-
عفرين.. 5 سنوات من الهندسة الديموغرافية واستهداف الأكراد لفرض العثمانية
شنت أنقرة في العشرين من يناير العام 2018، برفقة 25 ألف مسلح من "الجيش الوطني السوري" غزواً عنيفاً على عفرين، استخدمت في يومه الأول 72 طائرة حربية (وهي كانت إشارة رمزية إلى مرور 72 عام على إنهاء جمهورية مهاباد الكُردية في إيران آنذاك)، رغم أن مسلحي المعارضة كانوا قادرين مع تلك التحشدات الضخمة، على فتح جبهة مع النظام السوري ودخول حلب، لولا ارتهانهم للقرار التركي.
وإلى الثامن عشر من آذار من العام 2018، خسر الكُرد السوريون مئات الضحايا العسكريين والمدنيين، خلال تصديهم لتلك الهجمة العسكرية التركية، كما خسروا أهالي عفرين، سبع نواحي، 366 قرية، بجانب تهجير مئات الآلاف، ممن فروا وصورتهم عدسات الكاميرات، إذ كانت تتقاطر ألوف السيارات على طريق "جبل الأحلام"، الذي تحول العبور منه إلى حلم حقيقي وقتها، كونه كان المفر الأخير أمام العفرينيين للنجاة بأرواحهم من الهجمة القادمة نحوهم من كل حدباً وصوب، ضمن واحدة من أكبر قوافل التهجير القسري والتطهير العرقي التي شهدتها الحرب السورية على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: المرصد السوري: خروقات عفرين تهدف لتهجير أبناءها المُتبقيّن
ولتحقيق تلك الغاية، توافقت تركيا مع النظام السوري وموسكو على هندسة الديموغرافية في عفرين، عبر تهجير أهالي ريف دمشق وحمص ومناطق داخلية سورية أخرى، لتوطينهم فيها، مقابل تهجير تركيا سكانها الكُرد، وهو ما حصل بشكل متوازي وفاضح، ففي الوقت الذي كانت تُهجر فيه تركيا أهالي عفرين، بمئات الآلاف عبر طريق جبل الأحلام، كان يجري على الطرف الآخر، تهجير أهالي غوطة دمشق عبر النظام السوري وروسيا.
كما بنت تركيا خلال السنوات الخمسة من سيطرتها على عفرين، عشرات المستوطنات وهو ما يعني سعي تركيا لبقاء سكان تلك المستوطنات في عفرين، حتى في حال إيجاد حل سياسي في سوريا مستقبلاً، في عفرين، بذريعة إنها أرض سورية.
هندسة الديموغرافية
ورغم إدراك أهالي عفرين ونشطائها، بأن أرضهم المستباحة، قد جرى التفريض بها بموجب اتفاقية روسية تركية، قامت على مقايضة عفرين، التي كانت عملياً ضمن مناطق النفوذ الروسي (جوياً)، بـ (غوطة دمشق، وريف حمص الشمالي، ومناطق إدلب شرق سكة حديد الحجاز مع مطار أبو الظهور العسكري، ومناطق أخرى) التي كانت خاضعة لنفوذ أنقرة.. إلا أنهم لا يزالون مؤمنين بأن حقهم لا يمكن أن يضيع بالتقادم، رغم مرور خمس سنوات على احتلال أرضهم.
فيما استولت المليشيات السورية التابعة لأنقرة، على أملاك المهجرين من بيوت وأراضي زراعية وغيرها، ووزعتها على مسلحيها وذويهم، وهو ما صبّ في خدمة مخططات أنقرة لتغير ديموغرافية المناطقة، وهندستها، ورغم أن كل المناطق السورية الخاضعة لسلطة تركيا، عبر أدواتها السورية العسكرية المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، والتي يعتبر "الائتلاف الوطني السوري" واجهتها السياسية، تعيش أوضاعاً أقل ما يمكن أن توصف به بانها مزرية، من رأس العين إلى تل أبيض، ومن جرابلس، مروراً بالباب وإعزاز ومارع والراعي، بيد أن "عفرين"، كان لها حصة الأسد من الانتهاكات.
المنظمات الدولية وعفرين
تلك الوقائع وغيرها، كانت قد دفعت المنظمات الدولية وبعض الجهات الحكومية إلى إعلاء صوتها رفضاً لتلك التجاوزات، وبالصدد، أفادت منظمة العفو الدولية في التاسع والعشرين من مارس العام 2022، بأن الميليشيات التابعة لتركيا تواصل تعريض المدنيين في عفرين ورأس العين لمختلف صنوف التعذيب والاعتقال والمعاملة السيئة.
وقالت: “استمر الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، في تعريض مدنيين في مدينتي عفرين ورأس العين شمالي البلاد للاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاختطاف"، وأضافت أن “الجيش الوطني السوري، وهو ائتلاف من جماعات مسلحة موالية لتركيا، استمر في ارتكاب مجموعة من الانتهاكات ضد المدنيين، وأغلبهم من الأكراد السوريين، في مدينتي عفرين ورأس العين".
ونقلت عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن الميليشيات المسلحة التابعة للاحتلال التركي قامت بتعذيب المعتقلين أثناء استجوابهم من أجل انتزاع “اعترافات”، مشيرةً إلى أن المعتقلين حرموا من “التمثيل القانوني ومن الاتصال بعائلاتهم خلال احتجازهم في مراكز احتجاز غير رسمية".
في حين نشرت وزارة الخارجية الأميركية، منتصف أبريل 2022، تقرير حقوق الإنسان في العالم، وقال التقرير الخاص بسوريا، إن الوضع الأمني غير المستقر في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة، أسهم في تعزيز بيئة ارتكبت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والإيذاء البدني الشديد والاختطاف.
وقالت إن الجماعات الإرهابية المسلحة، مثل هيئة تحرير الشام، ارتكبت مجموعة واسعة من الانتهاكات، بما في ذلك عمليات القتل والاختطاف غير المشروعة، والإيذاء البدني الشديد، ومقتل المدنيين أثناء الهجمات التي وصفتها لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا بأنها عشوائية.
استهداف الأكراد والإيزيديين
كما قال التقرير إن جماعات المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا في المنطقة الشمالية من البلاد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث أفادت التقارير بأنها استهدفت السكان الأكراد والإيزيديين وغيرهم من المدنيين، وشملت انتهاكاتها عمليات القتل خارج نطاق القانون، الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري للمدنيين، التعذيب، العنف الجنسي، عمليات الإجلاء القسري من المنازل، ونهب الممتلكات الخاصة والاستيلاء عليها، ونقل المدنيين المحتجزين عبر الحدود إلى تركيا، وتجنيد الأطفال، ونهب وتدنيس الأضرحة الدينية.
فيما أصدر مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأمريكية، في الرابع والعشرين من يونيو 2022، تقريره السنوي عن حرية الأديان في سوريا لعام 2021، وتحدث التقرير عن أنَّ جماعات المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا قد ارتكبت انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب وأخذ الرهائن والنهب، والاستيلاء على الممتلكات الخاصة، لا سيما في المناطق الكردية، فضلاً عن تخريب المواقع الدينية الإيزيدية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
لفرض الأفكار العثمانية
بالصدد، قال الصحفي "شيار خليل" رئيس تحرير "صحيفة ليفانت اللندنية"، لموقع الصحيفة، في الذكرى الخامسة لسيطرة الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني السوري"، على عفرين: "منذ خمسة أعوام ومازالت عفرين شمال غرب سوريا، في تلك الخاصرة الرخوة تتعرض للانتهاكات الجمة، حيث تتعمد القوات التركية والحكومة التركية ومنذ اجتياحها الحدود السورية واحتلال مدينة عفرين، بنشر الفوضى واللصوصية في المدينة والقرى والنواحي التابعة لها، وتتعمد السياسات التركية بجلب كل المرتزقة السوريين لتلك المنطقة، وإعطائهم الحرية الكاملة بممارسة الاعتقالات والقتل والسرقات بجانب التغيير الديمغرافي الذي لم يتوقف منذ اليوم الأول".
وأردف: "بعد خمسة أعوام، مازالت القوى الدولية متآمرة على كل السوريين ومنها تركيا، التي دخلت الأراضي السورية ومارست فيها القمع والاحتلال والقتل، وكانت عفرين الكردية المدينة الأكثر تضرراً من تلك السياسات بسبب أحقاد تركيا اتجاه الكرد، والانتقام من المدينة التي تتسم بخصوصيتها الكردية، من حيث السكان والثقافة والجغرافيا، وكل ذلك كان بمساعدة من القوى والميليشيات العسكرية السورية "المعارضة" التي فرضت الإتاوات والفدية على السكان الأصليين، وتمارس القتل والاعتقال لتهجير ما تبقى من سكان تلك المدينة".
وختم بالقول: "إن ما جرى هناك في عفرين ويجري إلى الآن من انتهاكات، قبل كارثة الزلزال وبعد ذلك خارج كل المواثيق والقوانين الدولية، وعلى الجهات المعنية الدولية تحمل مسؤولياتها عن ذلك، وخاصة أن ما يمارس بحق تلك البقعة الجغرافية والسكانية هي محاولات دقيقة واستراتيجيات لتهجير الكرد من المنطقة، وإحداث تغيير ديموغرافي فيها لصالح تركيا، وحكومتها الفاشية والساعية لفرض الأفكار العثمانية السلطوية على المنطقة".
إعداد: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!