الوضع المظلم
الأربعاء ٢٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
متى تطرد تركيا الإخوان السوريين؟
عمار ديوب

تتجه تركيا ومصر إلى التقارب أكثر فأكثر. إن شرط نظام السيسي إلى مزيدٍ من التقارب والاعتراف لتركيا بدورٍ في ليبيا وبحقوق في ثروات البحر المتوسط، هو طرد إخوان مصر منها. بوشر بذلك، وفقاً لأخبارٍ مؤكدةٍ. القضية هنا تكمن في المصالح أولاً، فحين كان نظام أردوغان له مصلحة في دعم إخوان مصر، كان ذلك، وكذلك الأمر مع إخوان سوريا، وحينما تغيرت الوقائع، تغيرت السياسات، والاتجاه الآن نحو مصالحة بين السيسي وأردوغان يا إخوان.


من المفيد التذكير هنا أن أردوغان نفسه، كان يقيم علاقات مميزة مع نظام دمشق قبل الثورة، وبدءاً من 2005، حينما طُرد الجيش السوري من لبنان، وأصبحت تركيا متنفساً لنظام دمشق، وكان لتركيا استفادة اقتصادية هائلة. إذاً يجب فهم الواقع، ليتم فهم السياسة.


إخوان مصر في تركيا بدؤوا بحزم أمتعتهم نحو أوربا، ويفترض بإخوان سوريا ألا يتأخروا بحزم حقائبهم كذلك. طبعاً ما زالت تركيا بحاجة إليهم، ولهذا تدعم بقاءهم على أراضيها، وروسيا المتحالفة معها بخصوص سوريا تغض الطرف عن الأمر كذلك، سيما أنها بحاجة إلى تركيا في مواجهة أمريكا، وتحقيق التوازن مع إيران وإسرائيل. الأخيرات دول إقليمية قوية، ومن مصلحتها ألا تسيطر روسيا بشكل كامل على سوريا، فهي ذات موقعٍ استراتيجي كبير في شرقنا والعالم. يحقق إخوان سوريا لتركيا غِطاءً كبيراً في تحقيق مصلحة هذه الدولة، عدا عن أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، فإن مواقف الأخيرة تنطق بها قيادات الائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض، والحكومة المؤقتة، وسواها. أيضاً، يؤمن الإخوان مبررات شرعية لاحتلالات متعددة قامت بها تركيا في سوريا، وكذلك في تحويل فصائل مسلحة سورية إلى مرتزقة لصالح تركيا في دول كثيرة، وآخرها، أن تركيا سترسل أكثر من 2000 مقاتل سوري إلى كابول لحماية مطارها ومراكز حساسة أخرى، وفقاً لاتفاق تمّ بين بايدن وأردوغان.


تركيا بذلك تحوّل إخوان سوريا وفصائل إسلامية سورية كثيرة إلى مجموعات تابعة تبعية كاملة لها، ويمكنها بالطبع التخلي عنهم في أية تسوية سياسية، قد تتحقق بين الدول المحتلة لسوريا، أليس هذا ما تفعله حالياً في مصر؟.


لعبت تركيا أسوأ الأدوار في تخريب الثورة السورية حينما دعمت الإخوان المسلمين، وبهدفٍ وحيد، وهو جعل الثورة إسلامية. مأساة السوريين، أن ذلك الهدف كان متفقاً عليه بين دول الخليج والنظام السوري والعراقي، وكل من هذه الدول قام بدوره في تلك الأسلمة. تلك الأسلمة لم تجمعها تحالفاً أو قواسم مشتركة، فرأينا أشكالاً منها، يشيب الشعر لها؛ قوى سياسية إسلامية، وسلفية وجهادية، وجهادية متشددة، وجهادية سلفية وجهادية منفتحة، وكانت الحصيلة تخريب كامل للثورة، ومحاولة تخريب للمجتمع السوري باسم الإسلام. هذا هو المشروع الذي دعمته تركيا.


حققت عبر كل ذلك احتلال مناطق واسعة في شمال غرب وشرق سوريا، ونفوذ كبير في هذا البلد، وهي لاعب أساسي في إدلب، حيث تنفذ هي وروسيا اتفاق سوتشي، وعبر أداتهم لتحقيقه، ونقصد هيئة تحرير الشام، التي صفّت كافة الفصائل "الوطنية"، وتعمل منذ أكثر من عام على تصفية الفصائل السلفية والجهادية، لتتفرد بحكم منطقة إدلب ومناطق من أرياف حماه واللاذقية وحلب. التفرد ذاك يخدم مصالح كل من تركيا وروسيا. طبعاً إخوان سوريا يتوهمون أن تركيا ستَشطب بمرحلة لاحقة هيئة تحرير الشام وفصائل "الجيش الوطني"، وستضغط على قسد لتسليمها كل من منبج وتل رفعت وربما مناطق أخرى. هكذا يتوهمون، وقبل ذلك توهموا أن تركيا ستوصلهم إلى حكم سوريا، وهذا أصبح خارج التفكير الواقعي والخيالي.


غير ما ذكرنا، ينفذ الإخوان المسلمون عبر دورهم في مؤسسات المعارضة المذكورة أعلاه كافة سياسات تركيا في سوريا. لا شك أن دور الإخوان لن يشطب قريباً من حسابات تركيا، وطالما مناطق النفوذ لن تتغير كثيراً في الوقت الراهن، ولكن ذلك لن يطول، حيث لا يمكن السماح ببقاء الوضع السوري دون نهاية، وهناك تغييرات في الوضع العراقي، وأيضاً ستضغط السعودية من أجل "اجتثاث" الإخوان في أية علاقة قوية بينها وبين تركيا، أو مع أي حلٍّ سياسي يخص سوريا.


أخطأ الإخوان في سوريا كثيراً بتبعيتهم إلى تركيا، وبفئويتهم في التعامل مع الثورة السورية والمعارضة والمجتمع السوري. رصيدهم الذي كان لهم قبل الثورة تراجع كثيراً بسبب ممارساتهم الفئوية والطائفية وتبعيتهم للخارج. السوريون الثائرون عايشوا ممارسات الإخوان، واختبروا قلة نزاهتهم كثيراً، وبالتالي ستكون أقل الاتهامات لهم أنهم كانوا خاضعين لتركيا، وأكثرها دقة أنهم دعموا جماعاتهم وحلفاءهم بينما كان الخارجون عن النظام السوري يعانون كافة أنواع المظالم.


كي لا يكون مصير إخوان سوريا الطرد من تركيا، يفترض بهم أن يخرجوا منها بمحض إرادتهم. أو أن يغيروا من سياساتهم تجاه السوريين، وان يتخلصوا من فئويتهم، التي لم تعادِ "الأقليات" و"الموالين"، بل والسنة والمعارضين. عليهم أن يعترفوا بما اقترفوا بحق الثورة والمعارضة معاً، وأنهم سلموا الثورة والمعارضة لتركيا أو بعض دول الخليج. حين ذلك يمكن ألا يضمنوا طردهم بسهولة من تركيا كما إخوان مصر، وربما سيشكلون ورقة قوية ضد أية تسوية لا تحقق مصلحة السوريين كافة.


ما ذكرته قبل قليل، لن يتحقق، ولكننا نضعه كاحتمالٍ، إن رغبوا في "تفتيح أدمغتهم المغلقة". مشكلة الإخوان أنهم وثقوا كثيراً بأردوغان "أسد السنة" وأن تركيا لن تخونهم، وهي بالحقيقة لم تتوقف عن خيانتهم، وتمّ ذلك كلما تراجعت الفصائل عن مدينة أو بلدة! تستفيد تركيا من الخلاف الروسي الأمريكي، ويستفيد الإخوان من ذلك أيضاً، فهم ورقة سياسية على طاولتها ما دام لتركيا دور في سوريا. عكس ذلك إن تحققت تسوية ما بين روسيا وأمريكا؛ فالتوافقات بين هذين البلدين تتزايد، ولا سيما بعد لقاء بوتين بايدن، والبدء بتشكيل لجنة لمتابعة تدارس المسائل العالقة بين البلدين.


عمار ديوب


ليفانت - عمار ديوب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!