الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
نُريدُ وطن.. سليماني قاتل ومُرشدهُ قاتل
د. إبراهيم بن جلال فضلون

يقول التاريخ، إن محاولات واشنطن لإنشاء تشكيلات عسكرية من الفارين أو الخونة من السكان العرب لم تنجح، حيث كانت أفراد تلك التشكيلات تهرب بمجرد تلقيها الأموال، ولم تتمكن من القيام بأي عمليات عسكرية، وما نراه من إشكالية الإذلال، التي شخصها كتاب "زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية" للكاتب الفرنسي "برتران بديع"، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من الاختلال الحاصل في علاقات الدول الذي ردّه إلى تمرّس القوى الغربية في إذلال دول العالم الثالث التي تحاول مُجتمعاتها العمل على إعادة توازن القوى، وإنشاء نظام دولي جديد قائم على المساواة والعدالة،  وبيان إشكاليات حقيقية في بنية النظام الدولي الحالي الذي تختلط فيها إلى حدٍ كبيرٍ علاقات الدول، ببسط النُفوذ والسيطرة باعتبارها "باثولوجيا" اجتماعية.


ففي هذا النظام لا يوجد وزن ولا تأثير لإرادة الشعوب المستضعفة التي تجاهد لتكون شريكة فاعلة في تقرير مصائر دولها، ليطوي العام تلو الآخر أوراقه تاركًا وراءه إرثًا ثقيلًا من التوترات والاضطرابات، أبرزها في الشرق الأوسط جراء الأطماع العالمية الكبرى، التي حرّكت من وتيرة عجلة الإرهاب بالسرعة القصوى بأكثر من جبهة، مُسخرًا مظّلة الشرعية السياسية والقانونية تحت عناوين مختلفة، لتخرج الشعوب بثوراتها، ولتنكشف حقائق الأنظمة الإرهابية بشيطانها الإيراني مُرشديها أحياء كانوا أم أموات، حتى يصيحُ متظاهريهم في كل مكان: "سليماني قاتل ومرشده قاتل"، إثر اعتراف إيران إسقاطها طائرة ركاب أوكرانية وأنه "خطأ كارثي"، بعد نفيها لعدة أيام.. راح ضحيتها كل من كانوا على متنها 176 شخصًا، منهم 82 إيرانياً، فضلاً عن الغضب الدولي ضد إيران جراء الحادثة، ومتابعة العالم لها حتى ترامب في حسابه بتويتر أبدي تأييده للمتظاهرين وقال "نتابع احتجاجاتكم عن كثب وشجاعتكم مصدر إلهام".


لعل سفك الدماء يعني تجاوز الخط الأحمر.. فدماء شعبه من تفجيرات تُزهق أرواح الأبرياء تحت غطاء الدين والطائفية، إذ لم يشبع نظام الملالي منها، فالقمع وممارسة الانتهاكات أصبحت أسلوب لا يهدأ دون رؤية الدماء، والأمر مُروع، عند سحق الحرس الثوري بعنف لمحتجين سلميين يُطالبون بالعدالة من خلال تكتيكات غير قانونية، اتسمت بالعدائية والوحشية، حتى بات ملائكة الرحمة في العيادات والمستشفيات ترفض الجرحى، وأخبرتهم أنه لا يمكن علاجهم، وفي حال الإصرار سيتم اعتقالهم، بل وأبدى القاتل خامنئي إحباطه ويأسه وغضبه بقوله: "الأشخاص الذين يهينون صورة قاسم سليماني، ليسوا إيرانيين"، سليماني الذي يقود مُنذ 22 عاماً فيلق القدس، والمسؤول عن المخططات التخريبية والعمليات السرية ونشر الإرهاب والعنف خارج الحدود الإقليمية لإيران.


لينزف نظام الملالي ويترنح، وليَشْتَمَ الرئيس الأميركي وشعوب المنطقة والعالم رائحة دماء النظام الإرهابي وفصول المسرحية الهزلية التي كشف فيها الإيرانيون بغير قصد عن قوته المتواضعة بإطلاق الصواريخ جزافيةً، مما يُدل على نقص عميق في الكفاءة التي تجعل القوة الدفاعية تسقط طائرة مدنية اشتبهت بكونها صاروخاً. ليُضيف التاريخ فصولاً لدولة مهترئة، يحدوها العقوبات والحصار من كل مكان


لكن يظل السؤال هل مقتل قاسم سليماني كافٍ لإنهاء الوجود الإيراني في العراق وسوريا ولبنان اليمن التي قُطعت أياديهم فيها؟، وهل ستكون هناك حرب مباشرة بينها وبين أميركا أو غيرها بالمنطقة؟. بالتأكيد لا تستطيع إذا حدث ذلك، لأن المجتمع الدولي سوف لا يسمح له بأن يصل إلى مبتغاه في إشعال المنطقة التي تعتبر من أهم مناطق العالم وأكثرها سخونة، فأي فعل إيراني ستكون له عواقب وخيمة، وهذا ما تريده إيران أن تدخل المنطقة في دائرة الدمار، لتكون مفاتحاً للخروج من حالة الاختناق التي تعيشها، ووصلت إلى حد التذمر من شعبها الإيراني، فالنظام يُريد قضية يصطف فيها الإيرانيون خلفه لينسوا واقعهم المؤلم، الذي جسده صادق هدايت أشهر الأدباء الإيرانيين المعاصرين وهو يمر بمحنة نفسية مؤلمة، في روايته (ثلاث قطرات من الدم)، جسدت ذلك التشاؤم والاكتئاب الكامنين في روحه بصبغة سريالية- نفسية، وصل بعضها الآخر إلى درجة الهلوسة والجنون، لتنتهي بقتل قطة بالرصاص، نازفة قطرات من الدم ثلاث، لُخفيها قائلاً: "إذا سألتموه سيقول إنه دم البومة"، وما أكثرها على يد أشياع أهلكها الله وسلطهم على بعض.




 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!