-
رؤساء سورية وطنيون أم موظفون؟ الرئيس التاسع عطا الأيوبي
رفض الرئيس السوري “عطا الأيوبي” مساعي نجله خالد، الذي حصل على موافقة 72 نائباً لترشيح والده لرئاسة الجمهورية على حساب مرشح الكتلة الوطنية، شكري القوتلي، وقال مقولته الشهيرة معاتباً نجله: “إنّ مصلحة الوطن تقتضي بأن يكون شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وحده ودون غيره، وأنا لا يمكن أن أتقدّم عليه”.
تولّى الأيوبي رئاسة الحكومة مرتين (1936 و1943) ورئاسة الجمهورية خلال الفترة (من 25 مارس إلى 17 أغسطس 1943) وشغل عدة مناصب ووزارات خلال العهدين، العثماني والفرنسي، عرف بالوسطية وبعلاقته مع الكتلة الوطنية والانتدابيين والفرنسيين وعدم انتسابه إلى أيّ حزب سياسي.
ولد الرئيس السوري التاسع في دمشق عام 1874، لأسرة من الأعيان وتعود بنسبها إلى عهد صلاح الدين الأيوبي، درس الآداب والعلوم الإنسانية في المكتب الملكي في إسطنبول، وعين قائم مقام لمدينة اللاذقية ثم الكرك، ونأى بنفسه عن المشاركة في الثورة العربية الكبرى، ومع ذلك بايع قائد الثورة الشريف حسين بن علي، وأصبح عضواً في الحكومة المدنية التي شكلت في دمشق لتسيير الأمور برئاسة الأمير محمد سعيد الجزائري، حفيد عبد القادر الجزائري، وشقيق زوجة الأيوبي، واستمرّت لمدة أربعة أيام فقط حتى دخول الجيش العربي لدمشق.
تولى الضابط السابق في الجيش العثماني، رضا باشا الركابي، رئاسة الحكومة بعد دخول القوات العربية دمشق، في 3 تشرين الأول عام 1918، وعين الأيوبي وزيراً للعدل، وهي الوزارة الأولى التي يشغلها في العهد الجديد، كما بايع الملك فيصل الأول ملكاً للمملكة العربية السورية وحضر حفل تتويجه في 8 آذار لسنة 1920، قبل دخول القوات الفرنسية التي خلعت الملك الذي كلف قبل مغادرته “علاء الدين الدروبي” لتشكيل حكومة جديدة، كان الأيوبي وزيراً للداخلية بدلاً من رضا الصلح، والد رئيس الحكومة اللبناني الأسبق، رياض الصلح.
حمل أهالي حوران السلاح للدفاع عن الملك فيصل ورفضوا دفع الغرامة المالية التي فرضت على السوريين كنوع من العقاب على حملهم للسلاح في معركة ميسلون، وعليه طلب المفوض السامي الفرنسي من رئيس الحكومة، علاء الدروبي، إجراء مفاوضات مع الأهالي، وتوجّه الأخير، في 21 آب 1920، إلى حوران برفقة رئيس مجلس الشورى، عبد الرحمن باشا اليوسف، والوزير، عطا الأيوبي، وعند توقف القطار في خربة غزالة هاجمهم الثوار وقتل الدروبي واليوسف ونجا الأيوبي، وعاد ليشغل وزارة العدل في حكومة “جميل الألشي” الذي خلف الدروبي، ولم تستمر الحكومة طويلاً، استقالت بعد تقسيم سورية، وقام حقي العظم بتشكيل حكومة ثانية، بقي الأيوبي فيها وزيراً للعدل.
حافظ الأيوبي على حقيبة وزارة العدل في عهد صبحي بركات، رئيس الاتحاد السوري الفيدرالي، لحين إقالة بركات بعد اندلاع الثورة السورية الكبرى 1925، وابتعد عن الساحة حتى عام 1934،حين عيّن وزيراً للعدل في حكومة الرئيس “تاج الدين الحسني”، واستمرّ لغاية 24 شباط 1936.
تسبب اعتقال السلطات الفرنسية لنائب دمشق “فخري البارودي” عام 1936، على خلفية دعوته للقيام بحملة احتجاجات ضد قرار الشركة البلجيكية المشغلة لـ”الترام”، برفع سعر التذكرة نصف قرش بحالة غضب من الكتلة الوطنية التي أطلقت “الإضراب الستيني”، وشهدت البلاد مظاهرات حاشدة قوبلت بعنف واعتقالات من السلطات، ولإيقاف الإضراب والمظاهرات وتخوفاً من انتشار الإضراب في المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا، وافقت السلطات الفرنسية على إقالة حكومة تاج الدين الحسين وإطلاق سراح المعتقلين وتسمية شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، وتم التوافق مع الكتلة الوطنية على تسمية عطا الأيوبي ليشغل منصب رئيس الحكومة للمرة الأولى في 24 شباط 1936.
خاض الأيوبي سلسلة من المفاوضات مع المفوض السامي الفرنسي، هنري دي مارتل، وتم الاتفاق على إيقاف الإضرابات والمظاهرات بشرط التفاوض المباشر مع الحكومة الفرنسية، وقام برفقة “هاشم الأتاسي”، زعيم الكتلة الوطنية، بقصّ الشريط الأحمر الذي وضع على مدخل سوق الحميدية إيذاناً بعودة الحياة الاقتصادية، كما توجه وفد الكتلة الوطنية برئاسة الأتاسي إلى باريس وحصلوا على معاهدة موقعة من الرئيس ليون بلوم 1936، تمنح سورية استقلالها خلال 25 سنة وعلى إثرها استقال الرئيس “محمد العابد”، ورئيس الحكومة الأيوبي في 21 كانون الأول، لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسيّة.
بعد وفاة الرئيس تاج الدين الحسني 1943، تم تكليف “جميل الألشي” رئيساً للجمهورية، وبدوره قام برفع سعر الخبز لدعم المجهود الحربي الفرنسي، فقامت “ثورة الخبز”، وشهدت البلاد مظاهرات بقيادة الكتلة الوطنية أدّت إلى استقالة الألشي، وبعد سلسلة من المفاوضات بين الكتلة الوطنية والمفوض الفرنسي، الجنرال كاترو، تم الاتفاق على عودة الحياة السياسية البرلمانية التي توقفت منذ عام 1939، وتشكيل حكومة مؤقتة توافقية تحظى بمباركة من الشعب والكتلة الوطنية والمعتدلين، تدعو لانتخابات برلمانية، فأصدر الجنرال كاترو مرسوماً، في 25 مارس لسنة 1943، كلف من خلاله الأيوبي برئاسة الجمهورية، خلال الفترة (من 25 مارس إلى 17 أغسطس 1943)، فتولى رئاسة الدولة والحكومة بالإضافة إلى حقيبتي الداخلية والدفاع، ونجح بحلّ مشكلة الخبز حين قام وبالتعاون مع سلطان باشا الأطرش بشراء القمح من جبل الدروز بسعر رمزي.
أجريت الانتخابات البرلمانية في الشهر السادس من نفس العام، وأعلن عن نتائجها في السابع من أغسطس، بفوز ساحق للكتلة الوطنية، وانتخب “شكري القوتلي” رئيساً للجمهورية في 17 أغسطس وترتب على ذلك استقالة الأيوبي وحكومته، وكلف القوتلي الوطني “سعد الله الجابري” بتشكيل الحكومة، وكان هذا آخر عهد للأيوبي في السياسية، حيث فضل العيش بعيداً عن الأضواء حتى وافته المنية في دمشق عام 1951، بعد رحلة سياسية طويلة تولّى خلالها عدة مناصب مهمة، صنفته الغالبية بأنّه كان من الوطنيين المعتدلين وعمل من أجل الاستقلال، بينما اتهمه خصومه بموالاته للفرنسيين.
في كلمته أمام رجال الصحافة بعد توليه منصب الرئاسة، قال الأيوبي: “إنّي أحب النزاهة وأتمنى أن أكون نزيهاً ولكنني شديد التعصب لحيادي، ولا أستند إلى حزب معين، بل إلى جميع الأحزاب، وأتمنى أن تكون جميع الأحزاب متفقة على خدمة المصلحة العامة، فالأشخاص زائلون والحكومة ثابتة، وعلينا أن نعمل لتكون للحكومة قوتها”.
ليفانت_ طه الرحبي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!