-
السياسة الأمريكية تجاه الصين.. ذلك اللغز المحيِّر
لم تكن السياسة الأمريكية غامضة كما هي عليه اليوم، وتحديداً في عهد إدارة الرئيس «جو بايدن» الذي دخل «البيت الأبيض» بعد معركة انتخابية استثنائية عبر تاريخ أمريكا، تنافس فيها الجمهوري «دونالد ترمب» مع الديمقراطي «جو بايدن»، مع ما تخللها من مناظرات وتجاذبات واتهامات واقتحام للكابيتيلو.
إنّ صعوبة تفسير السياسة الأمريكية نابعة من شدة التباعد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في كل ملفات السياسة الداخلية والخارجية لأمريكا. لكن هذا ليس دقيقاً جداً، ففيما يتعلّق بأكبر الملفات التي تواجهها أمريكا نجد «بايدن» يقدم مقاربات تشبه إلى حدّ كبير ما كانت عليه سياسة ترامب، والحديث هنا عن الصين، وكيف تواجه أمريكا الخطر الصيني المتدحرج باضطراد.
فبينما كانت أقوال بايدن إبان الحملة الانتخابية تبدي تساهلاً تجاه الصين، نجد أمريكا اليوم تكاد تمحور جلَّ اهتماماتها حول الصين، مثل شكل التواجد في الشرق الأوسط، وكيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، والتشاكل المستمر مع روسيا في عدة قضايا.
كثيرة هي الملفات التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين، ومعظمها من العيار الثقيل، منها الانقلاب العسكري الذي حدث في ميانمار، حيث رفضت الصين ومعها روسيا إدانة الجيش الذي قام بالانقلاب. ومنها تايوان وهونكونغ والتحالفات الأمريكية مع اليابان ومع الفيليبين وكوريا الجنوبية، وعلى سبيل المثال قول وزير الخارجية الأمريكي «بلينكن» لنظيره الفليبيني: إننا ندعم الفليبين واتفاقية الدفاع المشترك، وسنقوم بالدفاع عنها في بحر الصين، وقال سنحمي اليابان في الجزر المتنازع عليها مع الصين، وندعم تايوان الديمقراطية، وتحديداً بعد إرسال الصين اثنتي عشر مقاتلة فوق الأراضي التايوانية.
لكن السؤال الذي يبرز بقوة: هل الصين فعلاً قادرة على أن تكون خصماً نديَّاً لأمريكا؟.
مع أنه يصعب إيقاف الصين كمارد اقتصادي عالمي، إلا أنه لا يبدو أنّ الصين وحدها قادرة لفعل ذلك، بحكم اعتبارات كثيرة منها: إن الصين تعتمد على رافعة واحدة تقريباً لبناء قوتها، وهي الرافعة الاقتصادية، حيث بلغت الصين مستويات عملاقة بهذا الاتجاه، لكنها تفتقد إلى رافعات أخرى، كالقوة العسكرية، والثقافية، والعمق التاريخي.
لكي تواجه الصين الترصد الأمريكي لها تحتاج إلى حليف قوي مع عملاق آخر، يمتلك ما افتقدته الصين من كاريزما العمل السياسي البارع، مثل روسيا، التي تمتلك كثيراً من الجرأة (أو التهور) في مواجهة العالم الغربي، مع إمكانية التصادم حين تقتضي الضرورة.
روسيا والصين استطاعتا خلال العقدين الأخيرين بناء سلسلة من الشراكات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.. ما دفع البعض لوصف العلاقة بين بكين وموسكو بأنها قد تصل إلى إمكانية إعلان «التحالف العسكري» في أي وقت.
وهذا التقارب طبيعي في ظلّ فرض العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا منذ عام 2014 بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، ومنذ ديسمبر 2017 اعتبرت أمريكا أن روسيا والصين معاً منافسان استراتيجيان لها في الساحة العالمية، وهو ما أكده من جديد الرئيس «جو بايدن» في الدليل المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي تم الإعلان عنها في 9 مارس الماضي.
يضاف إلى ذلك، تسارع تشكيل التحالفات العسكرية من جانب الولايات المتحدة، مثل تحالفات «أوكوس»، في 15 سبتمبر الماضي، و«كواد» الذي تسارعت وتيرته وعقد آخر اجتماع قمة في 25 سبتمبر، و«كواد بلس» الذي يتوقع أن يضم دولاً جديدة مناوئة للصين في شرق وجنوب شرق آسيا قريباً، بالإضافة للتحالفات القديمة وهي «الناتو» و«العيون الخمس».
من الخطوات المبكرة التي اتخذتها روسيا للتقارب مع الصين توقيع البلدين لمعاهدة «الصداقة والتعاون» عام 2001، وجرى تجديدها في 16 يوليو الماضي، وهي تشمل كل القطاعات العسكرية والتقنية والسياسية والاقتصادية.
عندما طلبت وسائل الإعلام من «يوري أوشاكوف»، مساعد الرئيس «بوتين» للشؤون الخارجية، وصف العلاقات [الروسية-الصينية] قال: إن تأثيراتها أكبر من التحالف.
ففي المجال العسكري، أجرى البلدان مناورات عملاقة ضمت 10 آلاف جندي، في أغسطس الماضي، في منطقة «ين جشيا» ذاتية الحكم شمالي الصين، وتنفذ القاذفات الاستراتيجية الصينية والروسية معاً طيراناً مشتركاً فوق بحر اليابان لمسافة تجاوزت 6 آلاف كلم، منذ عام 2019، كما أجرت موسكو وبكين مناورات بحرية «التعامل البحري»، والتي اختتمت في 17 أكتوبر الماضي، كما أن المبادلات التجارية بين البلدين وصلت إلى 110 مليارات دولار في عام 2019، ويخطط البلدان للوصول بها إلى 200 مليار دولار عام 2025. وتظهر بيانات منظمة الطاقة الدولية أن الصين تعتمد بشكل متزايد على النفط والغاز الروسيين، بينما تعتمد روسيا في مشترياتها من التكنولوجيا المتقدمة على الصين منذ عام 2014.
من الصعوبة بمكان لأمريكا مواجهة تحالف روسي صيني فيما لو تجاوز التحالف عتبة المقدمات التخطيطية، ودخل إلى حيز الوجود الفعلي، الوجود الذي سيفرض على أمريكا كثيراً من المتاعب والمنغصات، ويبدو أن سياسة أمريكا منصبة على منع هذا التحالف عبر إضعاف روسيا الاتحادية وإغراقها في مستنقعات معقدة، ولعل آخرها ما يحدث في كازاخستان من مظاهرات عارمة قد تطيح بالحكومة الموالية لروسيا على غرار ما حدث في أوكرانيا. لكن نجاح الجبهة الروسية الصينية متوقف على وقوع أمريكا بأخطاء كارثية، والتي صارت عنواناً لسياسة الأمريكان في السنوات الأخيرة، سواء في العهد الديمقراطي أو الجمهوري، ولعل أبرز تلك الأخطاء ذلك الصراع البيني بين الحزبين والذي تجاوز كل حدود اللياقة، ما أظهر الزعيمان بايدن وترامب يتراشقان الاتهامات فيما يتعلق بواقعة «الكابيتيلو».
ومن جملة الأخطاء الكارثية التي صارت سمة مميزة للسياسة الأمريكية، الغدر بالحلفاء، بشكل مفاجئ، والابتعاد عن حلفاء تقليديين دون ملء الفراغ بغيرهم، وعدم احترام أوزان دول بعينها كألمانيا، حيث اعتبرت أمريكا أن ألمانيا التي تتعامل مع الصين هي عدو لأمريكا.
لقد أسست سياسة «ترامب» تجاه الصين لمعادلة خشنة يبدو أنّها تفعل فعلها اليوم، فيبدو أن تصريحات ترامب أيام الصراع الانتخابي تفعل فعلها في خطط بايدن تجاه الصين، وخاصة تكرار ترامب لمقولة: «بايدن سيبيع أمريكا للصين»، مع أنّ بايدن يرى أن الصين ما زالت بعيدة جداً عن منافسة أمريكا حتى اقتصادياً.
ليفانت - عبد الناصر الحسين
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!