-
العلاقات الأمريكية التركية.. ماذا بعد اعتراف البيت الأبيض بـ"إبادة الأرمن"؟!
مرهف دويدري - ليفانت
رغم أن الخطوة الأمريكية بالاعتراف بالمجازر التي طالت الأرمن على يد القوات العثمانية، ستكون رمزية إلى حد كبير إلا أنها تعني تغيراً جذرياً عن صياغة شديدة الحذر تبناها البيت الأبيض منذ عقود كما أنها تأتي في وقت صدام بين أنقرة وواشنطن بشأن عدد آخر من الملفات، حيث من المتوقع أن تفاقم هذه الخطوة التوتر مع الحليفة في الناتو تركيا التي ترفض بشدة هذا التصنيف، يستعد جو بايدن للاعتراف بالمجزرة التي طالت 1,5 مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الإمبراطورية العثمانية باعتبارها "إبادة جماعية"، وسيكون بايدن أول رئيس أميركي يصف المجازر بأنها إبادة، وعلى الرغم من عدم وجود عواقب قانونية لهذا التصنيف إلا أنه سيغضب أنقرة التي تصر على عدم وجود إبادة وأن الطرفين ارتكبا فظائع خلال الحرب.
وتحي دولة أرمينيا ذكرى المذابح في يوم 24 أبريل كل سنة، فيما تختلف كل من أرمينيا وتركيا حول الرواية التاريخية للمذابح، وفاعلها الحقيقي، حيث يعتبر الأرمن أن ما تعرضوا له من مطاردة ونفي من 1915 الى 1917 عملية "إبادة" سقط فيها على حد قولهم أكثر من مليون ونصف المليون قتيل.
في المقابل لا تعترف تركيا إلا بمقتل ما بين 300 إلى 500 ألف أرمني تقول إنهم لم يقتلوا في حملة تصفية بل راحوا ضحية الفوضى التي سادت آخر سنوات الإمبراطورية العثمانية، ونؤكد تركيا إن القوميين الأرمن الذين انضموا إلى "العدو الروسي" خلال الحرب العالمية الأولى قبل قرار الحكومة العثمانية ترحيل الأرمن إلى سوريا، قتلوا عشرات آلاف الأتراك.
ورغم تقليل الخبراء من الآثار القانونية لإعلان بايدن إن تم، إلا أنهم لم يستبعدوا الآثار السياسية، والتي قد يكون وقع تداعياتها كبيراً، لاسيما في ظل غياب أي بادرة تحسن للعلاقات بين الطرفين.
مذبحة الأرمن الكبرى.. نظرة تاريخية
تعرف باسم المحرقة الأرمني، والمذبحة الأرمنية، أو الجريمة الكبرى، تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل حكومة تركيا الفتاة في الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل والترحيل القسري، والتي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين.
ويقدّر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن بين مليون إلى 1.5 مليون شخص، معظمهم من المواطنين داخل الدولة العثمانية. تاريخ الإبادة بدأ في 24 أبريل من عام 1915، وهو اليوم الذي اعتقلت فيه السلطات العثمانية وقامت بترحيل بين 235 إلى 270 من المثقفين وقادة المجتمع الأرمن من القسطنطينية (إسطنبول الآن) إلى منطقة أنقرة، وقتل معظمهم في نهاية المطاف.
ولعبت بعض القبائل الكردية دوراً في مذابح الأرمن كونها كانت أكبر الأقليات المسلمة في تركيا وقتها. إذ استغلتهم السلطات العثمانية للزج بهم في عمليات القتل ضد الأرمن والسريان، وكان الأكراد موعودين بقيام دولتهم المستقلة من قبل مصطفى كمال أتاتورك، الذي استغلهم من أجل تأسيس الدولة التركية بعد أن ضعفت وانهارت الامبراطورية العثمانية، وكانت معاهدة سيفر التي أبرمتها الدولة العثمانية عام 1920 ، تلزمها "بترك الأراضي التي يقطنها الأرمن والأكراد، مما كان يسمح لهم بقيام دولتهم منفصلة".
ونُفذت الإبادة الجماعية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ونُفذت على مرحلتين - القتل الجماعي للذكور ذوي القدرة الجسديَّة من خلال المجزرة وتعريض المجندين بالجيش إلى السُخرة، ويليها ترحيل النساء والأطفال والمسنين والعجزة ضمن مسيرات الموت المؤدية إلى الصحراء السورية. وبعد أن تم ترحيلهم من قبل مرافقين عسكريين، تم حرمان المرُحليّن من الطعام والماء وتعرضوا للسرقة الدورية والاغتصاب والمجازر، خلال هذه الفترة تم استهداف ومهاجمة وقتل مجموعات عرقية مسيحية أخرى منها السريان والكلدان والآشوريين واليونانيين البنطيين وغيرهم، ويرى العديد من الباحثين أن هذه الأحداث عبارةٌ عن حدث واحد، وجزءٌ من نفس سياسية الإبادة التي انتهجتها حكومة تركيا الفتاة ضد طوائف مسيحية متنوعة.
الاعتراف الدولي بـ"مذابح الأرمن"
اعترف بمذابح الأرمن عدد كبير من البرلمانات الأجنبية، منها فرنسا وروسيا وألمانيا، وكندا، والدول التي تعترف رسميًا بالإبادة الأرمنية تشمل: الأرجنتين، (قانونين، وثلاثة قرارات) أرمينيا، بلجيكا، كندا، (1996، 2002، 2004) تشيلي، قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، ليتوانيا، لبنان، هولندا، بولندا، روسيا، سلوفاكيا، السويد، سويسرا، الأوروغواي، (1965، 2004) الفاتيكان، فنزويلا، البرازيل (2015)، بلغاريا (2015)، جمهورية التشيك (2015)، ألمانيا (2015)، لوكسمبورغ، سوريا، والنمسا(2015)، حيث يعتبر ملف المذبحة الأرمنية حساساً للغاية في الداخل التركي، سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي.
وفي 2 يونيو 2016 تبنى البرلمان الألماني، قرارًا بعنوان "إحياء ذكرى إبادة الأرمن وأقليات مسيحية أخرى بعد 101 عام"، وصف الجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن في الحقبة العثمانية بالإبادة الجماعية. وصوّت النواب الألمان بغالبية ساحقة، على قرار يعترف بإبادة الإرمن في عهد الدولة العثمانية، وأعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دعمها وتأييدها لموقف حزبها الداعي للاعتراف بالإبادة التي تعرّض لها الأرمن على يد قوات الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
وكانت قد هاجمت أنقرة برلين في عام 2016 بعد تصديق البرلمان الألماني على قرار يصف مذابح الأرمن بأنها "إبادة جماعية"، وقد وصفت أنقرة القرار بالمشين، ومثال على "الجهل، وعدم احترام القانون".
اقرأ المزيد مذابح الدولة العثمانية على مرّ التاريخ
في عام 2019 أقرّ مجلس النواب الأمريكي الاعتراف رسمياً بالقتل الجماعي للأرمن على أيدي القوميين الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى باعتباره "إبادة جماعية"، وقالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إنه يشرفها الانضمام إلى زملائها في "إحياء ذكرى واحدة من أكبر الفظائع في القرن العشرين: القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف مليون أرمني من رجال ونساء وأطفال الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية".
وذكر القرار أنّ للولايات المتحدة "تاريخ فخور" في الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وإدانتها، من خلال الاعتراف بمقتل 1.5 مليون أرميني على يد الإمبراطورية العثمانية من عام 1915 إلى عام 1923، فضلاً عن تقديم الإغاثة للناجين من حملة الإبادة الجماعية ضد الأرمن واليونانيين والآشوريين والكلدانيين والسريان والآراميين، والموارنة وغيرهم من المسيحيين. وأقر مجلس النواب الأمريكي بأكثرية 405 أصوات مقابل 11 القرار الذي يؤكد اعتراف الولايات المتحدة بما يعرف "بالإبادة الأرمنية"، وهي خطوة أغضبت الحكومة التركية.
البيت الأبيض يستعد للاعتراف بـ"مذابح الأرمن"
أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى "إعلان" مرتقب، السبت، بشأن "الإبادة الجماعية للأرمن"، فيما يبدو تأكيداً لاستعداد إدارة الرئيس بايدن الاعتراف بها، وكانت وسائل إعلام أميركية، قد توقعت أن يعترف بايدن خلال أيام، رسمياً، بالمجازر التي طالت 1,5 مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الإمبراطورية العثمانية على أنها "إبادة جماعية"، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تأزّم العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا.
وذكرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" أنه من المقرر أن يعلن بايدن تصنيف المجازر "إبادة جماعية" في الذكرى الـ106 لعمليات القتل الجماعي التي بدأت عام 1915، عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تقاتل روسيا القيصرية خلال الحرب العالمية الأولى في المناطق الأرمينية، وبهذه الخطوة وإن تمت سيكون بايدن أول رئيس أميركي يصف المجازر بأنها "إبادة"، وهو ما تجنبه أسلافه من الرؤساء، آخرهم دونالد ترامب، وقبله باراك أوباما.
اقرأ المزيد ماذا تعرف عن “مذابح الأرمن” التي يُتهم العثمانيون بارتكابها؟
وثمة ترقب وحذر يسود في أنقرة، والتي استشعرت في وقت سابق هذه الخطوة، وبدا ذلك على لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو منذ أيام، وتلته الرئاسة التركية، وفي لقاء متلفز له على قناة "ntv" هذا الأسبوع قال جاويش أوغلو: "البيانات بدون التزامات قانونية لن يكون لها أي فائدة، لكنها سوف تضر بالعلاقات، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تجعل العلاقات أكثر سوءا، فإن هذا القرار يعود لهم"، وأضاف الوزير التركي: "في الماضي أدلى رؤساء الولايات المتحدة بهذا الادعاء. تقدم دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية العديد من التذكيرات إلى البلدان الأخرى. إذا أخذت الولايات المتحدة القانون الدولي في الاعتبار، فلن تتخذ مثل هذا القرار".
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!