الوضع المظلم
السبت ٣٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • عفرين بين نيران التحطيب الجائر والمستوطنات المُغيّرة للديمغرافية

عفرين بين نيران التحطيب الجائر والمستوطنات المُغيّرة للديمغرافية
شفان إبراهيم

تتحدث الوقائع والأحداث عن حقيقتين مأساويتين حول عفرين، وهما في صُلبهما يمسان جوهر  الهويّة السورية الجامعة التي نبحث عنها نحن المبتلين بداء العنصريين والعنصرية وبؤس التعريب والإلغاء.

حيث التصحر ثم التوطين على حساب أهل الدار، هي العناوين الرئيسة والفرعية لحياة  المجتمع المحلي الأصلي والتاريخي في عفرين. كل شيء هناك يُشير إلى فضيحة فرض فلسفة الموت حتى على الأشجار، ومع اللاستجابة من أمراء الحرب أو ردة فعل رديئة في أفضل الأحوال للقطع المستمر للأشجار وأحراج الزيتون، دون المساس بجذر العار الذي ألحقه المجرمون بالسوريين على اختلاف توجهاتهم وآرائهم، خاصة مع تكرار صور وأشرطة الفيديو التي تثبت حجم الانتهاكات الحاصلة هناك، وكأن إخراج الإدارة الذاتية وقواتها المسلحة كانت للإتيان بمن يفوقون الخيال تدميراً ونسفاً للإنسانية والقيم الأخلاقية لكل الثورات.

أحياناً يخطر في بالي أن أسأل قادة الفصائل المعنيين بتلك الانتهاكات والتجاوزات، بماذا تضركم الأشجار، مثلاً هل التوازن البيئي، المسطحات الخضراء، الهواء النقي للمواطنين، تجلب لكم العار  أم أنكم لا تتمكنون من النوم ليلاً إن وجدتم الناس مُرتاحين في بيوتهم؟

ما جرى ويجري مذهل فعلاً، وإهانة للذات البشرية لجهة من يدعون تمثيل الثورات والشهداء، هؤلاء ينتهكون الحرمات ويتجاوزون المعايير الأخلاقية لكل شيء. الثابت في الموضوع أن دماء السوريين كرداً وعرباً تستمر في الهدر والقنص، منذ عقود، ويواصل أهل عفرين العيش في بشاعة الاستغلال الحزبي والسياسي لهم، والأدوار الكثيرة لمختلف الجهات في تعميق المعاناة ودوامة العنف. وبات من السهل جداً القول إن العنف والاستبداد والديكتاتوريات والممارسات الترهيبية والقتل العمد، لا تقتصر على جهات بأسماء محددة، فربما نجد من يُلحق باسم تجمعه مصطلحات مثل /ثوري - ثورة - مساواة - عدالة... إلخ/ لكنها تظل مجرد قشرة خارجية تحتوي وتحمي وتصون كوكبة من الأمراض الخبيثة القائمة على هدر الدماء وهتك الأعراض، وتالياً فإن الزج بعبارات إسلامية وآياتٍ قرآنية كريمة لن تغير من حقيقة هؤلاء في شيء، بل إن تسييس الإسلام لا يلغي حقيقة بشاعة هؤلاء وكونهم أعباء على الدين نفسه. مثلاً أن تُلحق جماعة مسلحة اسم الله أو الإسلام أو الدين أو الرسول باسم تجمعها، ثم تقوم بأبشع الانتهاكات ثم يُطلب من المجتمع المحلي الطاعة والرضوخ. هؤلاء وعيهم هو العنف والموت، وهو ليس وعياً حديثاً أو نتيجة للكارثة التي حلت بسوريا، هؤلاء ببساطة هم النسخة المعدلة من أنظمة الموت.

والثانية: في الأمس وقف العفرينيون في مدخل مدينتهم يستقبلون السوريين الفارين من جحيم الحرب، وشاركوهم بيوتهم وأرزاقهم، ليجدوا أنفسهم خارج الديار بعد معارك "غصن الزيتون"، والأكثر محقاً وسحقاً للهويّة والعيش المشترك، أن تتحول أراضي عفرين وساحاتها ومروجها إلى مستوطنات لإسكان الوافدين والنازحين، هؤلاء أولاً أهل سوريا، ومن حقهم العيش في أي منطقة يرغبون، لكن ليس على حساب التغيير الديمغرافي وطرد أصحاب الدار. ففي البداية قامت "جمعيات كويتية في بناء مئات المستوطنات في موقع جبل حج محمد التابع لجنديرس بريف عفرين، وساعدتها في ذلك جمعيات فلسطينية في بناء المستوطنات جنوبي قرية شاديره في ناحية شيراوا" لتلحق بها منظمة وفاء المحسنين الفلسطينية بفتتح قرية سكنية في ريف عفرين وبناء مئات المستوطنات أيضاً.

ربما يكون مصطلح "المستوطنات" قاسياً على مسامع النازحين، خاصة اللذين دمرت بيوتهم وصودرت أملاكهم، وفقدوا الأمل بأي عودة. لكن عدم تمكن أهالي الدار من العودة لمنازلهم، وبناء "منازل" خاصة بالوافدين هي "نكتة سمجة" وتخطيط ممنهج للقضاء على الوجود الكردي في عفرين. والأكثر غرابة أن الدفعة الأخيرة من "المستوطنات" تأسست عبر الكتلة المالية التي جمعها أهالي قرية "الزعيم" في شرقي القدس. وببحث صغير عن هذه القرية تقول معرفات ومحركات البحث ما يلي "منطقة يحيط بها جدار العزل الإسرائيلي وحاجز عسكري، وبوابة حديدية تتحكم في تحركاتهم، وجميعها ممارسات احتلالية حوّلت حياة نحو سبعة آلاف نسمة إلى مأساة حقيقية". هؤلاء تركوا ما لديهم من مآسٍ وقصص تعمق القهر في الوجدان، لبناء ما أسموه بالقرى في عفرين، للنازحين السوريين، في حين أن تقارير حقوقية تقول إنهم من الفلسطينيين السوريين المُرحلين من مختلف المناطق السورية.

بالعموم عفرين لوحدها قصة هويّة خاصة، تحمل تاريخ النسف الهويّاتي لكل السوريين، وأن اختلفت التسميات لكن الممارسات هي-هي لا تتغير، ويُمكن تخيل أيّ تنشئة للهويّة السورية في عفرين تحصل ويمكن الحديث عنها في ظل ما تشهده المدارس من ظلم يحلق الطلبة الكرد ولغتهم، وقطع أشجار الزيتون وهي مصدر رزقهم، والتحطيب الجائر للأشجار التي تشكل جزءاً من تاريخ المدينة، وبناء قرى ومستوطنات لإيواء النازحين. في مقابل بقاء أهالي عفرين خارج ديارهم وعدم السماح لهم بالعودة لمدينتهم وقراهم، وطالما بقوا خارجها فلا بوادر لتغيير المعادلة أبداً. فأيّ وهم سنعيشه حول هويّة سوريا جامعة في ظل ثقافة القتل المستمر جسداً ونفساً وروحاً وجغرافياً وتاريخاً في عفرين؟

 

ليفانت - شفان إبراهيم

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!