-
قراءة نقديّة لكتاب "غرب كنيس دمشق"
د. ريم منصور سلطان الأطرش
أعارني صديق لي كتاب الدكتور سامي مروان مبيّض (غرب كنيس دمشق: محاولات صهيونيّة لاختراق المجتمع السوري 1914 – 1954)، المنشور في بيروت، في العام 2018، في دار رياض الريّس.
كتاب هام ويُقرَأ. أهميته، بالإضافة للموضوع المطروح فيه، أنه اعتمد على الوثائق البريطانية والأميركية التي تمّ الإفراج عنها بعد نصف قرن أو أكثر من الأحداث التي تطرّق إليها الكتاب؛ كما أنه اعتمد على أرشيف العدو الإسرائيلي!
وأنا، حين أقرأ أيّ كتاب، أسجّل في دفتر خاص بي ملاحظاتي عنه وتلخيصاً له، كي أعود، عند الحاجة، إلى ما كتبتُه عنه. لكنْ، من حين لآخر، أجد من المفيد نشر ملاحظاتي هذه حول بعض الكتب التي قرأتُها. وهذا الكتاب هو من بين الكتب التي أرى فائدة في نشر ملاحظاتي حولها. لذلك، سوف أتصدّى لهذا الموضوع في هذه القراءة.
من سياق الكتاب، من الواضح بأن الكاتب يعطي الحق تماماً، في معظم الأمور، لرجالات الكتلة الوطنية، فيبرّر لهم موقفهم من سلخ لواء اسكندرون، قائلاً في الصفحة 16 : "... تسليم لواء اسكندرون إلى تركيا وهم في سدّة الحُكم، ولا حول لهم ولا قوة على إيقاف المشروع...".
ومن الغريب أن يذكر الكاتب، في الصفحة 242، ما قاله عبد الرحمن عزام باشا، الأمين العام لجامعة الدول العربية عن الصهاينة: "سوف نلقيهم في البحر"، ولا يذكر في المقابل خطاب جميل مردم بك حين تمّ سلخ لواء اسكندرون، إذ قال للسوريين، بما معناه: "لن يتمّ سلخ اللواء طالما هذه الرقبة تحمل رأسي"! لكنّ اللواء سُلِخَ وبقيت رقبة جميل مردم بك تحمل رأسه!!
ويؤكّد الكاتب في عدة صفحات، منها الصفحتان 19 و281 ، على أنّ "الديمقراطية السورية أُسقِطَتْ على يد حسني الزعيم عام 1949". وتساؤلي هنا، هل كانت ممارسات المكتب الثاني في عهد شكري القوتلي والمحسوبيات السائدة في عهده هي من الديمقراطية في شيء؟ وهل المرسوم 50 وزجّ فهمي المحايري المعارِض له في السجن، هو من الديمقراطية في شيء؟ وهل التحريض على الفتنة في جبل العرب، في أيلول من العام 1947، بِأُسٍّ ممن كانوا يُدعَوْن برجالات الكتلة الوطنية ويتبوأون أرفع المناصب، هو من الديمقراطية في شيء؟ وهل العمل على استشراء الفساد هو من الديمقراطية في شيء؟.
أحبّ هنا الاستشهاد بالسيرة الذاتية لِ منصور سلطان الأطرش، الجيل المُدان، بيروت، رياض الريس، 2008، الصفحة 73، إذ قال: "... وعلى الأخص عندما نسمع أن المرحوم جميل مردم، رئيس الوزراء آنذاك، أعني في تلك الحقبة من العهد الوطني أجاب عندما لفت نظره بعض المستشارين إلى ضآلة مرتّب الدركي السيّار: ’ هو يدبّر حاله’. واستمرّ الدركيون بتدبير الحال حتى استشرى الفساد والرشوة ولم تستطع العهود المتعاقبة قمعها حتى بعد قيام ثورة الثامن من آذار / مارس سنة 1963. ولا أفتري على الحقيقة إنْ قلتُ إنّ الفساد بكلّ أشكاله قد استفحل بعد هذا التاريخ".
أما في الصفحة 101 من كتاب الدكتور مبيّض، فيذكر الكاتب بأنّ السيد جميل الإلشي، وزير الحربية الجديد كان في استقبال الجنرال غورو والفرنسيين بعد معركة ميسلون في تموز من العام 1920 ، "كي لا تتعرّض المدينة لأيّ عمليات نهب وتدمير"! إلا أنه مقابل هذا التبرير، ثمة وجهة نظر أخرى، غير تبريرية، للدكتورة نادية خوست، في روايتها التاريخية، التي اعتمدت على وثائق تاريخية، وهي بعنوان "وداع ولقاء في بلاد الشام":
"أين العظمة يا بهاء، إذا كان جميل الإلشي وزيراً في وزارة الشيخ تاج؟ يعرف الناس أنه خائن، نقل لغورو أخبار الوطنيين قبل معركة ميسلون"!
يشعر القارئ في كثير من المواضع في هذا الكتاب بأنّ الكاتب لا يألو جهداً في تبرير لقاءات رجال الكتلة الوطنية بالصهاينة، فيقول مثلاً، في الصفحة 158، عن لقاء جميل مردم ببن غوريون، بأنه "ما كان لهذا اللقاء أن يتمّ لولا شعور اليأس الكامل الذي انتاب مردم بك خلال المفاوضات" مع الفرنسيين في باريس 1936. كما أنه يتابع تبريره هذا، قائلاً في الصفحة 305: "وإنْ كان التفاوض <مع الصهاينة> يقع تحت باب العمل الدبلوماسي والوطني في العشرينيات، فهو اليوم <بعد العام 1948> لا يُفَسَّر إلا خيانة عظمى".
وهذا تبرير غير مقنع نهائياً، أولاً، لأن الأهداف الصهيونية كانت واضحة في إنشاء وطن قومي لليهود من أجل اغتصاب حق الفلسطينيين، منذ ما قبل وعد بلفور، ثم ثبّته هذا الأخير! وثانياً، لأنّ ثمة خمس شخصيات وطنية سورية رفضت التفاوض تماماً مع الصهاينة، بالرغم من المحاولات المستميتة للوكالة اليهودية للتفاوض معهم وإغرائهم بهدايا ثمينة؛ وهذا ما ورد فعلاً في كتاب الدكتور مبيّض نفسه، في الصفحتين 198 و 320 ، وتلك الشخصيات الخمس هي: هاشم الأتاسي، سعد الله الجابري، رشدي الكيخيا، ناظم القدسي وسلطان باشا الأطرش.
أما في ما يتعلّق بتحرير دمشق في العام 1918، في الصفحة 22 ، فالكاتب يسكت تماماً عن دور فرسان بني معروف من جبل العرب، بقيادة سلطان الأطرش؛ وهو ليس وحده في ذلك، فقد اعتاد أهل جبل العرب على إنكار المؤرّخين لدورهم التاريخي في تحرير دمشق! لكنّ الثابت تاريخياً، وبأمّ العين لكثيرين من حي الميدان الدمشقي الذين شهدوا تحرير دمشق، هو أنّ فرسان جبل العرب، بقيادة سلطان الأطرش، دخلوا دمشق بعد معركة شرسة في تلال المانع، في منطقة الكسوة، في 30 أيلول 1918. وهم الذين حرّروا دمشق ورفعوا العلم العربي على سرايا الحكومة في المرجة: (الصفحتان 52 و 53 من كتاب أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، راجعها وصحّحها ومهّد لها منصور سلطان الأطرش، دمشق، دار طلاس، ط 2، 2008)؛ إضافة إلى التسجيلات الصوتية بصوت سلطان باشا الأطرش عن تحرير دمشق في الموقع الإلكتروني:
www.sultanalattrache.org
وعلى هذا الأساس، منح الشريف حسين للقائد سلطان الأطرش لقب (باشا)، وهي رتبة عسكرية، تعادل أميرالاي.
أما جيشا فيصل وأللنبي، فقد دخلا دمشق في 2 تشرين الأول 1918. وفي ما يخصّ رضا باشا الركابي حينها، فقد ورد في كتاب أحداث الثورة السورية الكبرى...، في الصفحة 52، في حديث القائد العام سلطان باشا الأطرش، عن معركة تلال المانع ما يلي: "لقد قمنا بحركة التفاف حول مواقع الأتراك وباغتناهم بهجوم صاعق، عطّلنا به أكثر بطاريات مدفعيتهم، وقاتلناهم في خنادقهم بالسلاح الأبيض، حتى استسلم لنا مَنْ بقي حيّاً منهم، وكان في مقدّمتهم ضابط كبير هو رضا الركابي، الذي أَسَرَه فرسان قرية الغاريّة وأحضروه إليّ بصورة مهينة؛ فلمّا عرفتُ هويّته العربية أمرتُ بإعادة سلاحه إليه وأركبتُه فرساً، وعاد بصحبتنا إلى دمشق مروراً بموقع الحرجلّة، حتى دخلنا المدينة من جهة حيّ الميدان في 30 أيلول عام 1918، ووصلنا إلى ساحة المرجة ورفعنا فوق دار الحكومة العَلَم العربي الذي كان يخفق في مقدمة حملتنا منذ خروجنا من الجبل". وهذا ما يناقض تماماً ما كتبه الدكتور مبيّض عن الركابي، في الصفحة 56، في كتابه "غرب كنيس دمشق"، بأنه "هرب إلى الصحراء العربية، والتحق بقوّات الشريف حسين بعد إعلان الثورة العربية، ثم دخل مدينة دمشق فاتحاً ومُحرِّراً بمعيّة الأمير فيصل عام 1918"!
من الواضح أن الكاتب مبيّض يقارب فترة الانتداب الفرنسي على سوريا بشكل انتقائي وجزئي، وكأنّ ما جرى في أثناء الثورة السورية الكبرى لا علاقة له بما جرى بعده من مفاوضات مع الفرنسيين.
لقد رفض سلطان باشا الأطرش، وبعض من رفاقه، تسليم سلاحهم للفرنسيين، واستمروا في المقاومة... ولم تنقطع المراسلات بينه وبين السياسيين السوريين، الذين كانوا يصرّون على استمزاج رأيه ورأي الثوار في كل ما يجري من مفاوضات وخطوات سياسية... ولم يكن مؤتمر الصحراء برئاسة القائد العام للثورة السورية الكبرى، وقراراته الهامّة، والذي انعقد في وادي السرحان، في 25 تشرين الأول 1929، إلا دليلاً على ذلك.
لم تُخمَد ثورة العام 1925، بل استمرت حتى العام 1937 حسب رأي قائدها العام... وإلا، لما لاحق الفرنسيون والبريطانيون الثوار في الأزرق، ولما ضيّقوا عليهم في وادي السرحان، ولما أصرّ الانتدابان الفرنسي والبريطاني على وضع سلطان باشا الأطرش تحت الإقامة الجبرية في الكرك (الأردن)، بين 1932 و1937!
كما أن قصف دمشق في 29 أيار 1945، وكذلك السويداء وحماة، لم يكن إلا ردّاً على انقلاب جبل العرب على الانتداب الفرنسي. قاد هذا الانقلاب الأمير حسن الأطرش، بالاتفاق مع سلطان باشا الأطرش، فكانت السويداء هي أول محافظة تتحرّر من نير الانتداب! حينها، أعطى أوليفييه روجيه أوامره، وبأمر من الجنرال ديغول، لقصف دمشق والسويداء وحماة انتقاماً لذلك!
أما ما نقله الكاتب في الصفحة 122 بأن فارس الخوري وجميل مردم بك قد أشارا "إلى الدمار الهائل الذي خلّفتْه الثورة"، فهو دمار صنعه الفرنسيون الهمجيون! هذا المنطق المعوَجّ سمعناه حين دمّر الصهاينة لبنان في حرب تموز 2006، إذ قيل حينها إن السبب في الدمار هي المقاومة الوطنية اللبنانية: إنه منطق الاستسلاميين!
وفي الصفحة 225، لا يذكر الكاتب مبيّض بأن الشاب علي الأطرش من قرية امتان، من جبل العرب، مثّل جيل الشباب، مبعوثاً من سلطان باشا الأطرش، في الاحتفاء بتأسيس منظمة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، في أيار 1945؛ إذ لم يكن الحضور فقط للدبلوماسيين السوريين!
أما استقبال الدكتور شهبندر، فقد جرى في 14 أيار 1937 في دمشق، وليس "في مطلع شهر شباط 1937" كما ورد في الصفحة 181 من كتاب "غرب كنيس دمشق"؛ فرسالة لطفي الحفار إلى زيد الأطرش، المؤرّخة في 12 أيار 1937، والمنشورة في كتاب أحداث الثورة السورية الكبرى... في الصفحة 347 توضّح ذلك؛ وثمة صورة مشتركة للدكتور شهبندر ولسلطان الأطرش بعد عودة الأخير إلى دمشق في 19 أيار 1937 وهما متعانقان.
إذن، نشعر بأن الدكتور مبيّض يهتمّ بما يجري مع رجال الكتلة الوطنية في دمشق، من دون أن يربط الأحداث بما يجري خارجها... وهذا غريب من مؤرّخ!
وهو يهمل أيضاً سياسيين أثّروا في تاريخ سوريا، قد يكون ذلك لموقف خاص به منهم! ففي الصفحة 239، لم يأتِ على ذكر مؤسسَيْ حزب البعث العربي، ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، في ما يتعلّق بتطوّعهما في جيش الإنقاذ ومشاركتهما في حرب فلسطين، عشية النكبة. كما أنه في تلك الصفحة ذاتها، يذكر بأن "خليل كلاس، أحد مؤسسي حزب البعث..."، وهذا خطأ، إذ إنه من مؤسسي الحزب العربي الاشتراكي.
ثم إن الدكتور مبيّض لا يذكر، في الصفحة 345، نضال جميع القوى الوطنية ضد ديكتاتورية الشيشكلي، ولا يذكر حملته العسكرية على جبل العرب في شتاء العام 1954، والتي شكّلتْ سبباً أساسياً لغضب السوريين عليه، ما اضطرّه إلى ترك سدّة الحُكم! ... هذا غيض من فيض.
ثم، أنّ بعض الهِنات وردت في الكتاب: ففي الصفحة 132 ، عبارة La Nation Arabe لا تعني "الشعب العربي" كما وردت ترجمتها في الكتاب، بل الوطن العربي، أو الأمة العربية. أخيراً، في الصفحة 160، بلدة بلودان تقع شمال غرب دمشق وليس شمال شرق دمشق، كما ورد في الكتاب.
قراءة نقديّة لكتاب "غرب كنيس دمشق" قراءة نقديّة لكتاب "غرب كنيس دمشق" قراءة نقديّة لكتاب "غرب كنيس دمشق"
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!