-
برلين تداري على أخطاء أنقرة وتحاول تجنّب الصدام معها
يجمع أنقرة وبرلين تاريخ طويل من العلاقة، يعود إلى الحرب العالمية الأولى، عندما وقّعت ألمانيا اتفاقيّة تحالف عسكري مع الإمبراطورية العثمانيّة في العام 1914، بهدف تحديث وتقوية الجيش العثماني، فيما لجأت حكومة ألمانيا الغربيّة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لاستقدام العمالة من الخارج، والذين كان الأتراك من ضمنهم، خاصة عقب العام 1961، بعدما قُدّمت تسهيلات كبيرة للمواطنين الأتراك للعمل في القطاع الصناعي، بشروط مُيسّرة لا تتطلّب سوى لياقة جسمانيّة للعمل في القطاعات الصناعيّة، مع توفير تكاليف الانتقالات.
وتشير التقارير إلى أنّ عدد الأتراك الذين أتوا للعمل في ألمانيا بين أعوام 1961 و1973، وصل إلى 750 ألف تركي من بين 2.7 مليون طلب عمل استقبلته ألمانيا خلال 12 عاماً، فيما فَضَّلَ نصف الأتراك البقاء في ألمانيا وبدء حياة جديدة بها، حيث قدِّر عدد الأتراك الحاصلين على الجنسيّة الألمانيّة عام 2011 بحوالي 700 ألف من بين 2.5 مليون تركي متواجدين في ألمانيا.
بين الماضي والحاضر
ويبدو أنّ تشارك الطرفين في الحرب العالمي الأولى، ودور العمال الأتراك في إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لا يزال يحظى بوقعه لدى الجانب الألماني، فرغم انتهاكات أنقرة الفاضحة للقانون الدولي وفق الكثير من الجهات الدولية، والتي كان آخرها بياناً مشتركاً من فرنسا وقبرص واليونان ومصر والإمارات، في الحادي عشر من مايو الجاري، إلا أنّ برلين لا تستطيع شدّ الوثاق على أنقرة بدرجة كبيرة.
ولعلّ أوضح ما يمكن الإشارة إليه في هذا المضمار، استمرار تدفّق الأسلحة إلى أنقرة من حليفها السابق في ألمانيا، رغم صدور قرارات أوروبيّة وألمانيّة بضرورة منع تصدير الأسلحة لأنقرة، رفضاً لعملية عسكرية شنّتها على مناطق شمال سوريا في أكتوبر العام 2019، حيث تؤكّد المعلومات تصدّر تركيا قائمة صادرات ألمانيا من السلاح، بمبلغ وصل خلال عام 2019 إلى نحو 1.1 مليار يورو، وفق بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية، التي أشارت في الخامس من مايو الجاري، إلى ارتفاع صادرات ألمانيا من السلاح خلال عام 2019 بنحو 43 في المئة.
إدانة للتعاون التركي الألماني
ولا يبدو أنّ المعلومات التي كشفت عنها السلطات الألمانيّة كانت مفاجأة لـ”الإدارة الذاتيّة في شمال سوريا”، التي أصدرت، في السابع والعشرين من يناير الماضي، بياناً ندّدت عبره بموقف الحكومة الألمانيّة الداعم للسياسات الاستيطانية لتركيا في شمال سوريا، إذ قالت: “تتضمن هذه المخططات إقامة مستوطنات على أساس إبادة عرقيّة وتغيير ديموغرافي، ورغبة تركية في خلق الصراعات والتناحر والفوضى في المنطقة، وللأسف يستمدّ النظام التركي دعمه من بعض الدول الأوربيّة ومنهم دولة ألمانيا الاتّحادية التي أعلنت دعمها للمخططات الاستيطانيّة الخطيرة”.
إنّ أنقرة علمت من أين يمكن أن تؤكل كتف أوروبا، فابتزّت القارّة العجوز بإرسال المزيد من اللاجئين، وهو ما أشارت إليه المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في العاشر من مارس الماضي، من تشديدها على العمل لنقل اتفاقيّة الهجرة الموقعة بين أنقرة وبروكسل إلى مرحلة جديدة.
كما ذكرت المستشارة الألمانيّة، في الثالث من مارس، أنّها تؤيّد إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، وهي منطقة آمنة بالنسبة إلى تركيا من حيث أنّها ستنشر فيها مسلحين موالين لها ممن يسمون بـ”الجيش الوطني السوري”، وآمنة لألمانيا من حيث أنّها قد تتيح استيطان عائلات قادمة من مناطق سورية داخلية في أرض هجرها سكانها بفعل العمليات التركية ضدّ “قسد” شمال سوريا، وبالتالي ستكون تلك الفرضيّة الأسوأ لسكّان مناطق شمال سوريا، من مختلف الأقليّات الإثنية والدينية والطائفية، حيث سيعني هذا استيطان آخرين في أراضيهم، وترسيخ تهجيرهم منها.
السياسة الألمانيّة تدعم الصراع
وهو ما ذهبت إليه خبيرة الشؤون الخارجية في حزب “اليسار”، سيفيم داجدلين، التي اعتبرت مواصلة الحكومة الألمانيّة الموافقة على تصدير أسلحة لتركيا بأنّه أمر غير مسؤول، مطالبة بحظر شامل لتصدير الأسلحة لتركيا، ومشدّدة أنّ سياسة تصدير الأسلحة للحكومة الألمانية مروّعة بالنسبة للمنطقة بأكملها، وتخلق باستمرار أسباباً جديدة للجوء، حيث منحت الحكومة الألمانية تصاريح بتصدير أسلحة لتركيا العام 2019، بقيمة 31.6 مليون يورو، لتزيد بذلك عن الضعف مقارنة بصادرات الأسلحة الألمانية لتركيا عام 2018، فيما قالت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، في العاشر من مارس، إنّ الحكومة وافقت العام 2018 على 58 صفقة توريد أسلحة لتركيا بقيمة 12.9 مليون يورو، بينما وافقت العام 2019، على 187 صفقة بقيمة 31.6 مليون يورو.
ورغم ما أشارت إليه البيانات بأنّ صادرات الأسلحة الألمانية لتركيا قد تراجعت في أعقاب بدء الهجوم التركي على شمال شرق سوريا في 9 تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث لم توافق الحكومة الألمانية في الثلاثة الأشهر الأخيرة من العام 2019 سوى على 5 صفقات بقيمة 3.1 مليون يورو، بسبب اتّخاذ ألمانيا موقف رافض من التوغّل باعتباره مخالفاً للقانون الدولي، لكن الرفض ذلك كان كما يتوضّح لاحقاً، بهدف امتصاص الغضب الشعبي داخل ألمانيا من تخلّي الحلفاء الغربيين عن شركائهم في سوريا، بدليل أنّ صادرات الأسلحة الألمانية قد استُؤنفت مجدداً إلى تركيا، رغم أنّ مسببات قرار وقف تصدير الأسلحة إليها لا زال موجوداً، إذ لا يزال الجيش التركي في شمال سوريا، ولا يزال يمارس سياساته التوسعيّة فيها على قدم وساق.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير احمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!