الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
بين فصول اللعبة الأميركية
مصطفى سعد

 الاقتصاد أولاً، لا يقاتل جندي أميركي خارج أراضيه.


نقطتا ارتكاز بنى عليهما الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما سياساته خلال فترة حكمه، بعد أن قرر الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، والاتجاه شمالاً نحو الشرق الأقصى، فجاء اتفاق لوزان النووي 5+1 في 2 نيسان 2015 الذي وصفه بالاتفاق التاريخي.


ليأتي بعد الرئيس الديمقراطي رئيساً جمهورياً هو دونالد ترامب، في مرحلة تشهد تصاعداً حاداً لليمين في المشهدين الأوروبي والأميركي.


الاتفاق الذي تم وصفه بالتاريخي من قبل الديمقراطيين، رأى به ترامب ضعف أميركي واضح، فرجع عنه وأراد تحجيم نفوذ إيران في المنطقة والتضييق عليها.


الإدارة الأميركية طالما تحدثت عن تغيير سلوك النظام الإيراني، واكتفت بتغيير السلوك لكن يبدو أن للرئيس الحالي رؤية مختلفة تهدف إلى إسقاط النظام، فأعلن قانون الطوارئ ضد إيران (القانون الصادر من الرئيس كارتر عام 1981 على إثر احتجاز 52 دبلوماسي أميركي من السفارة الأميركية في طهران). تلك الواقعة التي لم ينسها ترامب، واستعادها بوضوح، بعد قتله لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، فقام بفرض عقوبات على البنك الوطني الإيراني، وحاول منع بيع النفط الإيراني لزيادة الغضب في الشارع الذي عبّر عن رفضه لواقعه وللسلطة القائمة التي تحكم بلاده في مظاهرات واحتجاجات عارمة دائماً ما كانت تقمع بالحديد والنار.


رغم أن النظام القائم حالياً في إيران يختلف اختلافاً كلياً عن الحكومة الديمقراطية التي كان يرأسها الراحل محمد مصدق، والذي عمل على تأميم النفط الإيراني بين عامي 1951 و 1953، مما جعل بريطانيا حينها تتخذ بحق إيران عقوبات اقتصادية خلقت هوة وفجوة عميقة بين الشارع والحكومة، فساهمت الولايات المتحدة بدعم عملية انقلابية على تلك الحكومة، هذا ما لا يمكن أن تنساه طهران، وقد يكون الرئيس الجمهوري (إيزنهاور) السابق مثالاً يعمل ترامب على الاقتداء به للتعامل مع طهران اليوم.


ولكن عندما نتحدث عن قتل قاسم سليماني لابد أن نسأل أنفسنا لماذا الآن؟


كان للتدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا ثلاثة أهداف وهي محاربة الإرهاب والقضاء على داعش والوصول لتسوية سياسية في سوريا وإخراج إيران وقواتها من سوريا.


لكن تخلي أمريكا عن الإخوان المسلمين منذ عام 2013 جعل الرئيس التركي رجب أردوغان يبحث عن نقاط تجمعه بنظيره الروسي الذي يتوافق مع إيران بالشأن السوري، فعملوا على محادثات الأستانا، والتي نتج عنها ما يسمى الدول الضامنة والتي تشكل كل من روسيا وتركيا وإيران.


خروج مظاهرات في لبنان تضم الشارع اللبناني بعيداً عن انتماءاته الدينية والمذهبية والحزبية والموقف الصارم لحزب الله (الذراع الإيرانية في الداخل اللبناني)، وليأتي بعدها ثورة الشعب العراقي بمختلف أطيافه حتى الذين كانت إيران تعتبرهم في صفها أو من الموالين لها، وكلهم رفضوا الوصاية الأجنبية إيرانية أو غير إيرانية، والحديث عن قمع الحشد الشعبي لتلك المظاهرات وحصار سفارة واشنطن في بغداد من قبل بعض عناصر الحزب وأحزاب موالية له وتعمل معه.


إجهاض الثورة العراقية وإيجاد شرخ في الشارع العراقي، هدف يهم أميركا وإيران بالإضافة لكون الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجري هذا العام فأراد الرئيس الشعبوي ترامب ضرب أكثر من عصفور بصاروخ واحد على صعيد الداخل والخارج، وهو يريد أن يظهر للشارع الأميركي وللعالم أنه مازال وفياً للقيم التي خاضت لأجلها أميركا حروبها عبر عقود طويلة لتكون الأقوى دائماً على عكس ما كان سابقه.


وبعد اغتيال سليماني ومن معه غرد ترامب عبر تويتر أن إيران لا تكسب حرب، لكنها لا تخسر مفاوضات، في رسالة واضحة أنه لا يرغب في التصعيد العسكري، لكنه رد على تهديدات إيران بأنه مستعد تماماً للمواجهة إذا ما اختارت طهران ذلك.


قتل قاسم سليماني لا يعني إيقاف المشروع الإيراني أو إنهائه، فالأنظمة عموماً والثيوقراطية خصوصاً لا ترتكز على أفراد بعينهم، ولا تتوقف عليهم، ودائماً تأتي بالبديل المعدّ سلفاً فلماذا إيران فجر يوم الأربعاء تقوم بضرب قاعدتي إربيل وعين أسد، دون الإعلان عن وقوع قتلى في صفوف القوات الأمريكية حتى الآن، بينما لم تحرك ساكناً بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو أمر آثاره وتبعياته أهم وأخطر بكثير من موت قائد عسكري لا سيما أنها ترفع شعار المقاومة والتحرير؟


إيران أيضاً تريد إحراج ترامب في الداخل الأميركي، ونقلت المقامرة التي يلعبها رئيس الولايات المتحدة إلى عقر داره. فهي تدرك بأن ليس من مصلحة ترامب انتخابياً إرسال مزيد من الجنود إلى منطقة الشرق الأوسط، في مغامرة خطرة لن يكون الرابح فيها منتصراً بالفعل. وخاصةً بوجود مسار آخر في اللعبة السياسة الأمريكية أبرز ممثليه الآن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، الذي يمثل امتداد لسياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما.


مصطفى سعد - كاتب سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!