-
إقليم كردستان العراق بين الرغبة في التحول الديمقراطي والواقع المؤلم
أحزاب سياسية كردية وقوى المجتمع المدني ومراقبين محليين ودوليين أجمعوا على أن الدورة السادسة لانتخابات برلمان إقليم كردستان تختلف عن كل سابقاتها ،باعتبارها جرت وفق آلية عالية الدقة في فرز أصوات الناخبين ، ونظام الدوائر بدلاً من نظام الدائرة الواحدة ، مما ولدت ارتياحاً وتفاؤلاً عاماً على المستويين السياسي والشعبي من عدم حدوث عمليات "تزوير" فاضحة أو خروقات كبيرة مقابل الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية والتصويت الحر ، وهذا ما دفعت بهم للإدلاء بمواقف إيجابية مؤيدة لهذه العملية قبل موعد إجرائها بأشهر .
* حملات انتخابية خارج المألوف
منذ الأيام الأولى للحملات الإنتخابية الدعائية لم توفر الأحزاب السياسية طاقاتها وإمكاناتها التنظيمية والجماهيرية في استمالة رأي الناخب الكردي ، خاصةً الذين امتنعوا عن المشاركة منذ مايقارب العقدين ، فكان التنافس على أشده بين الأحزاب والكتل السياسية ، ذهبت بعضها إلى حد " التشهير" و"التخوين " والمطالبة بإسقاط " حكومة أمر الواقع " و"محاسبة الفاسدين ووضع حد لهم" ، ولم تأتي هذه الأصوات فقط من الأحزاب والتيارات المعارضة للحكومة الحالية المؤتلفة من الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة گوران ، لا بل خرجت من أحزاب الحكومة نفسها ! ، في إشارة لمدى أهمية هذه الدورة الإنتخابية في رسم ملامح الخريطة السياسية للاقليم في المرحلة القادمة وتغير موازين القوى .
في حين ركزت أحزاب المعارضة على الوضع المعيشي والرواتب وتحسين مستوى الخدمات ومحاربة الفساد ، دون ذكرها للجانب القومي وحقوق الشعب الكردي وقضاياه السياسية العالقة مع بغداد ومصير مؤسسات الإقليم الدستورية وصلاحياته التي قوضت بموجب قرارات مسيسة من المحكمة الإتحادية في خطاباتهم وبرامجهم الإنتخابية ، مستغلة بذلك مشاعر الغضب واحتقان الطبقة الصامتة ضد الإدارة والحكومة التي شكلتها الحزبيين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ، إلا أن اللافت كان انزياح الاتحاد الوطني الكردستاني الشريك الاستراتيجي للديموقراطي الكردستاني منذ عقد الاتفاقية الاستراتيجية بينهما برعاية أمريكية عام ١٩٩٨ ، نحو مسار تجاوز فيه خطاب المعارضة ، وقدم نفسه كحزب ثوري معارض ضد الحكومة الذي هو شريك فيها وطالب بإسقاطها ! . بينما بقي وحده الديمقراطي الكردستاني وبشاهدة معظم المراقبين ، يقدم برنامجاً انتخابياً متوازناً ومتكاملاً كان عنوانه " الاستقرار والازدهار - الصمود والعمل المشترك " .
* نتائج الانتخابات بالارقام
وفقاً للنتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبعد فرز أكثر من ٩٦٪ من أصوات الناخبين في الدوائر الانتخابية الأربعة ( أربيل - دهوك - سليمانية - حلبجة ) ، حققت الحزبيين الرئيسيين الديمقراطي والوطني الكردستاني إلى جانب حركة الجيل الجديد تقدماً كبيراً في زيادة عدد الاصوات مقارنة بالدورة الخامسة التي أجريت عام ٢٠١٨ ، وحصلوا على غالبية مقاعد البرلمان . حيث جاء الحزب الديموقراطي الكردستاني بالمرتبة الأولى /٣٩/ مقعداً، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني / ٢٣/ مقعداً ، ثم حركة الجيل الجديد /١٥ /مقعداً . وعلى الرغم من أن الديمقراطي الكردستاني حقق فوزاً كبيراً في هذه الانتخابات بحصوله على أكبر عدد من الأصوات حوالي /٨١٠ /ألف صوت مقارنة بالدورة السابقة/ ٦٤٠ /ألف صوت ، إلا أنه خسر /٦ /مقاعد في هذه الدورة مقارنة بالدورة الماضية /٤٥ /مقعداً ، مع التنويه أن عدد المقاعد البرلمانية الكلية في الدورة السابقة كانت /١١٠ /مقعدا مع كوتا المكونات ، أما في هذه الدورة كانت مجموع المقاعد/ ١٠٠/ مقعداً من ضمنها /٥/ مقاعد الكوتا .
أما الاتحاد الوطني الكردستاني ، يبدو أن النظام الانتخابي الجديد قد جاء لصالحه ليحقق زيادة في عدد ناخبيه و مقاعده معاً من /٢١/ مقعداً في الدورة السابقة إلى /٢٣/ مقعداً في الدورة الحالية . وحركة الجيل الجديد والتي كانت مفاجئة هذه الانتخابات ، فقد ضاعفت عدد أصوات ناخبيها و مقاعدها معاً، فقفرت من حوالي/١٥٠/ ألف صوت و /٨/ مقاعد في الدورة السابقة إلى حوالي/٣٣٠ / ألف صوت و /١٥/ مقعداً في الدورة الحالية ، بعكس حركة التغير التي خسرت ناخبيها ومقاعدها بنفس النسبة التي حققتها حركة الجيل الجديد. وجاءت نتائج الأحزاب الإسلامية متواضعة ، باستثناء حزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني الذي حافظ على مقاعده ، إلا أن حركة العدل خسرت /٤/ مقاعد مقارنة بالدورة الماضية ، أما بقية الحركات والأحزاب كانت اصواتهم خجولة خولت بعضها الدخول إلى البرلمان بمقعد واحد وآخرون لم يحصلوا على مقاعد .
* المقاعد البرلمانية مجرد رقم لا تعكس واقع الحكم في الإقليم
بدايةً ، ينبغي أن لا يُدعم أو يشجع على التفرد واحتكار السلطة في الإقليم من منطق القوة والسلاح على حساب تعزيز قيم الديمقراطية والحريات العامة والرأي، أو تهميش الشعب والقفز فوق إرادته و حقوقه المشروعة في حياة مستقرة آمنة يتمتع فيها بالرخاء الاقتصادي ومستوى معيشي وتعليمي وصحي أفضل ، وتوزيع عادل للثروات بين جميع مواطنيه من زاخو إلى خانقين . لكن واقع حال في الإقليم يشذُّ عن هذا المبدأ المثالي الذي يستوجب تطبيقه في دول ذات سيادة مستقرة تتمتع بكامل صلاحياتها الدستورية وتمتلك السلطة المطلقة على كامل جغرافيتها ، وهذا ما يفتقره الإقليم الذي مازال يعاني من تداعيات الاقتتال الداخلي بين الحزبيين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على الرغم من وجود إتفاق استراتيجي نظري بينهما برعاية أمريكية ، ولكنهما فشلا في توحيد الادارتين عملياً حتى اللحظة ، فمازال الحزبيين الرئيسيين يمتلكان قواتهما العسكرية والأمنية الخاصة بهما خارج سيطرة وزارة البيشمركة والداخلية التابعة للحكومة ، ومازالت المعابر الحدودية غير خاضعة بالمطلق لسيطرة حكومة الإقليم ، ولم يحسم بعد ملف تصدير النفط ووارداته في المناطق الخاضعة لسيطرة كل حزب ، إلى جانب الإيرادات الداخلية التي لم تدخل بالشكل المطلوب في ميزانية الحكومة ، ولا يزال الناس يعانون من السلطة الحزبية وتدخلاتها في شؤونهم اليومية أكثر من سلطة حكومة الشراكة بالرغم من كل المحاولات التي بذلت لتذليل هذه العقبات وبضغط من الخارج وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب للتخلص من هذه الفوضى في إدراة السلطة والوصول إلى إقليم مستقر متماسك موحد سياسياً وادرياً ذو مؤسسات وحكومة دستورية شرعية بسلطة مطلقة على كامل حغرافيته .
في ظل هذا الواقع الذي يعيشه الشعب الكردي والنتائج التي تفرزها العملية الانتخابية في كل دورة ، والتهديدات التي يواجهه الاقليم ، يبقى الأخذ بمعادلة " توازن القوة " التي فرضت على إقليم تأسس واستقر بموجب اتفاقية ثنائية بين قطبي القوة العسكرية والجماهيرية والسياسية والدبلوماسية الديمقراطي والوطني الكردستاني أفضل الممكنات ، ومهما كانت هذه المعادلة غير ديمقراطية من وجهة نظر المعارضة ودعاة الديمقراطية والساعيين نحو التغيير والإصلاح السياسي ، إلا أنها عادلة لضمان الكيان الدستوري للاقليم والحفاظ على مؤسساته الشرعية .
إقليم كردستان محكوم في الوقت الراهن مالم يحدث تغيرات وتحولات كبرى في العراق والمنطقة بالديمقراطية التوافقية بين الفرقاء السياسيين ضمن حدود الاتفاق الاستراتيجي الذي وقع بين الحزبين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد والوطني بغض النظر عن نتائج الانتخابات وتفوق طرف على آخر . كما أن اقصاء أو تهميش أي طرف منهما ليس من مصلحة الإقليم ومستقبله السياسي في المدى المنظور ، ولن يعكس حقيقة الالتزام بمبادىء الديمقراطية في التغيير والإصلاح والحكم الرشيد. قوة الإقليم واستقراره ودوره على مستوى العراق والمنطقة تكمن في الشراكة الحتمية بين الطرفين وتشكيل حكومة وحدة وطنية من غالبية الأحزاب الفائزة ، وتقديم تنازلات مؤلمة لا تستند إلى الديمقراطية الانتخابية ونتائجها من أجل العمل معاً نحو توحيد الإقليم ومؤسساته الشرعية استعداداً للتغيرات والتحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة وما قد تفرزه من تداعيات تعيد رسم الخريطة السياسية والجغرافية في المنطقة والعالم .
ليفانت: عبد الوهاب أحمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!