الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
درويش خليفة

لم يعُد ينطلي على السوريين الشعارات الرنانة والتسميات المفعمة بالديمقراطية والحرية، وغيرها من العناوين البراقة، كتلك التي يلحقونها بالقوى السياسية والعسكرية – سوريا الديمقراطية – وفي الوقت نفسه لا يتقيدون بالتسمية والرؤية والرسالة التي يخاطبون من خلالها المجتمع، وهذه مصيبة تضاف لجملة مصائب الحركات السياسية السورية، مما يؤدي لبقاء السوريين في وضعية المراوحة بالمكان، بعد عقدٍ مخاضه عسيراً رأوا فيه الويلات، ناهيك عن العودة إلى المربع الأول قبل آذار 2011، وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي السوري"محل ما ... شنقوه".

يوم السبت الفائت، 5 فبراير/ شباط، أصدرت الإدارة الذاتية "الديمقراطية" شمال شرق سوريا، قراراً بإيقاف عمل شبكة رووداو الإعلامية وسحب تصريح العمل والمهمات الصحفية للعاملين فيها.

كما سبقها بساعات، إقدام مسلحين مجهولين بمداهمة منزل الإعلامي باور ملا أحمد، مراسل موقع "يكيتي ميديا"، واعتقاله بعد مصادرة هاتفه وهاتف زوجته. وبالتزامن مع هذين الحادثين، داهمت مجموعة مسلحة أخرى منزل الإعلامي صبري فخري، مراسل تلفزيون "آرك"، واعتقلته واقتادته إلى جهة مجهولة بعد مصادرة هاتفه، إضافة إلى إغلاق مكتب قناة "كردستان 24".

وهذا يشير إلى أنّ "قسد" ما تزال في مواجهة مع الإعلام والرأي العام، وهذا لا يصب بمصلحتها، لا سيما، وأنّها مدعومة من تحالف دولي جلّ أعضائه من الدول المتقدمة في ملف الحريات، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.

يا لها من "ديمقراطية" عندما تكون على هذه الشاكلة، ويا لها من مشاريع سياسية لا تحتمل نقداً أو إشارة لأخطائها، رغماً من الوضوح الذي يعتريها.

وإذا قلنا إنَّ العسكر لا يؤمنون بحرية الرأي والتعبير في شرقنا المأزوم، فأين سياسيّو هذه القوى الذين يصدعون رؤوسنا بمشاريعهم ليل نهار، وأين المجتمع المدني من هذه الممارسات؟ ألا تستحق تضحيات السوريين أن يقابلها انتقال نحو دولة عصرية تستمد قيمها من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟

سواء تناولنا هذا الملف، انطلاقاً من تعرية انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أو من تبيان إجرام النظام بحق المتظاهرين السوريين في بداية حراكهم عام 2011 واعتقال وتصفية معظمهم حتى اللحظة الراهنة، أو من خلال تعاطي قوى المعارضة مع وسائل الإعلام، فإنّ الإشكال الذي ينبغي أن نفرد له مساحة كبيرة، هو كيف يمكن لنشطاء الرأي والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني والمراكز الحقوقية إقناع سلطات الأمر الواقع في سوريا، بأنَّ المجتمع سيلفظهم إذا لم يغيروا من نهجهم العدائي تجاهه، مهما قاموا بتزيين شعارتهم وإعطائها عناوين يقدسها العالم المتحضرّ.

الحق في حرية التعبير منصوص عليه بالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد أن "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، وفي وقت لاحق أصبحت هذه الحقوق محمية قانوناً بموجب المعاهدات الدولية والإقليمية.

وفي هذا الإطار، لا يفوتني أن أذكُر ورش العمل والندوات التي أقيمت خلال السنوات العشر الماضية، وتدريب آلاف السوريين في العديد من المجالات، مثل حقوق الإنسان، وحرية الصحافة والإعلام، وتمكين المرأة، والمناصرة... إلخ.

وبالعودة إلى التعديات التي ارتكبتها قسد، ولا سيما بحق العاملين في القطاع الإعلامي، يفترض بنا الآن أن نضع الكرة بملعب وسائل الإعلام والمجتمع المدني الناشطين في منطقة الجزيرة السورية، بعدم الركون لهذه الممارسات، كي لا تصبح اعتيادية مما يصعُب احتواؤها مستقبلاً.

وفي السياق ذاته، طالب المجلس الوطني الكردي التحالف الدولي بالتدخل والضغط على قوات قسد من أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي، إذ إن الاعتصام والمطالبة بزملائهم أبسط ما يمكن أن يقوموا به تجاههم، مستندين إلى أحقية استقلال العمل الإعلامي ورفع سلطة العسكر عنه. وما يجب تأكيده هو أن الإعلام على غرار القضاء يجب أن يتمتع باستقلالية مطلقة ليكون مصوباً لأخطاء السلطات وداعماً لمطالب المجتمع وحصناً لاستقراره؛ فإعلام السلطة أصبح من مخلفات الماضي وحكم الاستبداد.

لم يكُن الإعلام بمنأى عما يحصل في سوريا من انتهاكات، إذ قُتل 709 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام منذ آذار 2011، بينهم 52 بسبب التعذيب.

وأظهر التقرير السنوي أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في سوريا باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي صدر منتصف العام الماضي، أنَّ قسد ما تزال تعتقل 7 صحفيين، لكن في الآونة الأخيرة، لم يمضِ أسبوع دون أن نسمع باعتقالات جديدة تطال إعلاميين ونشطاء حقوقيين، فضلاً عن العاملين في منظمات المجتمع المدني.

المستغرب في الحالة السورية، أنّ معظم القوى التي استغلت حراك الشباب السوري لتسويق مخططاتها السياسية، وحتى تلك التي لديها مشاريع ما دون وطنية، باتباعها أسلوب النظام في اعتقال وتكميم أفواه منتقديها، دون إحراز أي تقدمٍ عليه على المستوى الأخلاقي والقيميّ.

وأخيراً، يجب أن تكون قوى السيطرة السورية، داعمة للإعلام ووسائله المتعددة، لا خصماً لها كما تفعل قوات قسد مؤخراً، باعتقالها للصحفيين وإغلاقها المحطات التلفزيونية، وهم مدعومون من قائدة العالم الديمقراطي، الولايات المتحدة الأمريكية.

ليفانت نيوز_ درويش خليفة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!