-
حمدين صباحي في دمشق… ذاكرة الناصريين المثقوبة والعمياء
كان اللقاء المباغت الذي تم، قبل يومين، بين صباحي وبشار الأسد، ضمن رئاسته وفداً من الأمانة العامة لـ”المؤتمر القومي العربي”، بعد مغادرة العاصمة اللبنانية، بيروت، ليس عماءً أيديولوجياً، أو فقدان بوصلة سياسية وأخلاقية، إنّما هو ذلك كله بالإضافة الى حالة التيه المتفشية، والتي تبدو في التناقض الفج على خلفية تباين المواقف السريع من دون أفق أو تحقيق نتائج.
في فيلم “الآخر” للمخرج يوسف شاهين، برز السياسي الناصري المصري، حمدين صباحي، في مشاهد محدودة في دور رئيس تحرير يساري، له مواقف انفعالية وعصبية متشنّجة من عولمة الرأسمالية وممثليها من طبقة رجال الأعمال التي تخلق صراعات بالمجتمع. وقد نجمت عنها، في ظل التناقضات الطبقية، مساحات هامش اختلط فيها الفقر بالإرهاب الديني بالفساد.
ثلاثية تقليدية يتقن الناصري بخلفيته الصحافية المسيّسة تأديتها في كادر ثابت بإضاءة تكاد تكون معتمة داخل جدران حزب “التجمع الوطني التقدمي الوحدودي” الذي يضم خليطاً يسارياً (بما فيه اليسار الإسلامي (!)). هذا الكليشيه السينمائي، وفي الواقع، يكاد لا يختلف عن المواقف المماثلة والعملية لصباحي الذي يتحدث كأنّما يهتف ويستدعي جماهيرية متخيّلة من حواف الذكريات المتهالكة، والانتصارات المتوهمة، في زمن الأحلام الكبرى، والمواكب العسكرية الضخمة. هذا الميراث الذي لم يكفل لنا سوى العنتريات والارتجالات السياسية الشعبوية، ثم الحداد والإحباط.
صباحي الشاب الجامعي الناصري، الذي أسّس “نادي الفكر الناصري”، في جامعة القاهرة، في سبعينات القرن الماضي، ونشط ضمن الحركة الطلابية، آنذاك، ضد الرئيس السادات الذي “مشى على خطى عبد الناصر بأستيكة (ممحاة)”، تبدو مواقفه السياسية تجاه الأنظمة العربية أبعد من كونها براغماتية أو انتهازية، بل إنّها محبطة للدرجة التي تصل حد الإفلاس، إفلاس النظرية (القومية العربية). هذه النظرية شهدت صراعاً، علنياً ومكتوماً، حول النسخة الصحيحة بين جناحيها البعثي في “القطر” السوري والعراقي، ثم كان الأخير ممتعضاً من الظاهرة الناصرية، ويرى أنّ النسخة “العفلقية” هي الأكثر شمولية ومتانة.
ومنذ توقيع وثيقة الانفصال بين مصر وسوريا، خاض الطرفان حروباً إعلامية عنيفة، وتبادل كل منهما الاتهامات. ووصف عبد الناصر سياسة البعث بأنّها “طائفية” واعتمدت على “الأقليات”. فيما “قسمت سوريا إلى “بعثي وسوري”، الأول معه كل شيء، والثاني يتم تجريده من الحقوق كافة. وقال عبد الناصر إنّ “قيادة حزب البعث كانت دائماً قيادة انتهازية… قيادة حزب البعث كانت دائماً قيادة تريد أي غنيمة ولو فضلات الموائد… كانت قيادة حزب البعث تريد أن تتسلل ولو في الذيل، وعلى هذا لم تمنعها الشعارات المزيفة التي رفعتها بالوحدة والحرية والاشتراكية… لم تمنعها أبداً من أن تؤيد الانفصال وتدعمه، وأن تساهم فى انتخابات عهد الانفصال، وأن تقول فى منشوراتها إنّها تريد أن ترسي قواعد هذا العهد”.
ربما، لم يسعف الوقت صباحي في أن ينصت جيداً لهذه التسجيلات من أرشيف الخطاب الناصري.
لذا، كان اللقاء المباغت الذي تم، قبل يومين، بين صباحي وبشار الأسد، ضمن رئاسته وفداً من الأمانة العامة لـ”المؤتمر القومي العربي”، بعد مغادرة العاصمة اللبنانية، بيروت، ليس عماءً أيديولوجياً، أو فقدان بوصلة سياسية وأخلاقية، إنّما هو ذلك كله بالإضافة الى حالة التيه المتفشية، والتي تبدو في التناقض الفج على خلفية تباين المواقف السريع من دون أفق أو تحقيق نتائج.
فصباحي، الذي هاجم الأسد في حزيران/ يونيو عام 2012، وقال إنّ “الثورة السورية تسجّل بدماء أطفالها آخر سطر في نظام يتمسك بالحكم على جثث شعبه”، عاود حديثه بصيغة أخرى تطهرية تجعل من هذا النظام الدموي “قلب الأمة العربية”، والوقوف معه هو “ضد العدوان والاحتلال والحصار”. وأضاف: “نؤمن بدورها (أي سوريا الأسد) وموقعها في قلب الأمة العربية”. هذا الموقف أيضاً أضعف من كونه نفاقاً سياسياً، بل هو تهافت ساذج على كسب المواقف، واستجابة غرائزية وبدائية للأحداث، بما يجعل التراجع عن الأولى بعد انحسار الأخيرة، أو بالأحرى القدرة على كبحها وتصفيتها، أمراً تلقائياً وعادياً.
المصدر: درج
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!