-
اضربه كفاً خفيفاً
صغاراً كنّا وكانت الحلول المتاحة أمامنا على قدر ما نملك من صلاحيات، أزعم أن أغلبكم قد عاين في الصغر مثل هذه القصة التي سأرويها لكم.
كما هو معلوم في كل حارة أو حي هناك مجموعة من الأصدقاء المخلصين لبعضهم أو كما نسميها بالعامية "الشلة" بزعامة أحدهم الأزعر الكبير، وكل حارة في الحي كانت لديها الشلة الخاصة بها، فتارة يهاجمون الحارة المجاورة وتارة يعترضون أحد أعضاء الشلة من حارة أخرى، وإن لم يوفقوا بغنيمة في ذلك اليوم تراهم يتناوشون فيما بينهم لملء وقت الفراغ.
يحدث أن تقع فريسة بيد الشلة، وغالباً ما يكون طفلاً صغيراً أو لا ينتمي لشلة مماثلة كما هم منظمون ضمن المافيات التي نظموا أنفسهم فيها، وتبدأ الملاسنة والصياح وهذا يدفعه يمنة وآخر "يلحشه" شمالاً، في هذه الأثناء تماماً هناك الراصد وهو أحد أعضاء شلة من حارة مجاورة أو عميل مزدوج بين شلتين، فيتسلل ليخبر جماعته، وغالباً ما تكون للضحية صلة قرابة لأحد أعضاء الشلة الأخرى، فتراهم قد وصلوا قبل أن تتطور المعركة الكلامية ويدخلون على الخط، وتبدأ المفاوضات بين الشلتين أو حتى بين شلة أخرى ثالثة وصلت لتقيّم الوضع وتدلو بدلوها هي الأخرى.
ولأن الزعران لا يتعدون أصول المصلحة أو التنازل عن مبادئهم بسهولة، يكون الحل من جهة الشلة المتدخلة بعد تعنّت الشلة التي أمسكت بالفريسة وتحاول أن تبرّحها ضرباً باقتراح يحفظ ماء وجه زملاء الزعرنة: "خلص اضربو كف خفيف"، وهكذا تنتهي أغلب الخناقات الاستعراضية على مبدأ "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم".
ولربما هذا الحل كان دبلوماسياً نوعاً ما مقارنة بحساب ناتج تفاقم المشكلة وإصرار الشلة المعتدية على ضرب الفريسة ضرباً "ماكناً"، وانتصار الشلة الأخرى للمعتدى عليه والاستعانة بالحلفاء الزعران من الحارات الأخرى، مما سيؤدي إلى خسارة كل الأطراف في النهاية، فحتى معارك الشلل الحاراتية، الكل خاسر ولا رابح فيها.
قمة زعران في العاصمة الإيرانية التي جمعت "طهران أستانا" لا تختلف من حيث المبدأ في مخرجاتها عن مخرجات شلل الحارات، فبعد تهديد ووعيد تركيا بغزو جديد واجتياح مناطق في شمال وشرق سوريا، يبدو أن شلّة بوتين ورئيسي استطاعت إقناع شلة أردوغان بصعوبة تنفيذ عدوان جديد، ويبدو أنهم قد اتفقوا على أن يضرب كل واحد منهم "كفاً خفيفاً"، كي يخففوا من حدة الاحتقان بعد كل هذا التهويل الإعلامي.
الفريسة كما اعتدنا هو الشعب السوري بكل أطيافه وأماكن توزّعه الجغرافي، إلا أنّ هذه المرة قد انضم سياح من وسط وجنوب العراق إلى ركب الضحايا، فبداية كانت مجزرة مصيف برخ في زاخو، وتتالت بعدها الكفوف على خد الشعب السوري، حيث فقد سبعة مدنيين حياتهم، بينهم أربعة أطفال، في قصف روسي على قرية في ريف إدلب الغربي، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.
وفي اليوم نفسه، قصفت إسرائيل موقعاً قرب دمشق أسفر عنه فقدان ثلاثة عسكريين حياتهم وإصابة آخرين، في حين ما تزال المسيّرات التركية ومنذ أشهر تستهدف المدنيين وعسكريين من قوات سوريا الديمقراطية شريكة قوات التحالف الدولي ضد داعش، في حين تواصل القوات التركية قصفها منذ صباح اليوم ناحيتي تل تمر وزركان، والذي أسفر عنه وقوع ضحايا وإصابات، بينهم أطفال صغار.
وما تزال شلة الزعران تنتهج الطريقة ذاتها في حلّ مشاكلها وتواصل ضرب كف خفيف على الشعب السوري.
ليفانت – فاضل محمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!