الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حجاب القاصرات واضطهاد الطفولة
رانيا حلاق

في طريقي اليومي إلى العمل، أمرّ بجانب مدرسة ابتدائية للبنات، ويبدو أن معظم تلميذاتها مسلمات؛ حيث إن نسبة كبيرة منهن محجبات، على الرغم من صغر سنهن. استوقفني ذات صباح، مشهد طفلة ترتدي النقاب، وبالكاد تبلغ التاسعة من عمرها. بدت مشيتها صعبة مع النقاب خصوصًا أنها تحمل حقيبتها المدرسية.


ما السبب الذي يدفع بالأهل إلى أن ترتدي فتاة صغيرة النقاب؟ ألم يفكروا بمدى تأثيره السلبي على نفسيتها، حين يوحون إليها بأنها فريسة للرجال، وأن عليها أن تخفي وجهها وتكون مختلفة عن صديقاتها، وتُحرم من براءة الطفولة وتعيش كامرأة ناضجة، وهي في ذروة طفولتها.


موضوع الحجاب عند النساء هو موضوع معقد، لست في صدد الخوض في الجدل حوله، لأنه في المحصلة حرية شخصية، وكل إنسان له الخيار في ممارسة معتقداته. ولكن عندما يتحول الحجاب والنقاب إلى لباسٍ، يُفرض على القاصرات؛ فهذا ليس حرية شخصية وإنما إكراه وإجبار وتحكّم بالطفولة، أو بمعنى آخر: هو اختيار الأهل وليس الأطفال.


طرحُ هذا الموضوع يعود إلى أن (تحجيب) البنات الصغيرات بات ظاهرة تكشف عن سلوك غريب، ليس في العالم الإسلامي فقط بل في البلدان الغربية التي يعيش فيها مهاجرون مسلمون. وفي حال اتسعت هذه الظاهرة، مع استمرار الصمت واللامبالاة تجاهها؛ فإنها قد تتحول إلى نمطٍ من الإرهاب يُمارس ضد القاصرات. فعندما يُفرض الحجاب على الفتاة القاصر، يكون ذلك سببًا في تقييد جسدها وحركتها؛ وبالتالي حرمانها من فرصة نموّ طبيعي متوازن يؤثر في مستقبلها وخياراتها وحريتها، حين تكبر.


إخضاع الفتيات في تلك السن المبكرة لارتداء الحجاب، بهدف تعويدهن عليه هو سلوك ضدّ الطبيعة الإنسانية، إذ لا يمكن أن نغضّ البصر عن (رمزية الحجاب) الدينية، في اعتبار جسد الأنثى مصدراً للشهوة، يجب حجبه عن الأعين، لتفادي الوقوع في الخطيئة الكبرى. وارتداء الطفلة القاصر لهذا الحجاب هو اعتراف ضمني من والديها بأن جسدها مثير للشهوة، يجب حجبه عن الأعين، بمعنى آخر أن طفولتها تحولت إلى إثارة! هذا السلوك يندرج ضمن عقلية ترى الفتاةَ مصدرًا للشهوة، ومن شأن هذا أن يُخلّف لدى الفتاة الصغيرة إحساسًا بالخجل من الجسد، وبالتالي من ذاتها، ويُعطّل نموّها النفسي والذهني وتواصلها مع العالم الخارجي.


إضافة إلى ذلك يؤدي هذا السلوك إلى اختصار عالم الفتاة وحياتها بالوظيفة الجنسية؛ ما قد يدفع بها -في سنّ المراهقة- إلى الانزواء الاجتماعي وانحصار فكرها ونفسيتها في إحساسها بالخجل والذنب اللذين يؤديان إلى نتائج وخيمة مثل التزمّت أو الكراهية، وربما يؤدي إلى سلوك معاكس تمامًا لما أراده الأبوان، وهو التمرّد وفعل المحظور وخرق منظومة الحلال والحرام الإسلامية.


من يفرض الحجاب على بناته هو (داعشي) في فكره وسلوكه بالأساس، فالإرهاب أفكار وعقائد وإكراهات عقلية، قبل أن يتحوّل إلى فعل، وهو بيئة وعملية تنشئة أولية تنمّي الأطفال على ثقافة لا تحترم الطبيعة البشرية، ولا تترك للإنسان مساحات كبيرة من الحرية. فالطفلة المنقبة ستنشأ، وفق منطق أن الأخريات متبرجات، ولا تنظر إليهن باعتبارهن طفلات يحتجن إلى الحياة والمدرسة والحديقة وساحات اللعب. وحين تكبر فإنها ستعاني كي تتحرّر من بقايا تلك الثقافة، وما تتركه من آثارٍ روحية وعاطفية وفكرية.


من هنا، من المهم جدًا مواجهة إكراه القاصرات على الحجاب والنقاب، من أجل سلامة نضج الطفلة نفسها، خصوصًا أن النقاب والحجاب لا يمنعان الاعتداء على الجسد، على العكس، إن ما يمنعه هو شعور المرأة منذ طفولتها بالحرية والقدرة على تمييز الفعل السليم من الفعل الضار.


ليفانت - رانيا حلاق 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!