الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عامان على
عامان على تحرير عفرين من أهلها!

يصادف اليوم الأربعاء، الثامن عشر من مارس، الذكرى الثانية لاستيلاء تركيا على منطقة عفرين ذات الغالبية الكُردية في أقصى شمال غرب سوريا، والتي شنّت أنقرة هجوماً عسكرياً يعتبر الأول من نوعه عليها، من حيث ضخامة العديد والعتاد من جهة، وبتلك المواجهة العسكرية من الطرف المقابل من جهة ثانية.


ومن المعروف إنّ عفرين التي جرى تسمية عملية السيطرة العسكرية عليها بـ"غصن الزيتون"، كانت الثانية على مستوى سوريا، عقب سيطرة تركيا على الشريط الحدودي الممتد من جرابلس إلى إعزاز، والذي جرى تسمية السيطرة عليه بعملية "درع الفرات"، وتم فيها فرضيّاً طرد تنظيم داعش من تلك المناطق، وهي معلومة يشككّ بها الكُرد السوريون، الذين يأكّدون أنّ العملية كانت تستهدف منعهم من السيطرة على تلك المنطقة، عبر تسليم واستلام، وتبديل ألبسة وشعارات بين مسلحي داعش والمليشيات التابعة لأنقرة، إذ قامت القوّات التركية والمليشيات السورية الموالية لها بتمشيط مدينة جرابلس دون أي مقاومة تذكر، قبل أن تصطدم بعثرة الباب، والتي استمرت بعض الوقت إلى أن ضمنت روسيا إتمام أنقرة للصفقة بأمان فيها، إذ جرى عبرها تسليم القسم الشرقي من محافظة حلب، مقابل استيلاء تركيا على منطقة "درع الفرات" ومن ضمنها مدينة الباب في العام 2016، علماً أنّ كل تلك المناطق قد استقبلت الجيش التركي بالورد الأحمر (أقلّه أمام عدسات الكميرات)، إلا في عفرين، التي استقبلته بدماء حمراء، ضرّجت تلال المنطقة، سهولها وجبالها، بمئات الجثامين لمقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية.


وعلى عكس المناطق الأخرى، لم تكن قوات النظام السوري موجودة في عفرين، ولا تنظيم داعش الإرهابي، بل كان يسيطر على المنطقة أبناؤها الذين شكلوا إدارة من مجموعة أحزاب كُردية في غالبها، إلى جانب عشيرتين عربيتين في المنطقة، تحت مسمى "الإدارة الذاتية"، والتي جرى الإعلان عنها في بداية العام 2014، علما أنّ المنطقة كانت قد بدأت بالخضوع لسيطرة "وحدات حماية الشعب" منذ بدايات العام 2012، لكنها لم تمتلك رؤية سياسية واضحة لحل القضية الكُردية في سوريا، وآفاق لإدارة المنطقة، في ظلّ حالة الاحتراب بين النظام والمعارضة.


إلى أن وجد أهالي عفرين في مشروع "الإدارة الذاتية" فرصة سانحة لإثبات وجودهم عبر مؤسسات إدارية، عملت على تأمين مستلزمات الحياة للأهالي ورعاية المنطقة من الناحية الخدمية، رغم حالة الحصار التي كانت تفرضها عليها المليشيات ذات الطابع الراديكالي في إدلب وإعزاز، كجبهة النصرة، أو بعض مليشيات ما عرف بـ"الجيش الحر" ممن ارتبط بالجانب التركي منذ بدء الصراع المسلح في حلب، كلواء "عاصفة الشمال" وغيرها.


تحريرها من أهلها  


وتمكنت تركيا من خلال تجنيد آلاف المسلحين وربط متزعمي المليشيات معها، من إدارة ملفّ الصراع في شمال سوريا وفق ما تراه مناسبة لها، حيث يؤكد الكُرد السوريون بأنه قد جرى تحييدهم عن اللقاءات السياسية التي عقدت في مجملها في تركيا نتيجة وجود فيتو تركي عليهم، كما تمّ لاحقاً استبعادهم من مؤتمرات جنيف والأستانة وسوتشي واللجنة الدستورية، علما أنّ نسبة الكُرد في سوريا تعادل قرابة 15% من مجموع السكان، لكن لا توجد إحصاءات رسمية من قبل النظام السوري الذي ينكر وجودهم بدوره.


وعقب سنوات من الدعم العسكري المقدم لهم، ونتيجة فشل المليشيات المسلحة في شمال حلب من كسر شوكة عفرين والسيطرة على أي قرية فيها، رغم الدعم المدفعي التركي الذي رافق المسلحين في مجموعة هجمات خلال العام 2017، لم يجد الجانب التركي من بدّ، إلا بأن يتدخّل بنفسه، في سبيل منع تحول عفرين إلى أمر واقع في مستقبل سوريا ودستورها، حيث كانت تؤكد "الإدارة الذاتية" على أن لا حلّ في سوريا دون حلّ القضية الكُردية، والإقرار الدستوري بالشعب الكُردي كمكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وما يترتب عليه من تبعات قانونية تخصّ وضعهم في البلاد، إلى جانب معالجة الآثار السلبية للسياسات العنصرية التي اتّخذتها سلطات البعث السوري بحقهم على مدار عشرات السنوات، من تجريدهم من الجنسية السورية والأراضي التي كانوا يملكونها في الجزيرة السورية، وعليه جاء القرار التركي بشن هجوم عسكري في العشرين من يناير العام 2018.


وأتى الهجوم التركي المرافق بمسلحي مليشيات "الجيش  الوطني السوري" تحت ذرائع عدّة، منها محاربة "الانفصاليين" تارة و"الملاحدة" تارة أخرى، وغيرها من المبرّرات والمسوّغات التي كانت تهدف إلى حشد أكبر شريحة ممكن من التأييد، إلى جانب التذرّع بحماية الأمن القومي التركي، أو بتبعيّة "الإدارة الذاتية" لـ للنظام السوري في مرات أخرى.


وقد ردّ الكُرد السوريون و"الإدارة الذاتية" على تلك المبررات، من خلال التأكيد على كونهم يسعون إلى سوريا جديدة لامركزية، تمنح مكوناتها جميعها حقوقاً وواجبات متساوية، ما يبدو أن أنقرة لم تقبل به كما دمشق، حيث تسعى العاصمتان إلى محو الهوية القومية الكُردية وفق ما تؤكد الاحزاب الكُردية، فيما أكدت كذلك أنّ "قسد" قوات وطنية سورية تسعى لسوريا خالية من الإرهاب والاستبداد، ولسحب الذريعة الانفصالية المزعومة من الهجوم التركي، دعت "الإدارة الذاتية" النظام السوري للقيام بواجباته الوطنية ونشر جنوده على كامل حدود عفرين، لوقف الهجوم التركي، لكن النظام بدوره، لم يستجب متحججاً برغبته في إعادة كامل سلطاته إلى عفرين وحل الإدارة الذاتية، وهو ما قدّم برهاناً للكُرد بأنّ النظام مشترك في مؤامرة كبيرة على عفرين.


وتجلى ذلك لاحقاً، من خلال تسليم عفرين لتركيا، مقابل سحب تركيا مسلحيها من أرياف دمشق وحمص وحماه وغيرها، حيث تم نقلهم إلى عفرين، عقب تقدّم الجيش التركي ومسلحي المعارضة السورية فيها، واستحواذهم على المنطقة من أهلها، إذ تمّ توطين ذوي المسلحين فيها، في عملية يعتبرها أهالي عفرين بأنها أكبر عملية تغيير ديموغرافي وتهجير قسري لمكون كامل من المنطقة الأصلية التي ينتميون لها تاريخياً.


ماذا حقّقت تركيا لـ عفرين


وعقب السيطرة التركية على عفرين، أكدت مصادر عدة من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه قد جرى تهجير ما يقارب الـ350 ألف من سكانها الأصليين، فيما عاد عقب السيطرة التركي على المنطقة عشرات الآلاف، لكنهم تعرضوا لتنكيل واسع من قبل المسلحين، أجبر غالبيتهم على إعادة الفرار من عفرين باتجاه حلب أو مناطق شرق الفرات.


وفي السياق، يتناقل نشطاء من عفرين أو ممن يقيمون خارجها وينقلون أخبارها، أنباءً متواصلة عن عمليات خطف وسرقة ونهب واستيلاء على الممتلكات الخاصة بحجج وذرائع مختلفة، فيما تصف مواقع إعلامية يديرها أبناء المنطقة بأن الهدف الأساسي لتركيا حالياً هو نقل جميع النازحين من باقي المناطق السورية وآخرها إدلب إلى عفرين، بغية توطينهم فيها، ومحو معالم المنطقة الكُردية، وإفقادها الأثر والتراث والثقافة الأصيلة للمنطقة، كمناطق أخرى لم يبقى من كرديتها إلا اسمها كما هو الحال في جبل الأكراد في اللاذقية، أو الأحياء الكُردية في دمشق، والتي طمست هويتها الأثنية إلى حد بعيد.


وفي الوقت الذي يعتبر فيه المسلحون الذين ساهموا مع تركيا في السيطرة على عفرين هجومهم العسكري تحريراً للمنطقة، يخالفهم أبناء المنطقة الموقف، حيث لا يزال عشرات الآلاف مقيمين في مخيمات بمناطق تل رفعت وشمال حلب، على مرمى حجر من أرضهم، لكن دون أن يكون لهم الحق في العودة إليها، بذريعة موالاتهم لـ "وحدات حماية الشعب"، وعليه، لا يبدو أنّ الحال في عفرين قد اختلفت عن غيرها من المناطق السورية رغم جهودها على مدار سبع سنوات للوقوف على الحياد وعدم الانخراط في سفك الدماء.


لكن يبقى أنّ الكثير من المناطق السورية الأخرى قد تجرّعت من كأس ظلم واحد من أحد قطبي الصراع في (المعارضة أو الموالاة)، فيما تجرعت "عفرين" ثلاث كؤوس من (النظام والمعارضة وأنقرة) معاً. ورغم ذلك، لا يبدو أنّ أمل العودة يفارق أهالي عفرين، إذ لا تزال عيونهم ترنو نحو أرضهم، كقبلتهم الخاصة التي لا يحيدون عنها.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة ليفانت

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!