-
تبعات فيديو الغارديان: من استطاع منكم النوم؟
بعد خروج أي مشاهد للعلن عن جريمة ارتكبها أحد الفرقاء المتصارعين يعلو صوت الطرف الثاني ليبرر ما ارتكبه أو سوف يرتكبه من جرائم مشابهة، لكنها مبررة بالقصاص، ومحولاً لها لعمل شريف ومقدس، فالقتل المقدس والتعذيب والوحشية المقدسة هي صفة كل الممارسات التي تقوم بها المكونات المتصارعة والتي تجدد تاريخها الدموي بواسطته وتورثه للأجيال القادمة.
المشكلة تكمن في النمطية التي توصف بها المكونات بحيث يصبح الجميع مدان بجرم البعض، والأجيال القادمة مسؤولة عن سلوك السلف، والمشكلة أن كل طرف يدّعي امتلاك حق القصاص على جريمة حدثت في مكان وزمان معين، بعد أن يقتطعه عن مكانه وزمانه وشخوصه، ويحوله إلى أسطورة ولعنة تلاحق مكوناً ثقافياً دينياً قومياً معيناً بمجمله، وأن كل طرف لا يعرف من بدأ ومن انتقم، فهذه الصراعات ذات جذور عميقة في رحم التاريخ، ولا يعرف أيضاً كيف ينهي ويدفن ذلك الصراع الوحشي المتجدد بلا بداية وبلا نهاية، كدوامة للعنف والقتل نعيش بها وعليها، ونجدد بآلياتها تلك صراعنا وتخلفنا، والمشكلة أن كل طرف يحاول أن يجد في مقدساته أو يدسّ فيها أو يفسرها بحيث يجعل من انتقامه وقصاصه عملاً مقدساً، فالآخر هو عدو الله قبل أن يكون عدواً لنا، وهو هدف مستباح شرعاً وعرفاً، وهكذا نستمر في تلك الدوامة من دون نهاية.
لم نتعلم إلى اليوم كيف ندفن صراعاتنا وننتقل لدولة القانون التي يحاسب فيها كل فرد على أي جريمة بشكل مستمر وعلى الجميع من دون تمييز، لكي لا يصبح الانتقام منه أو من أهله هدفاً مشروعاً لذوي الضحية، فمكا قال الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، فنظام العدالة الدقيق والصارم والشامل والمستمر، يدين أي جريمة ويحاسب مرتكبها بغض النظر عن تكوينه وانتمائه، وهذا هو المخرج الوحيد من الوحشية التي عاشتها الجاهلية العربية قبل الإسلام، كذلك المخرج الوحيد لنا للخروج من الجاهلية الوحشية التي ما نزال نعيش فيها، والسبب دوماً وأبداً هو تبرير الجريمة، وتغييب العدالة.
المطلوب إدانة الجريمة من الجميع، وعدم تبريرها بجريمة أخرى، المطلوب تطبيق العدالة على الجرائم التي تقع منذ الآن وبشكل دائم ومستمر، لكي نستطيع الخروج من العنف والحرب الأهلية الدينية الطائفية القومية القبلية، للسلم الاجتماعي ودولة القانون، ولا بد من مرور فترة زمنية كي تتراجع ذاكرة تلك الآلام الرهيبة التي تسببت بها تلك الجرائم، لكن بتجديد التحريض وبمساعي الانتقام خارج القانون، سنستمر في الصراع وستستمر الجريمة التي سنرتكبها بأيدينا ونكون ضحية لها بنفس الوقت.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!