الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ما الذي سينتج عن التصعيد الروسي في إدلب؟
ما الذي سينتج عن التصعيد الروسي في إدلب؟ذ

ما الذي سينتج عن التصعيد الروسي في إدلب؟


مالك الحافظ - صحفي وباحث سياسي سوري



على وقع التصعيد العسكري المستمر في الشمال السوري، لا يبدو أن موسكو قد راجعت بعد الخسائر التي تتكبدها قوات النظام السوري منذ انطلاقة حملتهم العسكرية نهاية نيسان الماضي.


 


حيث لم تبدأ روسيا هذا التصعيد غير المسبوق على الشمال السوري منذ توقيع اتفاقية خفض التصعيد عام ٢٠١٧؛ من أجل أن توقفه فقط بعد الخسارات التي منيت بها قوات النظام، فموسكو قد بدأت تتحسس عجزها في استكمال فرض رؤيتها في سوريا بعد عودة واشنطن للملف السوري بشكل وازن.


 


الملفات التي كانت تراهن عليها روسيا بعد نجاح ملحوظ في تحقيق مطامعها من خلال إدارتها لمسار أستانا، باتت الآن تلك الملفات بحكم الملغاة، حيث جمدت واشنطن من حضور الهيمنة الروسية في سوريا، وبرز ذلك من خلال تواجد أميركي غير محدود في منطقة شرق الفرات؛ بالإضافة إلى تقدم مفاوضات أنقرة مع واشنطن حول المنطقة الآمنة والتي قد تؤدي عمليا لمنع حضور روسيا نهائيا في الشمال السوري سواء في منطقة خفض التصعيد في إدلب أو حتى في شمال شرق سوريا، ما يعني ذلك عمليا قفل هذه المنطقة نهائيا بوجه روسيا.


 


ولا يخفى أن الحضور الروسي في سوريا منذ أيلول عام ٢٠١٥ جاء لتغليب كفة النظام السوري عسكريا لا شيء غيره، وإن كانت روسيا تدعي أنها ماضية في تفعيل العملية السياسية التي أوقفتها سابقا؛ ثم ما لبثت أن عاودت طرح مبادرتها السياسية بفرض ملف اللجنة الدستورية عن طريق مؤتمر سوتشي مطلع العام الفائت قبل كل الملفات التي أعلنها القرار الدولي ٢٢٥٤.


 


المأزق الروسي حاليا بات يظهر بشكل جلي؛ فاللجنة الدستورية التي كانت تدعي موسكو بضرورة إطلاقها؛ قد أبعدتها العملية العسكرية في إدلب والتي خلطت كل الأوراق، فالشريك التركي بات الآن أبعد من أي وقت عن روسيا، ويتجلى ذلك من  من خلال ذلك الدعم التركي لفصائل المعارضة السورية في الشمال مؤخراً بعد أن استنفذت أنقرة كل وسائل الحوار مع روسيا إثر تصعيدها الأخير.


 


وبالتوازي مع الدعم التركي الذي يعتبر مواجهة غير مباشرة لموسكو في الملف السوري، فإن التقارب الذي بدا تتضح ملامحه مجددا بين الولايات المتحدة وتركيا قد يفرض واقعا لا مناص منه متمثلا بتأجيل إعلان اللجنة الدستورية بعد الاتفاق على آليات جديدة لإدارة الملف السوري وعوامل الحل السياسي من قبل واشنطن.


 


الاستراتيجية الأميركية في سوريا و التي أعلنت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب أصبحت موسكو أقرب مسافة منها الآن، والتي يبرز أول وأهم أهدافها من خلال إخراج النفوذ الإيراني من سوريا، ورغم أن روسيا استفادت بشكل كبير من تواجد إيران على الأرض في العمليات العسكرية إلا أن ذلك لا يعني بأن موسكو غير مستعدة الآن لبحث هذه المسألة، بخاصة وأن موسكو باتت الآن تتخوف من خسارة كل ما بنته لسياساتها الخارجية من خلال سوريا، لذلك فهي مستعدة لكل ما قد تقدمه واشنطن مقابل حماية مصالح الطرفين في المقام الأول.


 


الاجتماع الثلاثي المزمع عقده بين روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس خلال الأيام القادمة، أصبح بحكم المؤكد أنه سيكون بمثابة البوصلة التي ستوجّه الملفات المتعلقة بالشأن السوري، وبخلاف ذلك ستكون روسيا قد وضعت نفسها في زاوية ضيقة لن تستطيع الخروج منها، لذا فإن على موسكو أن تقدم الورقة الإيرانية مقابل استعادة توازنها.


 


إذاً وبالعودة إلى الملف الأبرز في الساحة السورية حالياً، فإن التصعيد الروسي في إدلب لن يمنح روسيا الأهداف التي كانت تتوقع تحقيقها بسهولة، وإنما سيبقي الوضع معلقا بالشكل الظاهري، ولن تكون هناك تغييرات ميدانية كبرى على الأرض، بل أننا سنشهد تبدلا في المزاج الروسي ينتج عنه إعلانا لوقف العمليات العسكرية هناك مقابل التذرع ببحث مسائل متعلقة بهذا الشأن، فضلا عن أن الحجة الروسية الدائمة بمحاربة تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في إدلب لن تعود إلى الواجهة في الوقت القادم، فالخسارات الكثيرة لن تقوى عليها روسيا ولو أنها ستسعى لإحداث خرق ما لاحقاً.


 


يمكن القول أن روسيا ستفشل في هدفها من التصعيد على إدلب، لكنها لم تكن مدركة أن العملية العسكرية هذه بدون حسابات أكبر قد جعلها أبعد عن ملفات شرق الفرات والمنطقة الآمنة، بل بات عليها أيضاً أن تتراجع أكثر من خطوة في ملف إدلب، مقابل أن يتم التفاهم في اجتماع القدس الثلاثي على الملف السوري برمته بشكل يرضي إلى حد ما كل من القوتين الدوليتين (روسيا والولايات المتحدة)، وليكون بعد ذلك العودة لملف اللجنة الدستورية التي لن يعلن عنها على ما يبدو قبل نحو ٤ أشهر من الآن بأقل تقدير.


 


ليفانت نيوز


فيس بوك

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!