-
أنقرة تُغذّي الحقد على الغرب.. و(ذئابها الرمادية) جاهزة للحرق والاحتراق
أوردت وسائل إعلام نمساوية، في الثلاثين من أكتوبر الماضي، نقلاً عن المسؤولين في الشرطة، بأنّ قرابة الـ50 شاباً من أصول تركية هاجموا الكنيسة مرددين عبارات “الله أكبر”، وقد أدّى الهجوم إلى إلحاق أضرار مادية بالكنيسة التي جرى إغلاقها لاعتبارات أمنية في أعقاب الهجوم، فيما شدّد المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، على عزم سلطات بلاده محاربة “الإسلام السياسي”، وذلك عقب اعتداء مجموعة من الشباب على كنيسة كاثوليكية ضمن العاصمة النمساوية، فيينا، فقد ذكر كورتز عبر “تويتر”، ذلك بالقول: “يجب أن تكون لدى جميع المسيحيين إمكانية العبادة بحرية وأمان في النمسا.. سنواصل بحزم محاربة الإسلام السياسي ولن نُبدي أي تسامح زائف هنا”.
ولم يقتصر الإجرام الممارس من قبل الذئاب الرمادية على النمسا، فقد سبقها في الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي، وقوع مواجهات بين ممثلي الجاليتين، الأرمنية والتركية، في مقاطعة إيزير الفرنسية، في جنوب غرب البلاد، حيث خرج ممثلو الشتات الأرمن في مظاهرة، وأغلقوا جزءاً من الطريق السريع A7 في منطقة بلدية ريفانتن-فوغري في حوالي الساعة 7:30 صباحاً، وذلك للإعراب عن دعمهم لأرمينيا في الصراع مع أذربيجان في قره باغ.
لكن عقب مرور بعض الوقت، وصل لاجئون أتراك إلى مكان الفعالية، واندلع نزاع بين الجانبين، ونجم عنه إصابة العديد من الأشخاص، ليكشف وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، في الثاني من نوفمبر الجاري، عن أنّ الحكومة الفرنسية ستتخذ أثناء جلسة لمجلس الوزراء، قراراً بحل “حركة الذئاب الرمادية“، وأتى التصريح عقب توجيه الاتهام إلى الحركة عقب صدامات وقعت بين الجاليتين، التركية والأرمنية، قرب ليون شرق فرنسا، حيث دوّنت عبارة ”الذئاب الرمادية“ على نصب تكريمي لضحايا الإبادة والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية قرب ليون.
ما هي الذئاب الرمادية؟
المعروف والمتداول عن “الذئاب الرمادية” أنّها تركّز أفكارها على تفوق العرق والشعب التركي، كما تسعى لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من البلقان إلى آسيا الوسطى، مُستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات في آسيا وأوروبا وأفريقيا، كما يحاول هذا التنظيم المُتطرّف دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة، وهو خطاب مُهيمن في أطروحاتهم، إضافة إلى مُعاداة القوميات الأخرى، كالكُرد واليونان والأرمن، أو المجموعات الدينية الأخرى، كالمسيحيين واليهود وغيرهم.
وأُسست الذئاب الرمادية كامتداد لإحدى الأساطير التركية القديمة المنتشرة في وسط أسيا، وتدور حول أنثى الذئب “آسينا” التي قادت الأتراك من وادي أرجينيكون عقب أن ظلّوا فيه لأربعة قرون بعد هزيمتهم عسكرياً، وتعتبر تلك الأسطورة الأساس لنشوء القوميتين، المنجولية والتركية، وتعتبر الذئاب الرمادية أو الشباب المثالي، وتُنطق بالتركية “أولكو أوجاقلاري”، التي سميت لاحقاً بـ”فرق الموت”، منظمة تركية يمينية متطرّفة تأسست في أواخر 1960، وأنشأها العقيد السابق بالجيش التركي، ألب أرسلان توركش، الذي كان أحد مؤسسي الانقلاب عام 1960، وتعدّ الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية الذي يرأسه دولت بهتشالي، الحليف الحالي لأردوغان.
وتعارض الذئاب أي تسوية سياسية مع الأكراد، كما أنّها كانت معادية للسلطة التركية التي يرأسها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حتى عام 2018، حيث عُقد وقتها التحالف الجمهوري بين حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه أردوغان وحزب الحركة القومية من أجل الانتخابات الرئاسية التركية، وتنشط الذئاب الرمادية في تركيا ضمن قطاعات مختلفة من الاقتصاد والتعليم والمراكز الثقافية والرياضية، كما تمثّل الجامعات والكليات بيئة مهمة لنشاط عناصر المنظمة، وتتكون المنظمة من الشباب التركي حصراً، خاصة الطلاب أو المهاجرين النازحين من الريف إلى إسطنبول وأنقرة.
لماذا النمسا؟
وليس غريباً أن تكون النمسا على لائحة المستهدفين من تركيا، سواء عبر تحريض المتطرفين القوميين، كالذئاب الرمادية أو المتطرفين الإسلاميين، فقد انتهجت فيينا خطاباً سياسياً رافضاً للانصياع لأنقرة، ففي يونيو الماضي، شدّد المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، أنّه لا يجب أن يتعرّض الاتحاد الأوروبي “للابتزاز” من الجانب التركي، لافتاً إلى أهمية وقف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد.
كما استدعت في نهاية ذات الشهر، وزارة الخارجية النمساوية، السفير التركي على خلفية تعرّض شبان أتراك لمحتجّين أكراد في فيينا، عندما تحوّلت مساعي الشرطة لمنع المواجهات بين الجانبين، إلى مُواجهات بين قوات الأمن النمساوي والشباب الأتراك، وحينها، استهجنت وزارة الخارجية التركية بشدة، ما أسمته بـ”طريقة تعامل النمسا مع احتجاجات جماعات كردية” في فيينا، في إشارة واضحة وصريحة إلى دعمها للمتطرّفين الأتراك في مساعيهم لخلق النزاعات العرقية حتى في بلدان لجوئهم.
وفي الأول من سبتمبر الماضي، صرّح وزير الداخلية النمساوي، كارل نيهامر، أنّ بلاده ستوجّه اتهامات لشخص أقرّ بالتجسس لصالح المخابرات التركية، وأنّ السلطات تبحث في المزيد من أنشطة التجسس المشتبه فيها، وأردف نيهامر خلال مؤتمر صحفي: “الأمر يتعلق بممارسة نفوذ قوة أجنبية داخل النمسا وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”، ونبّه أنقرة من أنّه لا يمكن التغاضي عن ذلك.
وفي الرابع والعشرين من سبتمبر، أقرّ عميل في المخابرات التركية، اسمه “فياز أو”، بتلقيه تعليمات من المخابرات التركية باغتيال سياسية نمساوية من أصول كردية، تدعى “بيريفان أصلان”، منوّهاً إلى أنّه راقب السياسية المنتمية لحزب الخضر، في غضون شهر آب الماضي، لقتلها، وفي الصدد، عرض موقع إخباري نمساوي قائمة من الأسماء السياسية النمساوية، التي تستهدفها المخابرات التركية، من ضمنها السياسية “أصلان” وعضو البرلمان الأوروبي، “أندرياس شيدر”، في حين لفتت مصادر نمساوية إلى أنّ اعتقال العميل التركي فضح وجود شبكة من المخابرات التركية، تسعى لإثارة نزعات قومية بين الأتراك والأكراد المقيمين على الأراضي النمساوية.
الإرهاب يضرب النمسا
وبعد السلسلة الطويلة تلك، كانت النمسا، في الثاني من نوفمبر الجاري، على موعد مع عمل إرهابي مشابه لما شهدته فرنسا سابقاً، حيث أعلنت السلطات النمساوية عن هجوم إرهابي وسط فيينا، شمل 6 مواقع مختلفة قرب أكبر كنيس في المدينة، فيما أكدت الشرطة سقوط 4 قتلى وجرحى بحوادث عدة لإطلاق النار.
وبالتالي، يمكن القول بأنّ تعرّض النمسا تحديداً لتلك الهجمات الإرهابية، جاء ثمناً لمواقفها الرافضة للهيمنة التركية وابتزاز أوروبا في قضية اللاجئين، بجانب فضحها لقضية التجسّس التركي على الجالية التركية وخاصة من الكُرد، ورفضها لتحويل أراضيها إلى ساحة نزاع عرقي مقيت، ورفضها أخيراً للإرهاب في فرنسا، وتأييدها حق الفرنسيين في الدفاع عن قوانينهم، في وجه من يسعون إلى تقسيم الشعب الفرنسي على أساس ديني، وأخذ المسلمين رهينة لإرادتهم ورغباتهم، تنفيذاً لأجنداتهم التوسعية، المستغلة للعواطف الدينية.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!