-
التاريخ حرکة تطور للأمام وليس تراجع وتخلّف
هل يمکن للحضارة الإنسانية أن تعود مثلاً من العصر الحالي إلى العصور السابقة أو حتى عصر محدد مثلاً؟ هل من الممکن للتاريخ أن يتخذ خطاً تراجعياً ويتوقف عن التطور والتقدم للأمام؟ بل وإن السٶال الأهم الذي يجب طرحه هنا هو هل إن مترنيخ، وزير خارجية النمسا الذي عاصر الثورة الفرنسية وصاحب شعار"إرجاع القديم الى قدمه"، قد تمکن من فرض وجهة نظره وجعل التاريخ يقف عند خط معين أو يدور حول نفسه؟ قطعاً لم يتمکن مترنيخ من أن ينجح في ذلك وإن حرکة التاريخ للأمام طحنت وجهة نظره مع النظام الذي کان سائداً والذي أراد مترنيخ أن يجعله أمراً واقعاً.
في إيران، وبعد أکثر من 50 عاماً من حکم شاه دکتاتوري فاسد ذاق من مساوئه ومن طغيانه الشعب الإيراني الأمرين، فقد جاءت الثورة الإيرانية في 11 شباط 1979، لتسقط هذا الحکم الدکتاتوري الفاسد وترمي به في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه، لکن التيار الديني المتطرف بقيادة خميني لم يسمح للفرحة الشعبية بأن تتم عندما قام بمصادرة الثورة وألبسها قسراً رداء دينياً مشبوهاً وفرض نظاماً استبدادياً قمعياً لم يختلف عن سلفه النظام الملکي إلا في الشکل والتسمية، وکان هذا العمل بمثابة عودة بالتاريخ للوراء ورفض التقدم الحاصل في الوعي الشعبي السياسي الإيراني وفي التطور التاريخي للأمام برفض الدکتاتورية ودفنها إلى الأبد، ولذلك فإن بقاء حرکة الصراع والمقاومة ضد هذا النظام، کان تأکيداً على عدم السماح له بأن يفرض نفسه قسراً على الشعب.
المقاومة والمواجهة الشعبية النوعية ضد نظام ولاية الفقيه الدکتاتوري، هي في الحقيقة بمثابة حرکة تقدم وتطور تاريخي للأمام، وأثبتت الأحداث والتطورات الجارية قوة هذه الحرکة ولا سيما بعد انتفاضة 16 سبتمبر 2022، التي حطمت کبرياء النظام، والمثير للسخرية والتهکم أن يعود أيتام نظام الشاه البائد بقيادة ابن الشاه المخلوع ليسعى من أجل إعادة عرش والده إلى طهران والجلوس عليه، وهو الأمر الذي لا يمکن تشبيهه حتى بأحلام العصافير، إذ إن التاريخ لا يمکن أن يعود إلى الوراء أبداً، وإن الحرکة الارتدادية الطارئة التي حدثت بقيادة خميني، هي حرکة دخيلة على التاريخ ولذلك فإنها واجهت الرفض والمقاومة ولم تتمکن من فرض نفسها على الرغم من النهج القمعي التعسفي الذي سلکته والطرق الملتوية الخبيثة المخادعة التي اتبعتها من أجل ذلك، ومع کل تلك الحملات السياسية ـ الفکرية ـ الاجتماعية ـ الإعلامية واسعة النطاق التي قامت بها ضد المقاومة الإيرانية، قائدة حرکة التقدم والتطور التاريخي للأمام، لکنها لم تنجح أبداً في تحقيق أهدافها المشبوهة، وإن هذا النظام وهو يسير باتجاه مصيره المحتوم إلى مزبلة التاريخ فإن هناك ثمة حقيقة بالغة الأهمية يجب معرفتها وهي أن من ترميه الشعوب في مزبلة التاريخ هو بحکم الملعون الذي لا يمکنه الخروج من تلك المزبلة أبداً.
ليفانت - فريد ماهوتشي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!