-
المسيرة السياسية في موريتانيا إلى أين؟
بداية يجب نقول إنه لمن الممكن أن تكون العملية السياسية برمتها مصابة بوباء أو تلف يصل إلى درجة العجز عن تقديم أي نوع من الإصلاح أو التنمية للنهوض بواقعها حتى لو كان ذلك بتدرج على مراحل تسير بشكلها الطبيعي وفق للتشريعات الرشيدة أو المشرع الصالح المهني المحايد، ورقابة الحكماء من كبار السن ذوي الخبرة والنزاهة والتقوى، والحياد والمهنية والرقابة القويمة هنا هما الأساس الأول لهذه النهضة السياسية التي يجب أن يبدأ الإصلاح فيها من القواعد المؤسسة لسلطة تشريعية تلبي المصلحة العامة وترعى الحقوق الوطنية للجميع رعاية شاملة بقوة واستقلالية، وتصون الدستور صيانة تامة وبقدسية صيانة للأمانة ومخافة وحياء من الله والمجتمع، لا أن تكون السلطة التشريعية محلاً للاستعراض لا محل له من الإعراب.
والمؤسف أن تكون قبة السلطة التشريعية مساحة للتكتلات التي تفضي بالنهاية إلى حماية رؤيةً وتوجهاً سياسياً يخدم فئة أو طبقة بعينها لا تمثل الوطن أو انتماء آخر يمكن لها أن تلتصق به، وبالتالي نجد أنفسنا ندور في دائرة مفرغة تبدأ بالمربع الأول وتنتهي إليه كما مخطط له والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها على سبيل المثال للحصر مجلس الشورى الإسلامي في إيران الذي يدور ثم يدور ويدور في فلك مُحددٍ له هدفه الإبقاء على نظام الملالي الحاكم وتسخير كل الطاقات في سبيل ذلك وكل ما يخدم السلطة التي ترعى عملية إبقاء النظام، فقد يحتدم الجدل والشجار تحت قبة هذا المجلس استعراضياً بتكليف من جهة ما، وقد ترى الكل منهمكاً صاغراً في صياغة تشريعات قمعية تصب في إبقاء النظام والحفاظ على دائرة وجوده، أما مكافحة الفساد وإصلاح مؤسسات فلا علاقة لهم بها بل لا يقرون بوجودها إلا بتنسيق أمني ويتبادل الجميع الأدوار وتسير مركب النظام الفئوية بسلاسة ويسر، أما مركبة الوطن والشعب فهي غارقة في الوحل وتخرج بين حين وآخر من المياه الموحلة إلى المياه الضحلة أو تغفو عفوة طويلة بحجة الرياح العاتية وإن أفاقت وتحركت فلا يكون بما يُرضي وبما يكفي وبما هو مطلوب لصالح الشعب والوطن إذ يبدو ذلك مهدداً لفئة السلطة والمنتفعين بها ومنها ويصبح الوطن وطن تلك الفئة ولا أحد غيرها وما يتساقط منها من فتات على عامة الشعب فهو فضل عظيم منها، ومع الأيام يصبح ذلك أمراً واقعاً وشرعية قائمة حتى تقع الواقعة ويقوم الجياع والمضطهدون والضحايا بحرق المعبد وهدمه على من فيه من الكهنة الفاسدين وفي هذه الحالة تكون الواقعة التي لا مناص عنها ولا بديل لها قاضية مُكلفةٌ باهظةٌ ومجلجلة لكنها هي الحل الذي تجنبه العقلاء على أمل تجنيب الوطن بعض الخسائر وعلى أمل أن يستحي الكهنة من أفعالهم وما يقع لا ظلم فيه ولا تجني بل هو رد فعل متأخر لكنه قد حدث بكامل وقعه، وهنا لا نريد لنا في موريتانيا وطن الجميع ومسؤولية الجميع أن يحل بنا هكذا سيناريوهات وأن تقع علينا هكذا وقائع.
الاسترقاق الانتخابي
الاسترقاق الانتخابي مصطلح قاسٍ في عالمنا المعاصر وفي دولة منهكة كموريتانيا أهلكتها العبودية ثم الحقب الاستعمارية والقبلية ثم سياسة العبودية المنمقة في شكلها المعاصر الذي يملك فيها الإنسان حريته بموجب القانون لكنه في واقع الحال ليس عبداً فحسب بل عبداً أسيراً أيضاً، أسيراً بالقيود التي يفرضها عليه الإقطاع وبالثغرات التي يغفل عنها المشرعون والمنفذون أو يتغافلون عنها تلبية لمنافعهم الطائلة التي اعتادوا عليها على حساب عبيد الأمس الذين لا بد لهم أن يستمروا عبيداً بشكل أو بآخر وذلك بإبقاء حاجتهم بيد سيد الأمس الذي ما زال ويريد أن يبقى سيداً متسلطاً جشعاً منه وبغياً مستفيداً في ذلك من تغافل السلطات (...) وتغييب القانون وضعف المؤسسات وغياب الوازع الديني والأخلاقي والحضاري، ومن لم تردعه قيم الدين في بلد إسلامي كموريتانيا عن استعباد الغير وانتهاك الأعراض والحرمات ونهب الحقوق العامة والخاصة وسرق حق الغير في الحياة والكرامة والرزق الكريم وملكية كريمة في بيت أو أرض يفلحها حتى لو كانت تلك الملكية ضئيلة أيضاً لن يرتدع عن سرقة صوته ومصادرة رأيه ووجوده وحقه الانتخابي الذي هو استحقاق وطني وإنساني له وفي منتهاه سيكون وسيلة إصلاح للشأن العام وأساس لاستقرار وتقدم وطن حر كريم يزهو بكامل أبنائه في ظل قيم المواطنة.
إن الاسترقاق الانتخابي شكل من أشكال العبودية المعاصرة وممارسة لتغييب شريحة عظمى من المجتمع وترويضها على القبول بالنمطية السياسية القائمة على افتراض أنه لطالما هناك صندوق انتخابات. إذن فهناك ديمقراطية قائمة بغض النظر عن الحقائق المفضوحة وتفاصيل ما يجري من بؤس وجرائم بحق المسيرة السياسية التي من المفترض لها أن تنمو وتزدهر في موريتانيا.
ما لم تتمخض العملية السياسية في موريتانيا عن قضاء عادل رشيد ومشرع مهني حكيم نزيه محايد، ومرشحٍ وناخبٍ حقيقيين لا تقودهما أدوارهما وحقوقهما إلا إلى المصلحة العامية وتكون المصلحة الشخصية نتاجا لها، وصندوق انتخابات مصان ومحمي من العبث والجريمة، وعملية انتخابية حرة لمجتمع حر لن تكون هناك عملية سياسية حضارية في موريتانيا ولن تكون هناك ديمقراطية ولا عدالةٍ إجتماعية.
إن ما تدعو إليه (ايرا) التي لا هم لها سوى نهضة موريتانيا وجميع أهلها ليس ضرباً من الوهم أو الخيال أو توجه فئوي وإنما هو دعوة من أجل الإنسان والوطن وقيم العدالة الاجتماعية التي تصون الاعتبارات والحقوق للجميع.. إنها دعوة حق واجبة التحقيق وممكنة ومشروعة من أجل تحقيق السلم المجتمعي وتعايش أفضل بين جميع الموريتانيين، ومن أجل جعل كل من يفوز من خلال صناديق الاقتراع الحرة خادما للوطن والشعب وليس متميزا على حساب الوطن والشعب.
قد يُفلح من استعبد الناس الذين خلقهم الله أحراراً من ظهر أبيهم آدم بسلب وجودهم وكرامتهم وقوت يومهم ورأيهم مرة واثنتين وثلاث لكنه لن يُفلح على طول الخط وإن سعى، وعلينا أن نحذر العواقب وطوفان الغضب الشعبي؛ وإن تنامت رغبات وأطماع الغير التي فاقت حدود كل شيء فليعلموا أن غضب الجياع والمحرومين والمستعبدين في تنامٍ مستعرٍ أيضاً وعلى وشك الانفجار وهو قادم لا محالة.. فاحذروا ذلك الإنفجار.
ليفانت - مريم الشيخ
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!