-
بين عذابات المعتقل وضحكات الأطفال..سمر كوكش تروي فصول تجربتها لليفانت
ليفانت نيوز- نور مارتيني
- بعد الخروج معاناة ومشاكل جديدة تواجه الأطفال والمعتقلات، يصبح هناك شرخ كبير بينهم، وحاجز ليس من السهل أبداً كسره.. إحساس بالذنب تجاههم ورغم الفرح باللقاء.
- المعتقل وأهله كانوا ما يزالون يتعرضون لضغوطات من قبل ناس لا يرحمون، وحتى المحامين، لم يرحموهم.
- حين ينشر مقطع فيديو عن أي حيوان، يتعرّض للتعذيب، يأخذ ضجة و يصبح محط أنظار المنظمات والوسائل الإعلامية، بينما المعتقلون فيجري الحديث عنهم في مناسباتٍ معينة، ثم ينسى أمرهم.
- كان ينبغي أن أعود لعملي، كي أطمئن الأطفال، حتى أولئك الذين صاروا شباباً، أنني بخير، كذلك لأتمكّن من إيصال جزء من تجربتي، ولأجعلهم يكتشفون قيمة الحرية وكم هي غالية.
لم يكن خبراً عادياً ذلك الخبر الذي تلقّاه الأطفال السوريون، ممن خرجوا إلى الحياة، وهم يحملون في ثنايا أفئدتهم صدى صوتها، الذي كانت نغماته تتراقص في مخيّلتهم، رشيقة كرشاقة الرسوم المتحرّكة التي عشقوها. المعتقل
مؤدّية صوت “ران” في مسلسل “المحقّق كونان” الذي رافق الأطفال سنين طوال، اليوم باتت على الضفة الأخرى، متّهمة بما لم يصدف أن صنّف على أنّه جرم قط؛ ومتى كانت الإنسانية جرماً؟!
سمر كوكش، ذلك الصوت الذي عشقه جيل كامل من الأطفال، من خلال أدائه للشخصيات الكرتونية المحببة، والتي استطاعت أن تأسر قلوبهم بتلوينات صوتها، التي كانت تتماوج مع تقلّب انفعالات الشخصيات، وترتدي ألوان الفرح والحزن، كما هو حال الشخصية التي تؤديها.
بالرغم من رحلة العذاب والسجن المريرة التي خاضتها سمر، خلال تجربة الاعتقال التي مرّت بها، غير أنّها ما تزال تحمل تلك الروح العامرة بالحب والطهر، والتي توزّع الأمل والفرح، متسامية فوق عذاباتها الخاصة، ومترفّعة عن البوح بهمّها الشخصي، إلى فضاء أكبر وأرحب، يغمر دفؤه كل السوريين.
سمر اليوم، اختارت أن تحتفل بيوم ميلادها، من خلال حملة تبرّعات لصالح إحدى الجمعيات الخيرية التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين في المخيمات على الحدود التركية، محاولةً أن تكون بلسماً لجراحات الأطفال في وقت بات تواصلها معهم بشكل مباشر بعيد المنال، سيما وأنّها غادرت إلى السودان بعيد الإفراج عنها بعد فترة اعتقال دامت تحو أريع سنوات، لتنتقل بعدها إلى رحلة نزوح جديدة، وتلتقي بنتيها اللتين غادرتا سوريا بعد اعتقالها.
كما هي خارج السجن، كانت سمر داخله، تلك الإنسانة الرقيقة والشفافة، بشهادة رفيقات تلك الرحلة القاسية، فكانت لا تدّخر جهداً لمد يد العون، دون أن تعير انتباهاً لمعاناتها الشخصية، وما قد يجرّه عليها ذلك من تبعات؛ كلّ هذا دفع بالنظام للحكم عليها بالسجن 15 عاماً، إلى أن جرى لاحقاً تخفيض المدّة، لتخرج عام 2017، بعد أن استثني اسمها من عدة صفقات تبادل! المعتقل
صوت سمر كوكش وهي تحكي فصول معاناة المعتقلين عبر الهاتف، كان يغيب ويختنق حين تبدأ بسرد فصول القهر والاعتقال والتعذيب، ويغصّ حين تتذكّر الزميلات اللواتي تركتهنّ خلفها، ثم يعود راقصاً حين تستذكر حجم الحب والفرح الذي قرأته في وجوه الأطفال ورسائل التهنئة التي غمروها بها، بعد رحلة اعتقال مضنية دامت لسنوات..
ليفانت نيوز حاورت سمر كوكش، التي تحدّثت عن رحلة العذاب في معتقلات النظام، وتفاصيل المرحلة المضنية التي تبعت هذه الرحلة، والتي تترك في الروح ندبات عصية على الشفاء.
س- سمر كوكش..يرتبط اسمك بالأطفال، وكان أكثر الفئات تعاطفاً معك هم الأطفال، ما هي الرواسب التي تتركها تجربة الاعتقال في نفوس الأبناء، بعيداً عن التبعات النفسية للتجربة على المعتقلة نفسها؟ المعتقل
المسألة صعبة فوق مايتخيله الإنسان، إن كان خلال فترة الاعتقال، وإن كان بعد الخروج. خلال فترة الاعتقال معاناة الاطفال حين يزورون أهاليهم من خلال الشبك، ولا يقدرون أن يحتضنوهم، شعور فظيع، لم نتكلّم بعد عن صعوبة المشوار والمعاملات، وذهابهم إلى محكمة الارهاب ليتمكنوا من الحصول على إذن الزيارة، وبعدها الصراع الذي يحصل بين الأطفال وأهلهم، ونظرة العتب والغضب التي ترينها بعيون الأطفال والتي تُميت الأهل مائة مرة، وتفطر قلوبهم.
وبعد الخروج معاناة ومشاكل جديدة تواجه الأطفال والمعتقلات، يصبح هناك شرخ كبير بينهم، وحاجز ليس من السهل أبداً كسره.. إحساس بالذنب تجاههم ورغم الفرح باللقاء، يبقى سؤال مهم يجول في المخيلة: “ياترى سامحونا على الفترة التي تركناهم فيها؟ ياترى سترجع حياتنا متل ما كانت؟….
س- يعرف كثيرون أن العمل الإنساني هو الذي دفع بك إلى غياهب السجن، وتحدثت بعض المعتقلات عن الظروف القاسية التي عايشتها في السجن، هل شعرت بالخذلان يوماً ما؟
الظروف كانت لا إنسانية من كل النواحي، وللأسف شعرت بالخذلان حين خرجت من المعتقل، وبقي كثيرون غيري داخل السجن، فضلاً عن المعتقلين الذين أخذوهم إلى صيدنايا ولانعرف عنهم شيئاً. أحسست أنّ الأمور رجعت طبيعية وكأن الثورة لم تكن، و دم الشهداء نسيه الجميع، والمعتقلون وسنيّ عمرهم، وعمر عائلاتهم ومعاناتهم، هي آخر همّ جميع الناس. المعتقل
س- قضية المعتقلين واحدة من أعقد الملفات في المسألة السورية، سيما في ظل وجود أعداد كبيرة مجهولة المصير حتى اليوم، ما الشيء الذي كنت تنتظرينه من المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي تجاه قضية المعتقلين؟ وهل كانت التحرّكات تتناسب مع حجم الكارثة؟
للأسف المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لم تتعامل مع قضايا المعتقلين والمغيبين كما يجب، أين حقوق الإنسان؟
حين ينشر مقطع فيديو عن أي حيوان، يتعرّض للتعذيب، يأخذ ضجة و يصبح محط أنظار المنظمات والوسائل الإعلامية، بينما المعتقلون فيجري الحديث عنهم في مناسباتٍ معينة، ثم ينسى أمرهم،
ما هي الدلائل التي يريدونها أكتر من الفيديوهات، أو الصور التي قدّمها قيصر، هل هناك أفظع من هذه المجازر؟ أليست كافية كي يتحرك العالم كله؟
س- خلال تجربة الاعتقال، أشيع عدّة مرات عن خبر خروجك ضمن صفقة تبادل، ولكن دون جدوى، هل تعرّضت عائلتك للابتزاز المادي مقابل الإفراج عنك؟
أجزم لك أن أصدقائي وعائلتي كلهم تعرضوا لابتزاز مادي، وتمّ دفع مبالغ كبيرة، لكن للأسف كانت عبارة عن عمليات احتيال.
المعتقل وأهله كانوا ما يزالون يتعرضون لضغوطات من قبل ناس لا يرحمون، وحتى المحامين، لم يرحموهم.
س- كسيدة دفعت ثمناً باهظاً لإيمانها بحقوق الإنسان؟ ما الذي يمكن القيام به لإنقاذ من تبقّوا في السجون؟ من أين البداية؟ وهل يمكن الوصول إلى إحصائيات دقيقة حول أعداد المعتقلين تجعل مهمة المنظمات الحقوقية أسهل؟
إذا لم يتم الضغط على النظام من قبل كل المنظمات والدول، لفتح الأفرع من أجل معرفة أعداد المعتقلين، فلا يمكن القيام بأي إحصاء.
من الممكن إحصاء السجون المعترف بها، لكن من هم متواجدون في الافرع وفي صيدنايا وغيرهم، ليسوا للأسف إلا مجرد أرقام.
ما من لحظة تمر إلا ونتذكرهم (مابيروحوا من بالنا كل يلي بالسجون)، أحاول دائماً أن أتغلّب على الشعور باليأس، ولكنني للأسف لا أرى بصيص أمل بالأفق، رغم كلّ هذا أقول، ينبغي أن نستمر في المحاولة، وأن نطالب المنظمات والدول بجعل قضية المعتقلين في السجون السورية، القضية الأولى في العالم.
س- تمكّنت أخيراً من الوصول إلى أوروبا، حيث تجري محاكمة عادلة للمتورّطين في جرائم الحرب، هل فكّرت بمقاضاة النظام والانضمام إلى هذه الدعاوى؟ وما المنتظر من المحاكمات التي تجري بعيداً عن سوريا؟
لا أملك إجابة حقيقية على هذا السؤال، نعم تتم اليوم محاكمة أنو رسلان، وهو واحد ممن ارتكبوا جرائم بحق السوريين، ولكنّه قدم إلى أوروبا، وماذا عن أولئك الذين ما زالوا يمارسون فعل الإجرام بحقّ السوريين هناك في سوريا؟ هل سينالون جزاءهم هم أيضاً؟ لهذا السبب أقول أن لا جواب لدي على هذا السؤال. المعتقل
س- بعد تجربة الاعتقال، عدتِ أخيراً إلى عملك الذي قدّمك إلى الأطفال من خلال الشخصيات الكرتونية التي قمت بدبلجة أصواتها، ما هو الجديد لديك؟ وهل تمكّنت من تجاوز التجربة تماماً؟ أم أنّه ثمّة رواسب تجعل ظروف العمل أصعب؟
كان ينبغي أن أعود لعملي، كي أطمئن الأطفال، حتى أولئك الذين صاروا شباباً، أنني بخير، كذلك لأتمكّن من إيصال جزء من تجربتي، ولأجعلهم يكتشفون قيمة الحرية وكم هي غالية.
العودة لم تكن سهلة على الإطلاق، ومازالت صعبة، ولكنّها تستحقّ المحاولة لجيل وأجيال آمنوا بالشيء الذي قدّمناه لهم في السابق. المعتقل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!