الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
إشكالية المعارضة في الشرق الأوسط
كفاح محمود كريم

واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملية التحول للنظام الديمقراطي في معظم دول الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها الشمولية بمساعدة خارجية مفصلية، هي كيفية التعاطي مع قوى المعارضة الجديدة، خاصة وأن غالبية الحاكمين بعد تغيير أنظمة دولهم كانوا معارضين، سواء في الداخل، وهم القلة، أو في الخارج، وهم الغالبية، وتعرضوا لظروف قاسية، سواء من كان منهم يعمل في الجبهة الداخلية او الذين غادروا البلاد ولجؤوا إلى دول الجوار وانطلقوا منها للعمل، وقسم ثالث لجـأ الى أوروبا أو أمريكا للعمل السياسي والإعلامي الذي يتعلق بالرأي العام ومراكز القرارات الدولية، والصورة جلية في كل من العراق وإيران وسوريا وليبيا وغيرهم من مناطق أخرى في العالم.

هذه التحديات توزعت على مجموعة عوامل أو مؤثرات، أهمها ما يتعلق بعدم تبلور ثقافة المواطنة التي تصدعت وتشوهت بل وتلاشت في كثير من البلدان ذات التنوع الإثني والديني والمذهبي، ناهيك عن التكلسات الشعورية التي أصيب بها غالبية المعارضين من الظلم والاضطهاد والاغتراب من قبل النظم المستبدة والتي تحولت هي الأخرى، أي تلك المشاعر، لدى العديد ممن اعتلوا دفة الحكم بعد التغيير إلى شعور بالانتقام مستخدمين ذات الأساليب في التعامل مع من يخالفهم الرأي إلى الحد الذي أصبح الانتقام المنظم ديدنهم بحجة أنهم من أتباع النظام السابق.

وقد تجلى ذلك في سلوك الحاكمين بالعراق وليبيا وإيران، حيث تعرض أتباع النظم السابقة والمحسوبين عليهم حتى من أقاربهم أو أصدقائهم إلى عمليات إقصاء وإبعاد واضطهاد وظلم كبير وصل إلى درجات تجاوزت مستويات ظلم النظم السابقة، وأعادت ذكريات بائسة من سلوكيات الأنظمة الشمولية بما أعاق عملية التحول إلى النظام الديمقراطي، بل حصل العكس وبدلاً من إقامة دولة مؤسسات وقانون تحولت البلاد إلى محكوميات ميليشياوية ممغنطة بفكر شمولي طائفي ضيق وعقلية قومية أو دينية متطرفة، حولت هذه البلدان إلى مراكز تكثف فيها الظلام ففقدت البصر والبصيرة وغمرت البلاد بكم هائل من الدكتاتورية البديلة والفساد.

 ولعل أبشع ما يُمثل التعاطي مع المعارضة بعد تغيير الأنظمة الشمولية تتجلى في العراق وإيران وتركيا، حيث مارست الميليشيات العراقية عمليات تصفية لعشرات الآلاف من المشتبه بهم فقط كونهم إما بعثيين أو متعاونين أو متعايشين مع منظمات الإرهاب أبان احتلالها للمدن والقرى، وغدت هذه التهمة حجة كافية لإعدام آلاف من الرجال وتغييب عشرين ألف شخص نسبة عالية منهم دون الثامنة عشر من العمر، ناهيك عما تقوم به إيران في إبادة المعارضين لها في الداخل بل ولم تكتف بذلك فقامت قواتها الجوية والمدفعية والصاروخية بقصف مخيمات اللاجئين من مواطنيها في إقليم كوردستان، وذات الفعل تقوم به تركيا في ملاحقتها لمعارضيها في العراق، أما ليبيا فحدث ولا حرج من الاقتتال والتصفيات على حساب السلم والأمن الاجتماعيين.

إنها إشكالية معقدة تعود في الأساس إلى فقدان بوصلة التربية والتعليم وأسس بناء الدول والمجتمعات، والفشل في معالجة مخرجات وتداعيات تلك الأنظمة الشمولية وما خلفته بعد انهيارها بعقلية معاصرة وبروح وطنية خالصة، لكن الذي حصل للأسف هو هيمنة العقلية الدينية والقبلية والمذهبية العنصرية المتشددة والمتطرفة في معظم مفاصل الدولة ومؤسساتها التي استخدمت كل هذه الوسائل والأدوات لإنتاج سلطة تشريعية بذات المواصفات، وقد نجحت فعلاً في تعطيل القوانين والدساتير لصالح أغلبية أصحاب تلك الأدوات وأعرافها البالية وتفسيراتها وتأويلاتها المنحرفة، والتي كانت وما تزال سبباً مهماً لعدم تقدم هذه البلدان ذات الإرث التاريخي والحضاري والثروات الهائلة، حيث التقهقر والبطالة والفساد وانتشار الميليشيات والسلاح والمخدرات.

ليفانت - كفاح محمود

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!