-
التراخي الألماني مع أنقرة يُهدّد المعارضين الأتراك ودولاً أوروبية
لا يبدو أنّ الحكومة الألمانيّة قادرة على الانفكاك تماماً من السطوة التي تتمتع بها الحكومة التركية في برلين، منذ أن تقاسم البلدان الحرب العالمية الأولى في وجه الحلفاء (بريطانياـ فرنسا بالإضافة إلى روسيا)، إذ تحتفظ الحكومة الألمانية، منذ ذلك الحين، بنوع من الودّ لأنقرة، وهو ما يمكن التماسه من خلال تدخل الحكومة التركيّة في كل انتخابات تلك البلاد، نتيجة وجود جالية واسعة من الأتراك، تقدّر بنحو 3 ملايين شخص، إلا أنّ جزءاً من هؤلاء أنفسهم، بات ملاحقاً من قبل السلطات التركية، خاصة المعارض منهم. المعارضين الأتراك
شماعة الانقلاب في تركيا
فعقب الانقلاب المزعوم على أردوغان، في العام 2016، اتّسعت رقعة التنكيل بالمعارضين، وبات الشك بحدّ ذاته كافياً لاعتقال الأتراك والزج بهم في السجون، بعد أن تحول الجيش التركي من حامي مفترض للدستور العلماني، إلى متّهم يتم وضعه في قفص الاتهام، وتوجّه تهمة الخيانة إليه، ليرمي به في غياهب السجون بموجب قانون الطوارئ، الذي استمر العمل به، حتى يوليو العام 2018.
وفيما كانت تبلغ أعداد اللاجئين الأتراك في ألمانيا، بين عامي 2014 و2015، نحو 1800 طالب لجوء سنوياً، معظمهم من الأكراد، ازدادت تلك الأرقام بشكل كبير، منذ العام 2016، حين وصل عدد المتقدمين باللجوء إلى أكثر من 5700 طلب، وواصلت تلك الأرقام في الارتفاع سنوياً، حيث دوِّن عام 2019، أكثر من 36 ألف طلب لجوء لأتراك، تبعاً لأرقام رسمية في ألمانيا، مقارنة بأقل من 2000 طلب لجوء، في الأعوام السابقة. المعارضين الأتراك
اقرأ أيضاً: فضائح بولتون قد تودي لفقدان ترامب فرصة الرئاسة الثانية
وأشار بعض هؤلاء اللاجئين، ممن تحدّثوا لـموقع “العربية.نت”، في الثاني من يوليو الجاري، أنّ تضاعف عدد اللاجئين الأتراك قابلها زيادة في تعداد عملاء المخابرات التركية، في ألمانيا، التي يتواجد فيها خمسة ملايين تركي مقيم، حيث أردفوا: “إذ إنّ هناك أكثر من 8 آلاف عميل للمخابرات التركية، ومئات الجواسيس ينشطون على الأراضي الألمانية، إضافة إلى عدد غير معروف من العملاء الناشطين عبر السفارات، أهدافهم متابعة مؤيدي غولن، والأكراد”.
لكن، لا يبدو أنّ الأتراك المقيمين في ألمانيا في مأمن حقيقي من السلطة التي فروا منها، إذ طالب الرئيس التركي باستعادة معارضين سياسيين يعتبرهم إرهابيين، ولم يتردّد في تقديم لائحة بأسماء العشرات، عام 2018، للمستشارة الألمانية، كانت الاستخبارات التركية سلمتها من قبل لسلطات برلين التي تجاهلتها، إلا أنّ الشرطة الألمانية، آنذاك، نبّهت أولئك المطلوبين من العودة إلى تركيا حتى لا يتم القبض عليهم، وزجّهم في السجون، أسوة بالآلاف الذين تم اعتقالهم وسجنهم داخل تركيا، وهو ما يلفت إليه “شميت إينبوم”، مؤلف كتاب عن عمل المخابرات التركية في أوروبا، من أنّ عدد العملاء الأتراك في ألمانيا يقدّر بأكثر من 8 آلاف عميل، إلى جانب مئات الجواسيس التابعين مباشرة للمخابرات التركية، وهم يجنّدون العملاء على الأراضي الألمانية.
كيف تتعامل السلطات الألمانية مع النشاطات التركية؟
وإلى جانب تنبيه المعارضين الأتراك في ألمانيا من ملاحقتهم من قبل عملاء أنقرة، تتخذ السلطات المحلية، في أقاليم الولايات الألمانية، وهي دولة ذات حكم فيدرالي، بين الحين والآخر، جملة من الإجراءات التي تأتي نتيجة ممارسات أتباع أنقرة فيها، ففي التاسع والعشرين من أبريل الماضي، قرّرت حكومة ولاية هيسن، وسط ألمانيا، طرد الاتحاد الإسلامي التركي “ديتيب”، المشرف على حصص تدريس الدين، من مدارسها، بسبب خضوعه لأردوغان وعلاقته بالإخوان.
وربما كان القرار مفاجئاً، لكونه كان معروفاً أنّ حكومة هيسن، من أكثر الولايات الألمانية تعاوناً مع ديتيب، ساندةً للاتحاد التركي مهمة تدريس مادة الدين في 56 مدرسة ابتدائية، و12 مدرسة ثانوية، على أراضيها، منذ 2012، رغم الانتقادات الكبيرة لذاك التعاون، لكن يبدو أنّ الأمور تبدّلت فيما بعد، إذ وبحسب تقرير لصحيفة ميتل هيسن الألمانية، فإنّ وزير الثقافة في الولاية، إلكسندر لورز، اتّخذ قرار طرد “ديتيب” من المدارس، وإنهاء التعاون التعليمي معها، ونقلت عن لورز المنحدر من الاتحاد المسيحي (حزب المستشارة أنجيلا ميركل)، قوله: “إنّ اتحاد ديتيب لم يستطع تبديد شكوكنا في خضوعه مباشرة لأنقرة وأردوغان”، ولفتت الصحيفة إلى أنّ علاقة ديتيب، أيضاً، بجماعة الإخوان التي تصنّف في ألمانيا كتهديد للنظام والدستور، سبب آخر في قرار لورز.
اقرأ أيضاً: روسيا العائدة من كبوة انهيار الاتحاد السوفيتي.. كقطب عالمي
وأشارت معلومات صحفية حينها أنّ “ديتيب” يمتلك وجوداً ملحوظاً في هيسن، وإلى جانب تولّيه السباق لتدريس الدين الإسلامي في المدارس المذكورة، فإنّه كان يملك ٨٦ مؤسسة ثقافية ومسجداً في الولاية، فيما لاقى قرار الأخيرة ترحيباً سياسياً كبيراً، حيث قال، آنذاك، الحزب الديمقراطي الحر “يمين وسط”، إنّه “مبرر ومنطقي نتيجة لعلاقة ديتيب بأردوغان، وانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا”، فيما عبر حزب البديل لأجل ألمانيا وهو من “اليمين المعارض” عن “موافقته على القرار، انطلاقاً من علاقة ديتيب الوثيقة بمنظمات متطرفة، مثل الإخوان”.
المدارس الدينية ترسيخ لنفوذ أردوغان
الصحافة الألمانية أيّدت، أيضاً، قرار ولاية هيسن، حيث قالت صحيفة بيلد، الأوسع انتشاراً في ألمانيا، في وقت سابق، إنّ تدريس ديتيب للدين الإسلامي في مدارس ولاية هيسن “اختراق تركي للمدارس الألمانية، ومحاولة لتصدير أفكار أردوغان المتطرفة للمجتمع”، متابعةً: “في مارس/أذار 2012، حذّر تقرير أعدّته وزارة التعليم في ولاية هيسن من التأثير الكبير لنظام أردوغان على ديتيب، وما يعنيه ذلك من وصول التأثير التركي للمدارس الألمانية في حال استمرّت حصص الدين الإسلامي بالشراكة مع الاتحاد، لكن السلطات لم تهتم بالأمر”.
اقرأ أيضاً: خطر الإخوان المسلمين ينتقل من العالم العربي إلى أوروبا
كما نقلت الصحيفة، عن تقرير وزارة التعليم في هيسن قولها: “يواجه ديتيب والمنظمات التابعة له مشاكل كبيرة مع الحريات الدينية، ويعد أداة رئيسة في التحوّل الكبير الذي يطرأ على النظام التركي منذ وصول رجب طيب أردوغان للحكم”، ووفق بيلد، حذّر التقرير من أنّ حصص الدين الإسلامي، تعدّ باباً لدخول النفوذ التركي للمدارس الألمانية، وهو حديث ليس مبالغاً به، إنّ علماً أنّ ديتيب يعتبر أكبر منظمة مظليّة للمساجد في ألمانيا، حيث يشرف الاتحاد على ٩٠٠ مسجد في عموم البلاد، بينها المسجد الكبير في مدينة كولونيا، ويشغل عضويته 800 ألف شخص، في الأراضي الألمانية.
ووفق مركز الدراسات التابع للبرلمان الألماني، فإنّ ارتباط ديتيب بالنظام التركي ليس محل شك، حيث ذكر المركز في تقرير صدر في 2018: “ديتيب مرتبط بشكل مباشر بمديرية الشؤون الدينية التي تخضع لإشراف مباشر من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان”.
هل تنجح المساعي الألمانية؟
بيد أنّ المساعي التي تبذلها بعض الحكومات المحلية في ألمانيا لمواجهة النفوذ التركي المتنامي ليست كافية، لأنّ الحكومة الألمانية المركزية، لا ترغب أن تفسد الود مع أنقرة، وهو ما يمكن الإشارة إليه من مبيعات الأسلحة الألمانية إلى تركية، والتي تؤكد التقارير تضاعفها، إلى جانب الموقف البرتقالي لبرلين في القضايا الحساسة بالنسبة لأنقرة، كتوسع الأخيرة في شمال سوريا، ومن ثم ليبيا، إلى جانب غياب الموقف الحاسم في ملفي اليونان وقبرص.
ليضحى معه ضعف الموقف الألماني، الرسمي، مع أنقرة، ليس تهديداً مباشراً ضد المعارضين الأتراك على أراضيها، فحسب، بل تهديداً لدول كاملة في جنوب شرق القارة الأوروبية، في ظلّ استمرار أنقرة بمساعيها التوسّعية الرامية إلى إحياء العثمانية “البائدة”.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!