الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
إيران تسطو على مراكز البحث العلمي السورية 1
أحمد رحال

في بداية سبعينات القرن الماضي رفض نظام الأسد (الأب) منحة مالية من الاتحاد الأوروبي لإنشاء مركز للدراسات والبحث العلمي في سوريا بحجة أنها شكل من أشكال الاستعمار الغربي لسوريا، لكن تلك المراكز أٌنشئت لاحقاً عام 1971 بجهود وطنية بسيطة افتقد فيها عنصر التطور والحداثة، وبقيت كسائر مؤسسات الدولة السورية في نظام الأسد تعاني من البيروقراطية وانعدام الفائدة منها حتى مطلع الثمانينات.

إنشاء وبناء مركز الدراسات والبحث العلمي في سوريا

بتوصية من المخابرات الجوية السورية للقصر الجمهوري، اتخذت تلك المراكز لاحقاً إطاراً عسكرياً وأمنياً في عام 1973، بهدف صناعة سلاح توازن استراتيجي مع إسرائيل، وبدأ العمل بتلك المراكز من خلال تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بعد استقدام خبراء من كوريا الشمالية، الذين أعادوا بناء مراكز الدراسات والبحث العلمي من حيث التحصين والحماية وفق التجربة الكورية، والتي تعتمد أساساً على السرية المطلقة وعلى بناء أنفاق ومنشآت مخفية داخل الجبال وعلى أعماق تحت الأرض تفوق قدرة القنابل مهما تعاظمت قدراتها التدميرية من الوصول إليها والتأثير عليها، أما من حيث الطاقم فتم الاعتماد على العناصر الأكثر ولاء للنظام (معظم الطاقم وضباط الأمن والحراس من طائفة النظام) ومع ذلك يخضع الموظفون لمراقبة عن كثب ويكون مصيرهم الاعتقال أو القتل إذا اعتبروا تهديداً، كما حصل للمهندس بشار الحموي الذي اعتقلته مخابرات النظام مع عدد من رفاقه، وهو بطريقه للعمل في مساكن برزة بدمشق بعد أن شكّوا بولائه، وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن، وهذا ما دفع الدكتور أحمد الفرا للانشقاق مع بداية الثورة، وكذلك مدير التصنيع بمركز جمرايا، اللذان فرا لجهة مجهولة.

هرمية قيادة مركز الدراسات والبحث العلمي وقطاعاته الرئيسة

بشكل عام، تقع هرمية السيطرة بمراكز الدراسات والبحث العلمي في سوريا بمنظومة قيادة يترأسها الدكتور عمر أرمنازي ويعاونه الدكتور سلام طعمة، ويشغل العميد عبد الحليم سليمان مديراً لمكتب الأمن العام، ويدار المركز عبر مجلس إدارة لكن المتحكم بالمجلس (وفق العادة) هو ضابط ارتباط القصر الجمهوري الممثل عن القائد العام للجيش (بشار الأسد)، وأشهر من شغل هذا المنصب هو العميد محمد سليمان عام 2008، الذي كان يعتبر الآمر الناهي بكل قرارات المركز قبل أن يتم اغتياله في الشاليه الخاص به في طرطوس عام 2008 على يد الإيرانيين بعد تحميله مسؤولية كشف شخصية عماد مغنية والتسبب باغتياله بدمشق على يد الإسرائيليين نتيجة تقصيره الأمني، ثم استلم المهمة بعده اللواء بسام حسن، ويقع مبنى المديرية العامة في حي برزة شمال دمشق، وأهم ضابط بالمركز هو العميد عزيز إسبر، المشرف على أعمال ومشاريع القطاع الرابع (قيل عبر إعلام النظام أن العميد عزيز إسبر قتل بغارة جوية إسرائيلية ومصدر آخر نشر أنه مات بحادث سيارة، لكن معلومات شبه مؤكدة قالت إن العميد عزيز إسبر لم يقتل بل نقل مع عائلته إلى إيران ليشرف هناك على مشاريع تطوير وإنتاج صواريخ لدى الحرس الثوري الإيراني).

يتفرّع من إدارة مركز البحوث أربعة قطاعات رئيسة هي:

المعهد 1000: ويتموضع المعهد ضمن منشآت مركز جمرايا، ويضم معه الفرع 450، والمعهد خاص بإنتاج التقنيات الإلكترونية والحاسبات وأنظمة الملاحة والتوجيه ومنظومات الاتصال، إضافة إلى تطوير أجهزة الرؤية الليلية ومحطات الرادار، والمعهد تحت إدارة الدكتور محمد خالد نصري، ويدير مكتب الأمن فيه النقيب فراس أحمد، أما ضابط الارتباط مع القصر الجمهوري فالمهمة موكلة للعميد طارق ياسمينة، المشرف والمراقب بشكل عام على كامل مهام وأعمال المعهد. 

المعهد 2000: بإدارة الدكتور نبيل زغيب، والمعهد مختص بتقنيات الميكانيك، ويضم معه الفرع 410 برئاسة د.جميل عمران، وهذا المركز كان أكبر منتج للأسلحة العشوائية التي استخدمها نظام الأسد لقمع الثورة السورية من خلال إنتاجه البراميل المتفجرة (صاحب فكرة البراميل هو العميد عزيز إسبر)، وكذلك مهام التعديل على قنابل الأعماق البحرية القديمة والألغام البحرية، التي تم رميها من حوامات نظام الأسد ضد مواقع الجيش الحر والمدنيين والمشافي ومواقع الدفاع المدني والأفران والأسواق في المناطق المحررة، ومن إنتاج المعهد 2000 أيضاً صواريخ البركان التي حملت رؤوسها المتفجرة بحشوات كيماوية استخدمت في الهجوم على الغوطة الشرقية، في 21 آب عام 2013، وعدة مواقع أخرى لاحقاً، وإلى جانب الأسلحة الكيماوية، أنتج مركز البحوث إضافة للبراميل المتفجرة، قنابل حرارية وذخائر مميتة أخرى (مقال نشر في موقع عنب بلدي حول هيكلية صناعة الأسلحة الكيماوية في سوريا).

المعهد 3000: والخاص بالأسلحة الكيماوية، يترأسه العميد زهير فضلون، أما مكتبه الأمني فيقع تحت إشراف الدكتور سعيد سعيد.

المعهد 4000: ويقع في منطقة السفيرة جنوبي حلب، وتم نقله إلى مصياف في بداية الثورة خوفاً من وقوعه تحت سيطرة الثوار، والمشاريع التي نقلت معه هي: المشروع 340 والخاص بإنتاج وتطوير الوقود الصلب الخاص بالصواريخ، ونقلت أيضاً خطوط إنتاج المشروع 702 الخاص بإنتاج وتطوير الصواريخ (يطلق عليه اسم المشروع الإيراني "111")، وكذلك خطوط إنتاج المشروع 791 الذي يشترك بعمله مع المشروع 702.

والمعهد 4000 مختصّ بتطوير وإنتاج الصواريخ ورؤوس التوجيه الذاتي ورؤوس الحرب، وأهم قطاعاته المشروع 99 الذي يقوده الدكتور نضال الأتاسي والخاص بتطوير صواريخ سكود الروسية المنشأ، وفيه أيضاً جناح لتصنيع البراميل المتفجرة (مؤخراً أوكلت له مهمة صناعة المعادن الخفيفة من "حبيبات الكربون" لصناعة مكونات أجسام الطائرات المسيّرة في مركز تقسيس)، وهذا المشروع تم نقله أيضاً من منطقة السفيرة جنوب حلب إلى منطقة جبل تقسيس الخاص بإنتاج وتطوير صواريخ سكود، والعمل فيه سابقاً  كان بإشراف كوري شمالي تام لكن لاحقاً أصبح تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني بعد نقل معدات وخطوط إنتاج الصواريخ الإيرانية إلى سوريا.

الفرع 450: وهو خاص بعملية التواؤم والخلط بين الرؤوس الحربية والأسلحة الكيماوية وعمليات تخزينها، والفرع 450 يقع تحت إدارة العميد غسان عباس والعميد علي ونوس، التابع للحرس الجمهوري.

وكل قطاع أو معهد في مراكز البحث العلمي يعمل بشكل شبه مستقل بحد ذاته، ويراعى بعمل مراكز البحث العلمي حتى داخل مكونات كل قطاع مبدأ السرية من خلال تطبيق قاعدة: (المعرفة على قدر الحاجة)، بحيث لا يعرف أي مهندس أو عنصر من الطاقم ما يجري داخل المركز إلا ما يعرفه عن عمله فقط دون أي اطلاع على مهام أو عمل الآخرين.

دخول الأسلحة الكيماوية على خطوط إنتاج البحث العلمي وضع تلك المراكز تحت رقابة المخابرات الجوية السورية ورقابة ضباط الحرس الجمهوري والدائرة الضيقة المقربة من قصر الرئاسة بدمشق، وبقرار من القصر الجمهوري تم تحويل مراكز البحث العلمي نهائياً من قطاع مدني بمهندسين وخبرات مدنية إلى منشآت عسكرية يسيطر عليها ضباط الأمن ومهندسون عسكريون وأخصائيون ببعض العلوم الذين تم إيفادهم للخارج بمنح علمية محددة تخدم مشروعين أساسيين: مشروع تطوير الأسلحة الكيماوية، ومشروع تطوير الصواريخ والطيران المسيّر وبعض الأجهزة الحربية، وخاصة في قطاع الحرب الإلكترونية.

كانت أعوام الثمانينات من القرن الماضي سنوات ازدهار عمل تلك المراكز التي قسمت لمركزين أساسيين: مركز دمشق ومركز حلب، ولكل من تلك المراكز عدة قطاعات عمل، لكن بشكل عام روعي بتلك القطاعات أن يتم التركيز على مواقع مركز دراسات دمشق للبحث العلمي بتطوير الأسلحة الكيماوية والجرثومية بعد الاستعانة بخبراء من كوريا الشمالية وإيران وروسيا وبإشراف مباشر من اللواء علي مملوك واللواء جميل حسن، اللذين يرتبطان مباشرة مع القصر الجمهوري السوري عبر اللواء بسام حسن (البعض نقل أن هناك اتفاق روسي إيراني كوري مع سوريا، على جعل مركز البحث العلمي بدمشق ساحة تجارب لتطوير الأسلحة الكيماوية، على أن تنقل أجزاء من المنتج النهائي للسلاح الكيماوي والجرثومي إلى مستودعات خاصة في كلّ من روسيا وإيران وكوريا الشمالية)، ويخصص مركز البحث العلمي في حلب لتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة "الدرون" وبعض الأجهزة والمنظومات، مثل تطوير منظومات التشويش المركبة على الزوارق الصاروخية (ب ك_16) الروسية واستعواضها بالمنظومة السورية AK_026 وغيرها.

تم دعم مراكز البحث العلمي تقنياً ومادياً وعلمياً، وحشدت لها طاقات هائلة من ميزانية الدولة السورية لتطوير مراكزها التصنيعية بشكل سري ودون رقابة داخلية أو دولية، وروعيت التجربة الكورية الشمالية في عمليات التحصين والبناء والسرية في بناء مراكز وخطوط الإنتاج منشآت المراكز في كافة المواقع، من حيث بناء الأنفاق التي أقيمت فيها مشاريع تلك المراكز والتي شملت مواقع عسكرية وعلمية مخفية في محافظات دمشق، ريف دمشق، حلب، حمص، حماة، إضافة لمستودعات تخزين خاصة في كلّ من اللاذقية والبادية السورية والبقاع والجنوب اللبناني، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بعد التغلغلِ الإيراني في سوريا، غيّرت الكثير من طرق انتشار المستودعات ومراكزِ الأبحاث العلمية لتحصينها من القصف الجوي والصاروخي الإسرائيلي.
 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!