-
(آيا صوفيا.. إيبرو تيمتك.. قره باغ) حصيلة تركيا 2020.. الجزء الثاني
وتكررت القصص عينها، خلال الربعين الثالث والرابع من العام 2020، وكانت البداية من خلال تفعيل قضية آيا صوفيا في بداية يوليو، مع مطالبة جماعات تركية بتحويل المعلم إلى مسجد، وقد ساند الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوتها قبل الانتخابات المحلية العام الماضي، رغم المعارضة في الوسطين الداخلي والعالمي.
إذ قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بإضافة المبنى إلى قائمة التراث العالمي، وهو يعتبر من أشهر الآثار التي يقبل السياح على زيارتها في تركيا، لما تمتعت به من شأن كبير في الإمبراطوريتين البيزنطية المسيحية والعثمانية الإسلامية، إذ كان مبنى آيا صوفيا أبرز كنيسة في المسيحية على مدى 900 عام، ثم أضحى من أعظم المساجد على مدار 500 عام بعد السيطرة العثمانية على إسطنبول، فيما كانت قد لجأت الحكومة إلى تحويله لمتحف في العام 1934، في السنوات الأولى لتركيا القائمة على أنقاض العثمانية.
وقد دعت واشنطن تركيا إلى السماح ببقاء "آيا صوفيا" متحفاً، كما نبّه رأس الكنيسة الأرثوذكسية من أن تحويل المتحف إلى مسجد سيكون دعوة للفرقة، بينما أوضحت باريس إن متحف آيا صوفيا، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي وبٌني أصلاً ككاتدرائية مسيحية في إسطنبول، “يجب أن يظل مفتوحاً للجميع”، لكن أردوغان اعتبر أن تحويل آيا صوفيا إلى متحف كان “خطأ كبيراً جداً”.
انهيار الليرة التركية
وبالتوازي، كانت المشكلات تتفاقم على الاقتصاد التركي، فانخفضت الليرة التركية بداية يوليو إلى أدنى مستوياتها منذ منتصف مايو أيار، عقب أن ذكرت فيتش إن البلاد لا تزال تواجه مخاطر تمويل خارجية وإن دورة تيسيرها النقدي اقتربت من النهاية، وذلك بعد أن ازداد التضخم بأكثر من المرجّح، ووصلت إلى مستوى منخفض قياسي عند 6.8 مقابل الدولار.
لكن ذلك لم يمنع أعلى محكمة إدارية في تركيا، في العاشر من يوليو، من سنّ قرار بنزع صفة "المتحف" عن كاتدرائية "آيا صوفيا"، فاتحة المجال بذلك أمام تحويل المنشاة التاريخية إلى مسجد مرة أخرى، وأتى القرار على الرغم من تنبيه مسؤولين أميركيين وفرنسيين وروسيين ويونانيين، بجانب معارضة رجال كنائس لتلك الخطوة، فيما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، من أن آيا صوفيا قد صنفت ضمن التراث العالمي باعتبارها متحفاً، وهذا الأمر له طابع إلزامي، وأبدت "يونسكو" عن قلقها للسلطات التركية، عبر مجموعة رسائل، من خلال السفير التركي لدى اليونيسكو.
التدخلات في ليبيا وشرق المتوسط
وإلى جانب آيا صوفيا وخسائر الليرة، واصلت أنقرة تدخلاتها بالملف الليبي، فدعا أنقرة منتصف يوليو بتسليم سرت والجفرة لحكومة الوفاق الإخوانية الليبية، مؤكدةً الاستعداد لعملية عسكرية مستمرة، وذلك رغم تحذير مصر بأن المدينتان خط أحمر بالنسبة لأمنها القومي، وقال وزير الخارجية التركي، إن الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا الآن، لن يكون في مصلحة حكومة الوفاق، مضيفا أن تسليم المدينتين لحكومة الوفاق شرط أساس لوقف إطلاق النار والبدء بمحادثات سياسية.
لكن الأحلام التركية تحطمت على الصخرة المصرية، عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنه لن يسمح بتجاوز الصراع لخط سرت، مشيراً إلى أن سرت والجفرة بالنسبة لأمن مصر خط أحمر لن نسمح بالمساس به، داعياً الجيش المصري إلى الحفاظ على جهوزيته لتنفيذ أي مهمة داخل الأراضي المصرية وخارجها، إذا تطلب الأمر، عقب تنفيذ مناورة عسكرية غربي البلاد، اسمها "حسم 2020".
وبالتزامن، توجّه أعضاء في مجلس النواب الأميركي، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في الثامن عشر من يوليو، إلى تقديم مشروع قانون يفضي إلى فرض عقوبات على أنقرة، نتيجة شرائها منظومة صواريخ إس 400 الروسية.
وفي المتوسط، ذكر جوزيب بوريل ممثل الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بداية أغسطس، إن التكتل قلق من "التحركات البحرية" الأخيرة في شرق المتوسط، مضيفاً أن الوضع لا يخدم تركيا أو الاتحاد الأوروبي، فيما استمرت البحرية التركية بالإعلان عن إخطارات ملاحية، على الرغم من المطالبات الأوروبية بالوقف "الفوري" لأنشطتها للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
إبرو تيمتك.. الضحية
أما داخلياً فقد أفصحت أنقرة عن حصيلة العمليات الأمنية الواسعة التي أطلقتها عقب ما تسمى بـ "محاولة انقلاب" في 15 يوليو 2016، وشملت احتجاز الأجهزة الأمنية لـ 282 ألفاً و790 فرداً، واعتقال وسجن 94 ألفاً و975 آخر، حيث ذكر وزير داخلية تركيا، سليمان صويلو، في الذكرى السنوية الرابعة للمحاولة، إن "الوزارة شنت 99 ألف و66 حملة أمنية منذ المحاولة الانقلابية الغاشمة وحتى يومنا هذا"، لافتاً أنه جرى فصل أو طرد حوالى 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة، وذلك بموجب قانون الطوارئ الذي فرضته لأكثر من عامين بذريعة الانقلاب.
وفي نهاية أغسطس، فقدت المحامية إبرو تيمتك حياتها، عقب إضراب عن الطعام استمر 238 يوماً، للمطالبة بمحاكمة عادلة، فيما أفادت منظمات دولية لحقوق المحامين بأن تيمتك المحكوم عليها بالسجن أكثر من 13 عاماً، وزميلها أيتاج أونسال، أعلنا الإضراب عن الطعام في أبريل "لدعم مطلبهما بمحاكمات عادلة وتطبيق العدالة في تركيا"، إذ تعهد المحاميان بمواصلة الإضراب عن الطعام حتى وإن أفضى لموتهما، وفق ما جاء في بيان للرابطة الدولية للمحامين ومنظمات أخرى في 11 أغسطس.
وقد اعتبر حزب “الشعوب الديمقراطية” المؤيد للكُرد، وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان في تركيا، منها نقابة المحامين، أن وفاة زميلتهم الكُردية كانت نتيجة حتمية للإهمال الحكومي لظروفها الصحية في السجن الذي كانت تقبع فيه منذ أيلول/سبتمبر من العام 2017 مع أونسال، فيما حمّلت مؤسسات حقوقية وأحزاب سياسية معارضة، حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مسؤولية تلك النهاية المأساوية، فيما اكتفى الاتحاد الأوروبي، بدعوة أنقرة، إلى إجراء إصلاحات حقيقية لسد الثغرات الموجودة في نظامها القضائي.
نزاع قره باغ
فيما سجلت نهاية سبتمبر، حدثاً هاماً، من خلال الدعم التركي لأذربيجان في عملها العسكري باتجاه إقليم ناغورو قره باغ، والذي أفضى عقب قرابة الشهر والنصف إلى بيان ثلاثي، تنازلت بموجبه أرمينيا عن مجموعة بلدات في محيط مرتفعات قره باغ.
وفي العموم، بقيت تركيا مُصرة على مواقفها في شرق المتوسط، رغم التحذيرات الأوروبية بفرض عقوبات عليها، وهو الأمر ذاته بالنسبة لواشنطن، الذي لا تعلم أنقرة ما قد يخفيه بايدن لها، إذ كانت تصريحاته قبل انتخابه رئيساً مناوئة لأردوغان، أما في ليبيا، فتستمر تركيا في جهودها لتخريب جهود الحل السياسي، وتشير الأنباء خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى احتمالات تصادمه من جديد من الجيش الوطني الليبي وجمهورية مصر.
أما داخلياً، فحدث ولا حرج، إذ تتواصل حملات الاعتقال بحق معارضي أردوغان داخل الجيش بذريعة غولن، بجانب مواصلة استهداف المكون الكردي وممثليهم المنتخبين في البلديات والبرلمان سواء برفع الحصانة أو العزل وتعيين ولاة من حزب العدالة والتنمية عوضاً عنهم، في خرق فاضح لكل قيم الديمقراطية والعدالة.. هذا ولا تزال تركيا تسير على دربها ذاك حتى تاريخه!
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!