الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الكوميديا السورية في موسم 2022.. بين النقد الاجتماعي والتهريج

الكوميديا السورية في موسم 2022.. بين النقد الاجتماعي والتهريج
الدراما السورية

رغم تزايد حدّة النقد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الحياة السورية العامة في مناطق سيطرة النظام وخارجها، سواءً في الشمال الغربي أو الشمال الشرقي، نتيجة الأوضاع القاسية التي يعيشها الإنسان السوري، إلا أن الدراما الكوميدية التي قدمتها الدراما السورية في الموسم الدرامي 2022 لم تستطع تحقيق شيء من حدة هذا النقد، وإنما بقيت في إطار المعهود من الدراما الكوميدية رغم عناوين الأعمال الكوميدية المقدمة "الفرسان الثلاث، بقعة ضوء (15)، حوازيق".

فالشكل الدرامي الكوميدي جاء تقليدياً وكلاسيكياً بعيداً عن التجديد رغم العنوان العريض في إخراج بقعة ضوء من حيث إدارة عدد كبير من المخرجين لهذا الشكل المكرّس في الدراما الكوميدية.

كوميديا النقد الاجتماعي:

يظهر هذا الشكل الكوميدي من خلال بنية متماسكة لنص درامي كوميدي يعتمد على الموقف بشكل عام، وغالباً ما يقدم ذاته عبر قالب كوميدي يفارق الواقع بالمبالغة، ودفع الشكل إلى خارج المعقول الواقعي الذي تغرق فيه الحياة اليومية، في حين يعتمد لغة خطابية مباشرة تتشكل من المفردات المستخدمة من قبل الناس في التعامل اليومي وتفارقها ببعض المفردات، وأحياناً تشكيل بنية مشهدية عناصرها واقعية ونتائجها مبالغة فنتازية، وهذا ما نجده في بعض الأعمال الدرامية السورية الكوميدية من زاوية الحضور، فالعمل الدرامي "الفرسان الثلاثة" للكاتب محمود الجعفوري، وإخراج علي المؤذن، والإشراف الفني أيمن زيدان، يحمل نصه بنية نقدية اجتماعية للعديد من الظواهر أساسها خط درامي كوميدي يقوم على نقد العمل السياسي الحزبي من خلال التعرض إلى البنية التنظيمية لحزب ما، وكذلك الحضور المباشر لمندوب الأمن (عواد، خوشناف ظاظا) بجسده النحيل الذي يرعب كل من حضر الاجتماع الحزبي، ويعتقل (أبو عماد، أيمن زيدان)، ولا يفرج عنه إلا عند اتصال من (أبو زينون، عدنان أبو شامات) مع رئيس الفرع.

إن التناقض الحاد بين مهمة (عواد) وشكله يولد المفارقة المضحكة لدى المشاهد، وكذلك الاجتماع الحزبي وآلية الاعتراض على ما يقوله كل من الرفاق (رئيس الحزب حسام عيد، أبو عماد، وأبو عزيز، جرجس جبارة)، فالاجتماع كله نقاط نظام من الثلاثة بدون أن يقدم فعلاً واضحاً وتبقى سلطوية رئيس الحزب السابق وزوجته مدار الاجتماع، ورغبة المجتمعين الثلاثة التخلص من هذه السلطوية الحزبية.

ويضاف إلى هذه المفارقات الكوميدية الخفيفة شخصية الابن الصغير في عائلة أبو عماد (سعيد)، التي لها خط مفارقة كوميدية أثناء دراسة هذا الطالب، وفعل "التسميع" التي يقوم به الأب ويعلق على كل جلسة تسميع بكوميديا، خاصة بالطلاب الصغار.

وتزداد هذه الخطوط الدرامية بخطّ درامي أساسي له علاقة بالفساد والرشاوي في الدوائر الحكومية من خلال المناقصات وعمليات التعهد الخاصة بالقطاع العام التي تحصل في "دائرة الإحصاء في المديرية العامة للإحصاء".

أما في لوحات "بقعة ضوء" الجزء الخامس عشر، نجد بعض اللوحات الكوميدية الناقدة، مثل لوحة "شو كيميا" التي كتبها جوان بهلوي، وإخراج ورد حيدر، يقوم بدور "الديلفيري، موصل الطلبات في المطعم" الفنان "محمد الأحمد، محمود"، لكنه تحت عنوان "شو كيميا"، يصلح كل ما يطلبه الزبون صاحب الطلب من بوابة تقديم الخدمة لصاحب الطلب، فهو يصلح (غسالة الزبون، ساعة الكهرباء، توصيلات الكهرباء، حنفية المجلى في إحدى الطلبات، يقيس ضغط مريض في حدّية الأعلى والأدنى، ويقدم الدواء له).

إن كل ذلك معلوم لديه، وهذا لا يحتاج إلى "كيميا" لكي يكون (الديلفري) شخصاً قادراً على فعل كل هذه التصليحات دون علم ودراسة، فالنقد الاجتماعي الذي يقدم للشخصية التي تعرف وتتدخل في كل شيء وكأنها "أبو العريف"، وهذه الظاهرة منتشرة في المجتمع السوري.

أما ذروة النقد الاجتماعي نجده في لوحة "قرض منقري" للكاتب زياد ساري، الذي يتقدم به موظف من أجل مونة المكدوس وفق معايير البنك لكل مادة من مواد المكدوس، سواء (الباذنجان، الفليفلة، السمسم، الجوز، والزيت)، حيث تظهر اللجنة التي تقرر معايير المواد المكونة للمكدوس.

التهريج في كوميديا 2022:

يظهر التهريج في لوحات بقعة ضوء الجزء الخامس عشر في بعض لوحات الفنان "أيمن رضا"، منها لوحة تدريب شاب على قيادة سيارة، حيث يقدم رضا شخصية المدرب أبو رسلان، التي تعطي التعليمات عبر المبالغة في ضرب "المرش" إلى الضغط على (الفرامل، الكوابح)، ويتعمّق التهريج في الأداء عندما تصدم السيارة من الخلف نتيجة "الفرام" الذي ضربه الشاب عندما يظهر طفل يعبر الشارع بسرعة، فتصدم سيارة "غسان عزب" بسيارة الشاب الذي يدربه أبو رسلان، فيطلب عزب إصلاح سيارته من الشاب، ويرد عليه أبو رسلان بذات صيغة السائقين، ويتركه هارباً.

أما اللوحة الثانية "هاي سيري" من تأليف جوان وإخراج عمرو علي، فإن مدير التقنيات "همام رضا، معاذ" مع المدير "فايز قزق، المدير العام للشركة"، وهو يأكل اللبنة المحمضة ويسأله عن سبب الأعطال في الشبكة، وتعطيل الخدمة في العالم، ما هي أسباب تفجر هذه الخدمة؟

ويسأل (أيمن رضا، أبو ناصر خنصورة) المجيبة من ضرب الآخر من أولاد الحارة؟ وإلى جانب خنصورة هناك سيدتان تطلب إحداهما من المجيب أن يقدم لها اسم أمه، وهل هو متزوج؟

ويختم خنصورة، وهو يكش الحمام، ويشتمها وهي ليس لديها من جواب سوى "أهلاً عزيزي".

إن الصيغ الحياتية المحلية في المجتمع السوري فجرت جزءاً من الشبكة العالمية نتيجة الأسئلة المغرقة في المحلية والتي لا يوجد لها إجابات عند واضعي الخدمة.

ويتعزّز جانب "التهريج" في الأداء من خلال لوحة "لقاح" من تأليف هدى عبد الملك، وإخراج محمد المرادي، حيث يأخذ الزوج لقاح "الرجولة" جرعة واحدة، بينما مدراء المؤسسات سيأخذون لقاح "الفساد" على أربع جرعات، وينعكس ذلك على الشاب عندما يعود إلى البيت ويلتقي زوجته "وفاء موصلي" حيث يبدأ الصراخ في وجهها، ليصل إلى مستوى "الجعير"، وتسأله الزوجة هل هذا اللقاح لقاح "الرجولة" أم لقاح "الحيونة"؟

إن المشهد كله يحمل طابع التهريج العريض، كما أداء ممثلي العمل الدرامي "باب الحارة".

ويستكمل التهريج في العديد من حلقات العمل الدرامي الكوميدي "حوازيق" من تأليف زياد الساري وإخراج رشا كوكش، وإنتاج شركة (أفاميا) للمنتج فراس الجاجة، ويقوم العمل على استخدام بيت عربي في الشام القديمة يؤجر منه غرفة واحدة تستقبل نزيلاً واحداً، سيدة البيت (سلمى المصري، أم مطيع) ومعها في البيت ابنتها العزباء، وابنها أيضاً، يضاف إليهم الخال "أبو حازم، وائل رمضان" الذي يزورهم يومياً.

يستقبل البيت نزيلاً في عدد من الحلقات "أيمن رضا، العازف، الملحن، والمغني العالمي"، وتبدأ فصول التهريج والمبالغة حتى تصل إلى إقامة حفلة على الهواء المباشر(غناء) له، مع وجود راقصة في الحفلة.

ونموذج آخر على التهريج والصراخ الذي له سبب في هذه الحلقة وجود الضيف (أسامة الروماني، أبو منحي) العجوز التسعيني الذي يبحث عن عشيق زوجته نوال المتوفاة ليقتله، وخلال وجوده تشجعه أم مطيع على تشذيب لحيته البيضاء وحلق شعره وصباغتهما، وتغيير ثيابه، وهذا ما يجعله يشط بخياله أن أم مطيع معجبة به، ويقدم (الورود الحمراء) لها، ويصنع القهوة بيديه لها، ويهديها أغنية عشق، وأثناء شرب القهوة يحضر (أبو هاجر، ابن أبو منحي) مع أبو سلمو لكي يأخذوه، ويخاطبه ابنه أن صاحب الصورة مع نوال هو.

أخيراً، إن الكوميديا السورية لهذا العام يغلب عليها الطابع التهريجي بعيداً عن الاهتمام بقضايا المجتمع الذي يعاني من نقص في كافة المواد الأساسية والتي تستحق كل منها العشرات من اللوحات والمشاهد الكوميدية.

 

 ليفانت - بسام سفر          

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!