني أن رأس النظام السوري قد باع الشمال السوري لتركيا مقابل أن يخاطبه أردوغان ب "فخامة الرئيس الأسد". 

وسيبقى الوضع بين تركيا وسوريا على هذه الحال الراهنة حتى يتم إزالة عقدة المنشار. وعقدة المنشار هي السماح لتركيا باحتلال الشمال السوري بشكل لا يسمى احتلالها احتلالاً. وسواء تمت إزالة عقدة المنشار أم لم تتم، فستبقى النتيجة واحدة: تركيا تحتل معظم الشمال السوري. 


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!