-
سوريا.. العدالة المفقودة
الوضع السياسي في سوريا معقد، لكن الأخطر هو الوضع الإنساني المتردّي الذي تأثر بالأوضاع السياسية. إن عدم محاسبة النظام السوري على جرائمه قد سمح له بارتكاب العديد من المجازر وحتى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
تم اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2118 في 27 سبتمبر 2013 بالإجماع، المتعلق بنزع الأسلحة الكيميائية السورية. نزع السلاح الكيماوي بدون معاقبة المجرم وكأننا نأخذ السيف من القاتل ونسمح له باستخدام السكين، يعني السلاح التقليدي كالبراميل المتفجرة. المشكلة في النظام الإجرامي وليس في السلاح بحد ذاته، في الفكر الإجرامي، والسبب في ذلك هو الغطاء الروسي للحكومة السورية الذي سمح فقط بتمرير قرار نزع الأسلحة الكيماوية دون السماح بمحاسبة النظام الإجرامي.
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2139 بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وحمل القرار السلطات السورية المسؤولية عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وعن ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة، وهناك إشارة إلى العقوبات في حال عدم تنفيذ القرار، لكن لم ينفذ من هذه العقوبات شيء رغم مماطلة النظام وتسييسه للعمل الإنساني، والسبب هو الضغط السياسي الروسي والغطاء الروسي للنظام السوري الذي يمنح القاتل حصانة دولية.
تم تبني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بالإجماع بشأن وقف إطلاق النار والتسوية السياسية للوضع في سوريا. كان قراره مفتاح الحل السياسي في سوريا، وفقاً لرؤية هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة تشرف على دستور البلاد وتشرف على إجراء الانتخابات. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ القرار حتى الآن لأن النظام السوري يماطل في التنفيذ، ولا توجد عقوبات مباشرة من مجلس الأمن على هذا النظام.
قرارات الأمم المتحدة وعدم فعاليتها بسبب الموقف الروسي تجعل التأثير المباشر للقانون الدولي والسياسة الدولية سلبياً، حيث لم يتم إحالة القضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتم تسيس العمل الإنساني في سوريا بسبب قرارات مجلس الأمن غير الفعالة.
لأن الوضع في سوريا معقد سياسياً، ولا يوجد حل سريع للأزمة السورية، على المجتمع الدولي محاولة اتخاذ الإجراءات التالية لوقف المعاناة اليومية للشعب السوري.
دعوة مجلس الأمن لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، المحكمة الجنائية الدولية هي الأقدر على مقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات بشكل فعال ويمكن أن تكون بمثابة مرجع أساسي لنظام العدالة الوطني على المدى الطويل، ورفض أي جهد لمنح الحصانة للأفراد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، لا العدالة ولا السلام بدون مساءلة.
دعم جهود توثيق الجرائم المرتكبة من قبل خبراء محايدين، بما في ذلك الحفاظ على الأدلة المحتملة التي يمكن استخدامها في المحاسبة المستقبلية. يجب التحقيق مع الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة ومقاضاتهم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
من الناحية السياسية، دعم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات للإشراف على صياغة دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية. ينبغي للمجتمع الدولي أن يشجع أطراف النزاع وأولئك الذين لم يشاركوا في جرائم ضد الإنسانية على بناء مجتمع جديد وإحلال السلام في البلاد. إن تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن القضية السورية ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب هو ضمان لسوريا المستقبل الحرة الديمقراطية.
في الختام، إن المحكمة الجنائية الدولية مختصّة موضوعياً بالجرائم المرتكبة في سوريا. إن عرض ملفات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا على محكمة الجنايات يبعث برسالة قوية إلى جميع الأطراف، مفادها أن ارتكاب الجرائم الجسيمة لن يتم التسامح معها وستكون لها عواقب وخيمة، وسيسهم في رفع معاناة الشعب السوري والجرائم المرتكبة ضده وتعزيز عملية السلام في سوريا.
العقبة التي تمنع من إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، أولاً، أن سوريا ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، والعقبة الأخرى، أن الإحالة وفق البند السابع عبر مجلس الأمن سوف تصطدم بالفيتو الصيني الروسي، والذي استخدم سابقاً عدة مرات، الخرق الذي حصل لصالح الشعب السوري هو القرار الذي صدر من المحاكم الألمانية وفق الولاية القانونية الدولية في محاكمة الضابط أنور رسلان الذي كان يخدم في فرع الخطيب بدمشق، والتي تعتبر إدانة ضد النظام بأكمله، وليس لشخص أنور رسلان، باعتبار، كما فصلت آنفاً، الجرائم ضد الإنسانية تتم بشكل جماعي وفق مسؤولية المرؤوس، والرئيس بشار الأسد شريك في حكم الإدانة.
أظهر ما حدث في البلقان أو غرب إفريقيا أن الإدانات الجنائية لكبار السياسيين والعسكريين وقادة المتمردين أثناء الصراع يمكن أن تعزز جهود السلام من خلال نزع الشرعية عن أولئك الذين يقفون في طريق حل النزاع وتهميشهم ومنع سياسة الإفلات من العقاب.
الوصول إلى اتفاق عبر القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا ودعم عملية السلام في سوريا عبر تنفيذ القرار 2254، والعدالة الانتقالية هي من تحقق العدالة المفقودة في سوريا.
ليفانت - محيي الدين وحيد لالا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!