الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
لماذا لا تعلن إيران أنها امتلكت القنبلة النووية؟
عبد السلام حاج بكري

تستمر مماطلة إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، وانتهزت فرصة الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد، منتصف العام الماضي، لوقف التفاوض عدّة شهور، كانت تعمل فيها حثيثاً لزيادة نسبة التخصيب ورفع كمية اليورانيوم المخصب في مفاعلاتها النووية الكثيرة والمتوزّعة في مختلف أنحاء البلاد.

لا شك ينتاب أحداً بالسعي الإيراني المحموم للوصول إلى كمية اليورانيوم الكافية لصناعة القنبلة النووية، وهذا ربما يكون قد تحقق بالفعل، لا بل قد تكون أتمّت صناعة القنبلة المنشودة، التي تدخلها حظيرة الدوول النووية، وتمتنع عن الإعلان عنها بانتظار الوقت المناسب.

إنّ افتراض امتلاك إيران للسلاح النووي له ما يبرره، وأهمّه ما كان يردّده مسؤولون وخبراء أمريكيون وأوربيون وإسرائيليون، منذ مطلع العام الماضي، أن ما يفصل إيران عن امتلاك القنبلة النووية يتراوح بين أسابيع وشهور قليلة، وبعد مضي عام على ذلك ترتفع أسهم تحوّل الافتراض إلى حقيقة واقعة.

لم يكن حلم إيران النووي ليتحقق لولا المباركة السرّية الغربية والإسرائيلية ودفعها له، عكس ما نقرأ ونسمع من وسائل إعلامها الموجهة لتضليل شعوبها أولاً، والمحيط العربي ثانياً، وهذا المحيط لا يمتلك القدرة ولا الإرادة لتغيير ما يكون، فيكتفي بالاستماع والمشاهدة، وسيكون قريباً أمام متغيّر صارخ لم يتجهّز له.

السلاح النووي ممنوع على العرب تحديداً، وأداة منعه التنفيذية كانت إسرائيل التي قصفت مفاعل العراق عام 1981 ومفاعل الكبر في سوريا 2007 بقنابل دقيقة حولتهما ركاماً دون ضجيج أو صخب إعلامي، في الوقت الذي تتفرج فيه على بناء إيران المتوالي والمتزايد للمفاعلات النووية تحت الأرض وفوقها، ولم توجه لها أي ضربة مؤثرة توقف عملها، وتكتفي بادعاء استهدافها مرة سيبرانياً ومرة بتفجير قنبلة صوتية للاستهلاك الإعلام المحلي والإقليمي.

كما كانت واشنطن ومعها الدول الغربية تتلقى التقارير، واحداً تلو الآخر، عن رفع إيران مستوى تخصيب اليورانيوم وزيادة كمياته، دون مبادرة حقيقية لوقف المشروع، بل اكتفت بالتوسط والتوسل لإعادتها للاتفاق الذي أبرمه معها أوباما قبل مغادرته البيت الأبيض، وسمحت بتمرير كل ذلك الوقت وهي تدرك أنه كاف لإنجاز القنبلة الإيرانية.

75 عاماً مرّت تقريباً على قيام إسرائيل، لم تنجح خلالها بالدخول إلى محيطها العربي وتجعله شعباً وحكاماً يقبلون بها، وهي التي تريده محيطاً مسالماً وسوقاً لمنتجاتها المتفوقة والغزيرة، ووجدت بقنبلة إيران النووية بوابة تدخل منها للتحالف مع العرب ضد العدو الذي صنعته بشكل مباشر وغير مباشر بتشاركية مع المنظومة الغربية التي لها مصالحها من هذه القنبلة، وليس أقلها مضاعفة مبيعاتها من السلاح للدول الثرية التي ستتهافت على زيادة قوتها في وجه العدو الإيراني.

تقود القنبلة النووية الإيرانية الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، لفتح أبوابها لإسرائيل الخضم القوي المفترض لإيران والتحالف معها للعمل على الحدّ من الخطر الإيراني، وهذا تماماً أهم غايات إسرائيل من التغاضي عن المشروع النووي الإيراني، وهي التي تريد الاستقرار وإنهاء حالة الحرب النظرية مع العرب.

مع إيران النووية، يتبدل جيوبوليتيك الصراعات والتحالفات في الشرق الأوسط، ليغدو صراعاً ظاهره بين السنّة والشيعة، وبين الفرس والعرب في جوهره، وتفضّل إسرائيل تعزيز الظاهر منه بما يساعدها على جعل الجميع يتقبل يهودية دولتها.

ستفضي مفاوضات فيينا إلى العودة للاتفاق النووي الذي لا تضمن إيران التزام أمريكا به ورفع كافة العقوبات الاقتصادية عنها والسماح بالتدفق المالي والاستثمارات، وهي التي شهدت انسحاب ترامب منه بمزاجية، لذلك استثمرت الوقت وتسعى للمزيد منه حتى إكمال قنبلتها النووية، إن لم تكن قد اكتملت، لتستخدمها ورقة ضغط دائمة غير معلنة حتى عودتها دولة كغيرها في المجتمع الدولي.

وفي قراءة أولية، لن يقبل الغرب الابتزاز الإيراني، وسيعمل للضغط عليها من خلال بتر أصابعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا، وهذا ما بدت ملامحه واضحة في خسارة حلفائها للانتخابات في العراق والهزائم التي يتعرّض لها حليفها الحوثي في اليمن، ومن غير المستبعد الضغط القريب على ميليشياتها في سوريا وعلى حزب الله في لبنان، مما سيدفعها للإعلان عن امتلاكها القنبلة النووية، وهو خيارها الأخير الذي لا تحبّذه لأنها ستغدو كوريا شمالية ثانية تخضع للحصار والعقوبات، لكن الولي الفقيه لا يمانع ذلك لأنّه يحتاج نصراً يقذفه بوجه شعبه عند خسارته وانحساره خارجياً.

 

عبد السلام حاج بكري

ليفانت - عبد السلام حاج بكري

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!