-
غليان بالشرق الأوسط في محاولة لتبخير الخلافات
من أهم القضايا التي تم تجاوزها، الخلاف الخليجي؛ عندما استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في قمة العلا بالمملكة السعودية، مطلع العام الحالي، مما أدى إلى كسر الجليد وذوبان الخلاف بين البلدين، الأمر الذي شجع القطريين والمصريين من إعادة علاقاتهم الدبلوماسية، في 20 يناير/ كانون الثاني، وقتذاك؛ أقامت شركة الديار، المملوكة لصندوق الثروة السيادي لدولة قطر، حفل افتتاح فندق سانت ريجيس في القاهرة.
أعقبها بعد فترة قليلة زيارة وفد تركي إلى مصر، برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، كخطوة لتجاوز الخلاف الذي نشأ بين البلدين، بعد ثورة 30 يونيو 2013، وإسقاط حكم جماعة الأخوان المسلمين في مصر، الخطوة التي وصفتها أنقرة -حينئذ- بالانقلاب بعد إطاحة العسكر بالرئيس الراحل محمد مرسي.
لكن التحول في العلاقات بين البلدين تركيا - مصر، جاء نتيجة تغيير الموقف التركي تجاه قوى الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولاسيما جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وطلبت حكومة أنقرة إلى وسائل الإعلام المصرية المعارضة، الكف عن مهاجمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليتلوها خطوة إيقاف القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية المصرية من البث في أراضيها.
ولعل الصراع الليبي جسد أحد أهم عوامل الفرقة بين المحورين، بسبب مواقفهما المتناقضة وتأييدهما للأطراف المتصارعة في ليبيا، بسبب دعم قطر وتركيا لحكومة الوفاق الوطني، ودعم مصر والإمارات قوات الجنرال خليفة حفتر، خشية من الأخيرتين، ترسيخ حكم الجماعات الإسلامية في بلد يربطها مع مصر حدوداً طويلة تتجاوز 1100 كم، مما يجعل المهمة صعبة على الجيش المصري من ضبط الحدود الغربية لبلاده.
بات من المُلح تهدئة الجبهات العربية، في ظل المخاطر التي تحيق بالدول العربية من كل حدبٍ وصوُبٍ، والتركيز في الوقت الحالي على مقاومة مشاريع الدول الطامعة، بعد تجنيد إيران لميليشيات من بين مكونات الشعب العربي، مثل: حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن والحشد الشعبي العراقي، الذين ينفذون أجندات النظام الإيراني داخل بلدانهم، ويعملون على زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وهناك العديد من الأمثلة في هذا السياق، إذ لا يوفر الحوثيون فرصة لضرب المنشآت الحيوية في السعودية. ومساندة حزب الله إلى جانب الحرس الثوري الإيراني لبشار الأسد منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية، وقيام الحشد الشعبي بعدة اغتيالات لنشطاء ثورة تشرين في العراق.
نُقِل عن دبلوماسي بحريني رفيع، قوله، في وقت سابق من هذا الشهر، "إذا نظرت إلى الأزمات في الشرق الأوسط، ستجد خيطاً أحمر واحداً يمرُّ عبر كلّ تلك الأزمات، ستجد إصبعاً إيرانياً".
ورغم من كل الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها إيران في المنطقة خلال العقد الماضي، إلا أن السعودية كانت متعاونة في سبيل الحد من الدور المؤذي لقوات الحرس الثوري الإيراني خارج حدود بلادها، من خلال قبول المملكة دعوة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، للقاءٍ في بغداد يجمع رئيس الاستخبارات السعودية، خالد الحميدان، بمسؤولين إيرانيين. عله يحدث انفراجاً في علاقات البلدين، بعد أزمة عام 2016 والأحداث مؤسفة التي تلتها، باقتحام ثلة من الإيرانيين السفارة السعودية في طهران وإضرام النيران فيها.
وفي أول زيارة لزعيم شرق أوسطي إلى البيت الأبيض، التقى العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين، مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وقد حازت الزيارة على اهتمام كبير من البرامج التلفزيونية والصالونات السياسية، لمناقشة ما حققته من نتائج تنعكس على الأردن والمنطقة العربية، بعد فتور العلاقة بين البلدين في عهد ترامب بسبب طرح الأخير "صفقة القرن" التي تضر بمصالح الأردن على مستوى الإقليمي.
من الواضح أن الأردن لديه طموح تمثيل دول الهلال الخصيب ورعاية مصالحها، لأنه البلد الوحيد الذي لم تهتز أغصانه، كما هو الحال عند جيرانه في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق.
وهذا ما شجع العاهل الأردني بعد زيارته لواشنطن، على ترتيب زيارة إلى موسكو لبحث الملف السوري، عندها سيكون ملف درعا حاضراً بقوة على طاولة المباحثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وفي ضوء كل ما سبق، لا يمكن التغاضي عن التحركات الأخيرة لعدد من زعماء المنطقة والزيارات التي لا تكاد أن تتوقف يوماً واحداً، عدا عن الترتيبات المصاحبة للتحضير لقمة "دول جوار العراق"، باستثناء سوريا، سيحضرها دول عربية وأجنبية، مثل السعودية والأردن والكويت وتركيا وإيران، ودول أخرى، مثل مصر والإمارات وقطر، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. ومن المرجح أن تنحصر أهم المحاور على القضايا الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها الشرق الأوسط والتطورات الأخيرة في جنوب آسيا.
لكن المفاجئ من كل التحركات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها المنطقة، هو زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، إلى أنقرة، ولقائه بالرئيس التركي أردوغان، في أول زيارة يقوم بها شخصية رفيعة المستوى، بعد سلسلة لقاءات بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، والمكالمة الهاتفية التي جرت قبل شهور قليلة بين وزيري خارجية البلدين للتهنئة بـ"عيد الفطر".
قيل عن الزيارة؛ أنها لبحث العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ولكن كما هو معروف، الإمارات تعتبر الدولة الأولى بين دول الخليج من حيث الاستثمار داخل تركيا وبقيمة تصل 4.3 مليار دولار. وهذا ما يقودنا إلى البحث عن أسباب الزيارة والتي أتوقع أن تكون سياسية بامتياز، بسبب الزيارات المتتالية التي قام بها الشيخ طحنون مؤخراً، فمن القاهرة إلى أنقرة ثم عمّان، ولن يتوقف القطار عند هذه المحطات رغم أهميتها.
وفي اليوم نفسه الذي اجتمع فيه الرئيس التركي بالشيخ طحنون، استقبل بعد ساعات رئيس وزراء أثيوبيا "آبي أحمد" لبحث قضايا المنطقة أيضاً، و"يا محاسن الصدف".
ختاماً، الطبخة على نار هادئة تعطي للطعام لذة خاصة، ومن حق شعوب المنطقة أن يهنؤوا بالوجبة التي تحضر لهم، بعد المعاناة التي عاشوا تفاصيلها جراء النزاعات التي حدثت خلال العقد المنصرم.
ليفانت - درويش خليفة ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!