الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
حصاد 2019, هلوسات حول الحرية
باسل كويفي

حق الحياة والعيش الكريم والرغبة في التغيير، هي العناوين الرئيسيّة للحركات الشعبية العديدة عام 2019.


إن منطقتنا الأوسطية تمر بأصعب مرحلة من المشاكل والتحدّيات على المستويين الداخلي والإقليمي، تتطلب التعامل 


مع سلبيّات الواقع والعمل لإيجاد بدائل إيجابيّة للخروج من (المآزق) عبر تحديد جملة مفاهيم مرتبطة بالهويّة والانتماء والمواطنة والمساواة وبدور الدّين في المجتمع، والعلاقة بين حرّية الوطن وحرّية مواطنيه، والتحديد الواضح والدقيق لمفاهيم وطنية بعيداً عن المصالح الفئوية أو الحزبية أو القومية. 


مشاكلنا في منطقتنا متشابهة وتتجسد بمعظمها في الإصلاح السياسي والتشاركية ومعالجة التخلّف الاجتماعي والركود الاقتصادي (الحد من الجهل والفقر) والجمود الثقافي، لتحقيق العدالة والكرامة والمساواة بغية الحفاظ على الوحدة الوطنية ونسيجها الاجتماعي، ومواجهة تحديات السلام والاستقرار في ظل الصراع مع الاحتلال الإسرائيليّ وتحجيم التدخلات الإقليمية والدولية في حرب المصالح المتصارعة في منطقتنا الأوسطية، ما نحتاجه اليوم عملية تزاوج ما بين الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية و حوار أمني إقليمي بتوافق دولي.


لقد لخّص الجنرال مارك أ. ميلي  أهداف استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط  امام الكونغرس وهي :


"‏شرق أوسط مستقر وآمن، وليس ملاذا آمناً وتربة خصبة للمتطرفين العنيفين، ولا تسيطر عليه أمة معادية للولايات المتحدة،  ويساهم في استقرار سوق الطاقة العالمي".


وأضاف معاون وزير الخارجية الأمريكية شنكر قائلاً: "على الرغم أننا حققنا نجاحات على مدار العام 2019 نتيجة لسياسات الإدارة، إلا أننا ندرك أنه ثمة تحديات، ويشمل ذلك نفوذ إيران الخبيث المستمر في المنطقة والعالم. وسنشهد في العام 2020 زيادة في الجهود الأمريكية لمكافحة التدخل الروسي والابتزاز الصيني في المنطقة". ولعل هذه التصريحات والتحديات قد تفتح الباب واسعاً لسباق التسلّح وعودة الحرب الباردة بارتداداتها السلبية على الأمن والسلام العالمي.


قد يكون الرد الإيجابي لسياسة التدخلات عبر مشروع وطني يضمن طبيعة وآليات تعزيز صياغة عقد المصالح الوطنية وبناء الرؤية المشتركة بين كافة المكونات، مع إجراء مراجعة جديّة لتراكمات عقود من الانتكاس السياسي والاقتصادي والتمزق الاجتماعي، للوصول إلى بناء هوية وطنية جامعة عابرة للهوُيات الخاصة، مع اليقين بالتنوع السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري والمجتمعي، بما يشكل ثقافة فكرية تخدم مفهوم الدولة الوطنية القوية وتسعى لخدمة المجتمع وفق مفهوم العدالة والمواطنة والديموقراطية التشاركية، مع ضرورة تلازم مسارات الحرّية السياسية والحرّية الاجتماعية، وكذلك الرؤية النظرية والعملية الواقعية وآليات التنفيذ  التي من شأنها تحقيق الأهداف والغايات والتغيير عبر تعاملنا مع الآخر.


‏إن ⁧الفساد⁩ ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان (من دوافع الحراك الشعبي) فالفساد يُقوّض المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي ويهدم أركان المجتمعات والدولة ويؤدي إلى تهجير الخبرات والكفاءات. وإن العمل في المرحلة القادمة الذي أساسه التغيير يجب أن ينصب على مكافحته وتعزيز التشاركية الوطنية وإطلاق المبادرات واستقطاب الطاقات لإعادة بناء الدولة الوطنية (التي تنبذ الطائفية وتواجه الإرهاب وتقوم على الحكم الرشيد) وتعزيز مقوماتها، بإصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية وجريئة وواسعة لتلبية طموحات الشباب والمرأة الذين تزيد نسبتهم عن 60 % من السكان.


من جهة أخرى ، أكدت روسيا وتركيا وإيران خلال بيانهم الختامي للجولة الـ14 من مباحثات آستانا، على أهمية الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مشددين على رفضهم لمحاولات خلق واقع جديد، بما في ذلك مبادرات “حكم ذاتي” غير مشروعة، بذريعة مكافحة الإرهاب.


وجددوا التزام ضامني “أستانا” بعملية سياسية طويلة الأمد وقابلة للحياة، يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، مشيرين في هذا الصدد إلى أهمية انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وأكدوا أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الإفراج عن المعتقلين، وزيادة المساعدة الإنسانية لجميع المواطنين السوريين على كافة أراضي البلاد دون تمييز وتسييس وتقديم مساعدة دولية لعملية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم .


في نفس الوقت يبدو ان اللجنة الدستورية الوليدة 2019 واجتماعاتها في جنيف بعد ولادة عسيرة أصابتها حالة الستاتيكو السورية، بالرغم من جهود المبعوث الدولي بيدرسون لتسوية الخلافات وسط اتهامات متبادلة بين أطرافها السوريين وداعميهم، مما ينذر  بعواقب قد يصعب تداركها نتيجة عدم قدرة السوريين على إيجاد صيغة جامعة مشتركة يتم التعامل بها للوصول إلى سلام مستدام في سورية استناداً الى القرار الأممي 2254. 


على صعيد آخر في منطقتنا الأوسطية هذا العام 2019، تمكّن السودان الشقيق من تشكيل حكومته الأولى تلبية لمطالب الحراك الشعبية، وكلنا أمل أن يحذو لبنان والعراق بنهج سلمي ديموقراطي تشاركي لتشكيل حكوماتهم متجاوزين بعض الأجندات التي تسعى للفوضى بما يوفر للإقليم الاستقرار والسلام والتقدم.


أما في ليبيا واليمن، فالمخاوف تزداد من التقسيم في ظل الحرب والصراع الدموي المدعوم إقليمياً ودولياً، لتصبح اليمن الجنوبي والشمالي وليبيا شرقاً وغرباً.


فيما أثمرت الانتخابات الرئاسية في تونس عن فوز الرئيس قيس سعيّد، وفِي الجزائر عن فوز الرئيس عبد المجيد تبون،    


وسط انتخابات تنافسية ديموقراطية ونجاح مرشحيّن مستقليّن، بما يشير إلى استجابة للحراك الشعبي الوطني في البلدين وسياسات جديدة وفق تصريحات الرئيسين بهذا الخصوص فحواها، "ملتزمون بالتغيير، وقادرون عليه".  


على الصعيد الداخلي ...


‏في ظل المستقبل الأفضل والتغيير الذي نتطلع إليه، نحتاج أيضاً أن نتغير، في تعاملنا مع بعضنا، في نظرتنا للوطن، في الاختلاف والتعدد ما يميّزنا وتزهو به حضارتنا التي امتدت عبر التاريخ بالوطنية السورية الخالصة.


نزاهة القضاء واستقلاليته وعدم تسييسه والفصل بين السلطات أولوية في دولة المواطنة والقانون والدموقراطية، تتم عبر مراحل أهمها أتمتة القضاء، للحد بما يتجاوز ٧٠٪؜  من الفساد في الجسم القضائي، وتتيح خلق فضاء أوسع للشفافية ولاتخاذ قرارات أصوب، مع الإشارة إلى ضرورة تحديث القوانين لمؤامتها مع الدستور والحداثة، وتحسين  مستويات الدخل للقضاة والعاملين في هذه الهيئة لمحاسبتهم في حال الإخلال بذلك.


تغيير وإصلاح السياسات (الاقتصادية - الاجتماعية) ضرورة ملحة مع استحداث آليات لتسهيل تسوية الديون المتعثرة المالية والبنكية وإلغائها عند الضرورة وخصوصاً للمنشآت التي تعرضت للدمار، ومن المفيد في هذا الشأن أيضاً زيادة الشفافية بشأن الديون المتعثرة ومنح قروض جديدة لإعادة تدوير الانتاج المحلي والعجلة الاقتصادية والتعامل مع المستجدات التي فرضتها الحرب عبر تعديل قانون المحاكم التجارية والمصرفية بإلغاء إدراج منع السفر، وللحد من تأثير الحصار والعقوبات الجائرة بما فيها قانون سيزر الفريد.


نحتاج إلى مشروع فكري نهضوي متكامل يقوم على التلازم والترابط بين شعارات الديمقراطية والتحرّر الوطني والعدل الاجتماعي. وبتوفّر هذا المشروع، والمؤسّسات والأفراد العاملين من أجله، يمكن بناء مستقبل أفضل للأوطان وللشعوب معاً.


كل عام وأنتم بخير ، 


سورية للجميع ... وفوق الجميع ...


وإلى لقاء آخر ...


المهندس باسل كويفي 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!