الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حلم منتصف النهار
شيرين صالح

"رأيت في منام لي في منتصف النهار، ثلاث أشخاص غرباء يسكنون بيتنا، قالوا لي "نيروز هذا البيت أصبح لنا"، ضحكاتهم و دخان سجائرهم كانت تملأ المكان و غرفنا خالية من الأثاث، أحياناً كانت صور الحلم ينتابني لأنني كنت خائفة أن يتحقق في الواقع، و كأنني كنت بانتظار نذير سوء، لم تمضي إلا أيام قليلة حتى اتصل جارنا بزوجي في ١/١٢/٢٠١٨ و أخبره أن بيتنا نهب بالكامل من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من الجيش التركي، يا لا هذه الحياة القاسية تتحقق فيها الكوابيس بلمح البصر.

  
٩/١٠/٢٠١٩ اليوم الذي بدأ هجوم الجيش التركي على مدينتا سري كانيه، في اليوم نفسه كان زوجي كعادته يعمل في دكاننا لبيع الملابس، و أنا كنت أحضر البطاطس المقلية مع خبز التنور الذي أصنعه بنفسي، تناسيت قلقي و خوفي و أنا أنظر إلى الناس الذين يحملون حقائبهم و يهربون بينما السيارات تملأ الطرق و الحارات، أخبرت أطفالي الثلاثة بعدم الخروج و أننا لن نترك بيتنا، لكن فزعنا من سقوط القذيفة الثانية جعلنا نهرب فوراً، لحظات رعب تفوق خوفنا من الموت نفسه، أقفلت الأبواب بعد أن خبئت المفاتيح في حقيبة الملابس إضافة إلى أوراق ثبوتية بيتنا، منذ تلك اللحظة تغير كل شيء في حياتنا، فقدت الإحساس بالمكان وأنا بعيدة عن سري كانيه، أحياناً أضيع في ذاتي و أشعر أنني أجلس و أنام في فراغ لا اتجاه له، تركنا كل ما نملك مرغمين على أمل العودة، إيماننا بالرجوع كان أعظم من الحرب و عنف ذوو اللحى الطويلة.

قضينا سنين طويلة أنا و زوجي في بناء بيتنا، عملنا بالفلاحة و قمنا بزراعة القطن و الخضار و بيعها، كنا نوفر النقود لشراء مواد البناء لإصلاح بيتنا حيث كان مهدم و قديم، استأجرنا دكاناً لبيع الملابس و دفعنا أجارها للسنة الآتية ٢٠٢٠. أي تاريخ أسود هذا حين تبدأ فيها السنة بتاريخ أصبحت بيوتنا أملاكاً لغرباء لا يعرفون العذاب الذي ذقناه، لن يدركوا حجم الحزن و الكرب الذي تركوه بداخلنا كلما رأيناهم ينقلون أغراضنا في سيارات ليبيعوها و يتكؤون على جدراننا في الفيديوهات التي ينشرونها على صفحات المواقع الإلكترونية.

 قبل سنتين تحسنت أوضاعنا المادية قليلاً شعرنا أننا عثرنا على طريق حياة جديدة بعد أن أنهينا شراء أثاث البيت و بعض الأقساط المترتبة علينا، لكن هذا الهجوم رمى بنا إلى ضياع لا مكان لنا فيها، إلى حيث نتنفس الوجع و نفكر في ماضينا و نعيش بانتظار عودة لحظة منه. الشي الذي لا أستطيع تحمله هو أن أرى أولادي يلبسون الثياب المستعملة التي تقدمها لنا المنظمات المحلية و هي لا تناسب مقاساهم في الوقت الذي كنا نلبس ما نريد من دكاننا، الشيء الذي يحرق قلبي أنني بعت حلق الذهب الذي أهداه لي زوجي يوم عرسنا قبل ١٥ سنة، لشراء حاجاتنا اليومية و أدوية لأبني البكر الذي يعاني من مرض الربو و الثاني من ضعف في السمع، هي آخر ذكرى لي من الماضي بعد أن خرجت من سري كانيه بحقيبة صغيرة.

 لا أعرف ما فائدة المفاتيح التي جلبتها، قد تكون أبوابنا مخلوعة أو ربما غيّروا أقفالها، ماذا سأفعل بالأوراق الثبوتية هذه، هل سيفهمون أولئك الأشرار ما هو مكتوب في هذه الصكوك و الطوابع الملصقة عليها؟ لا أعتقد، لكنني أتذكر آخر مرة كنت تحت سقف دارنا بعد هجوم الفصائل القاتلة، كانت في تلك الثواني من الحلم.

 ما يحزنني أن حلمي بالرجوع إلى مدينتنا يقل كلما عانيت من ألم البعد عنها و الحياة الصعبة التي نحياها يوماً بعد يوم"

ليفانت: شيرين صالح

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!