الوضع المظلم
الخميس ٠١ / مايو / ٢٠٢٥
Logo
أكثرية وأقلية ومؤسسات الدولة الديمقراطية
أسامة أحمد نزار صالح 

(الديمقراطية هي أسوأ انواع الحكم اذا استثنينا كل اشكال الحكم الاخرى التي تم تجريبها من وقت لآخر) أي ان الديمقراطية افضل الأسوأ ،هذه المقولة نطقها ونستون تشرشل ابان خسارته الانتخابات النيابية بعد قيادة انتصار بريطانيا العظمى في الحرب العالمية الثانية.

يصر اليوم مثقفي الشعارات الشعوبية التي تخطف البصر وتعمي البصيرة على ان التحولات السياسية في سوريا افرزت أكثرية وأقلية ,وبحسب زعمهم ان المقياس لهذا الفرز هو الرقم او العدد المستند الى الانتماء الديني او المذهبي دون ان يكون هناك أي اعتبارات للقيم السياسية او الاجتماعية ،وان الاصطفاف الناتج عن هذا الفرز هو تمهيد لتحميل الأقلية مسؤولية جرائم وسياسات العهد البائد ومن ثم تهميشها من المشد السوري الامر الذي يبرر طلب حماية خاصة لهذه الاقلية غافلين عمدا" ان قانون اللعبة الديمقراطية لابد ان ينتج أكثرية تمارس تأثيرا كبيرا في صنع القرار ورسم السياسات.


صحيح ان الديمقراطية النيابية لكي لا تكون مجرد انتخابات تفرز أرقام وأعداد تحتاج الى توفر شروط موضوعية وذاتية تناسب مستوى من التطور المعرفي لدى الافراد ووعيهم لذاتهم وهذا غير متوفر في المجتمع السوري حاليا فمنذ انقلاب اللجنة العسكرية لحزب البعث 1963م وما تلاه من انقلاب الاسد الاب 1970 م وتوريث الحكم للأسد الابن 2000 م لم يكن في سوريا انتخابات تفرز أغلبية سياسية تدير شؤون المجتمع والدولة وتحمي الأقليات على ارضية عقد اجتماعي تتفق عليه كل مكونات المجتمع السوري ،بل ان الاسد الاب رسخ حكمه وعزز سلطته وعائلته اعتمادا" على عصبية طائفته الأقلية ،وغلف هذه العصبية بدعوى مواجهة التهديد الاسرائيلي الذي بحسب زعمه هو تهديد وجودي لكل

السوريين فعطل الحياة السياسية ،وقضى على التعددية ،واستخدم شعار الهوية الوطنية التي كانت في خطبه فقط تتفوق على التصنيفات العرقية والدينية والاجتماعية والسياسية وبالتالي عطل بشكل ممنهج اندماج مكونات المجتمع السوري وامكانية فهم الاخر والتسامح والتعايش بين هذه المكونات ,كما وحول مؤسسات الدولة الى ديكورات ومسارح عرائس.
والاسد الابن كما ابيه ترك اجهزة الدولة ومؤسساتها لراكبي امواج الفساد ,واكمل تحويل القضاء السوري الى قضاء انتقائي فاسد ،ومؤسسة الاعلام الوطني الى آلة لإنتاج العهر الفكري والسياسي ،كل ذلك تحت اشراف عدد من الاجهزة الامنية المتخصصة والمتفوقة في انتهاك حقوق الانسان. 


اما المؤسسة الاهم (العسكرية) والتي تكون مهمتها الوحيدة في الدول الطبيعية حماية الشعب والبلاد ورطها الاسد الاب في ارتكاب مجازر ضد مدن كاملة وزج بها الاسد الابن في اتون حرب اهلية ،وحولها الى اداة قمع وحشية (مع ابتكار البراميل المتفجرة) ضد أغلبية الشعب السوري (يسميه البعض اكثرية عددية) مع احتفاظه كما ابوه بحق الرد ضد الضربات والانتهاكات الاسرائيلية. 


8 كانون الاول 2024 هرب الاسد الابن من دمشق وسقط مع هروبه نظامه بالكامل بكل مؤسساته الكرتونية المتعفنة بالفساد ،مع السقوط الحر لنظام الاسد واجهزته ومؤسساته لم يجد اغلبية السوريون الا موقع واحد يلتفون حوله هو موقع الرئاسة الذي اغتصبه الاسد الاب منذ 1970 وورثه لابنه خاصة مع وجود شخصية قيادية (الرئيس احمد الشرع) في سدة هذا الموقع ببرنامج واضح للعبور الى سوريا الدولة الطبيعية ،وتعهده ببناء المؤسسات الديمقراطية ،والتموضع بقوة في المحيط العربي والاسلامي.


بتمرد فلول الاسد 8 اذار 2025 (بقايا الاجهزة الامنية وكتائب قوات الاسد المنحلة) في الساحل السوري واعتدائهم على مؤسسة الامن العام ازداد التمايز والفرز بين اغلبية هي الارادة العامة للشعب السوري بكل مكوناته ليست عددية فقط وانما تملك اتجاه سياسي مؤمن بموقع الرئاسة خاصة بعد خطاب الرئيس والتعهد بمحاسبة العناصر غير المنضبطة وما تلاه من تشكيل لجنة تقصي حقائق ،هذه الاغلبية متفقة على عقد اجتماعي جديد هو بناء المؤسسات الديمقراطية للدولة السورية الجديدة ،وانتاج نظام ديمقراطي فيه كل ضوابط واليات المحاسبة وبالجانب الآخر أقلية عددية منعزلة ومتقوقعة في بقايا عصبية الاسد وحاضنته الشعبية هذه الأقلية المشككة بموقع الرئاسة وغير مؤمنة بمؤسسات العهد (حديثة التكوين) تعتبر انها تملك خصوصية تميزها عن الارادة العامة للشعب السوري لدرجة المطالبة بالانفصال عن الدولة السورية متجاهلة بغباء سياسي ان الارادة العامة لا تخطئ وان الافراد الذين يغردون خارج تيار الاغلبية هم المخطئون.
الدكتور اسامة احمد نزار صالح 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!