الوضع المظلم
الإثنين ٢٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الساحل السوري وكالة حصريّة لروسيا
عبدالسلام حاج بكري

في خطوة متوقعة، بل منتظرة، حصلت رغم تأخرها، أصدر النظام السوري قراراً بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمدعو أيمن جابر، رجل إيران القويّ في اللاذقية.


القرار في ظاهره جاء لتحصيل أموال متراكمة للدولة السورية من جابر، لكنه في حقيقة الأمر كان بتراً لذراع إيرانية طويلة في الساحل السوري، لا تريد لها روسيا الاستمرار بنفوذها في منطقة تعتبرها منطقة نفوذ يجب أن تكون خالصة لها.


تشدّد روسيا الخناق المالي على رأس النظام السوري من خلال مطالبته بتسديد ديون متراكمة، ونظراً لفراغ خزينته، بعدما أنهكتها الحرب والعقوبات الاقتصادية، لجأ بشار الأسد إلى مصادرة أموال عدد من كبار رجال الأعمال ومنهم طريف الأخرس قريب الأسد من طرف زوجته، فيما لم يتم التأكد حتى الآن من صدقية قرار الحجز على أموال خازنه الرئيسي وابن خاله رامي مخلوف، بعدما شكك مختصون بصحة القرار المتداول حول ذلك، ولعل تشديد روسيا يستهدف الضغط على النظام للانصياع لها كليّاً والحدّ من نفوذ إيران في مفاصله.


وتختلف قرارات الحجز المالي على رجال الأعمال السابقين عن القرار الصادر بحق أيمن جابر، لأن جابر اختص بالدعم العسكري، ولا يصنّف في خانة كبار رجال المال، بل النفوذ، ويرجح أن روسيا وجدت من المناسب وقف تعاونه مع إيران بقصف حميميم بطريقة رسمية لا يظهر دورها فيها، حتى لا يطفو صراع النفوذ مع إيران إلى السطح، لأن مصالحهما المشتركة في سورية وحاجة الطرفين للتعاون في استكمال الحرب على السوريين لمّا تنتهي بعد.


كانت شبكة إعلام اللاذقية المعارضة نشرت في وقت سابق موضوعاً يشير إلى مسؤولية أيمن جابر عن استهداف القاعدة الجوية الروسية في حميميم بالطيران المسيّر، وفقاً لمصادرها التي أشارت إلى أن روسيا تعرف تلك الحقيقة، وعلى هذا، كان من المتوقع أن تتم معاقبته على أعماله العدائية تجاهها، ويتحوّل الاحتمال يقينا إذا ما عرفنا أن جابر لم ينفذ الهجمات على مطار حميميم بقرار من ذاته، بل بتوجيهات إيرانية بهدف تحفيز روسيا على الاستمرار باستهداف فصائل المعارضة باعتبارها المتهم "المفترض" بتنفيذ الهجمات على قاعدتها.


الدلائل تشير إلى أن الضغط الروسي على بشار الأسد شخصياً هو ما أدى لإصدار هذا القرار، رغم أنه جاء بتوقيع المديرية العامة للجمارك، لأن أيمن جابر صهر عائلة الأسد، وأحد أهم داعمي الأسد في حربه المزعومة "على الإرهاب"، لم يكن من السهل تمرير قرار الحجز على أمواله، واحتاج الأمر من روسيا وقتاً ودلائل على دوره في استهداف القاعدة الجوية في حميميم.


حرب خفيّة تدور رحاها في الساحل السوري بين إيران وروسيا، يسعى من خلالها الطرفان لتعزيز نفوذهما في المنطقة، كل منهما على حساب الآخر وعلى حساب النظام.


لا شك أن روسيا باتت هي صاحبة الكلمة العليا في الساحل، وستبقى هكذا طويلاً، بعدما نجحت باستئجار مطار حميميم لمدة خمسين عاما وحوّلته إلى قاعدة جوية خاصة بها، ومنعت طيران الأسد المروحي من الانطلاق منه لإلقاء البراميل المتفجرة كما كان في السابق، وفرضت على النظام تأجيرها ميناء طرطوس لفترة زمنية مماثلة وجعلت القسم الأكبر منه قاعدة بحرية لسفنها الحربية والتجارية، وفي الوقت ذاته تدير الميناء التجاري وتتحكّم بحركة الملاحة فيه.


وعززت وجودها العسكري في الساحل من خلال إقامة منشآت رياضية ودينية ومحلات تجارية ومطاعم خاصة بجنودها وأسرهم، بعبارة أخرى، أقامت بنى تحتية شبه متكاملة، بما يثبت أنها تخطط لبقاء طويل الأمد، ولن تسمح بمن يشاركها النفوذ.


وقبل أسابيع فرضت روسيا على النظام إلغاء اتفاقية وقعها مع إيران لإقامة محطة لتوليد الكهرباء على الطرف الشمالي لمدينة اللاذقية، كي لا تسمح بنفوذ إيراني من أي نوع في هذه المنطقة.


ولكن، هل ستكتفي روسيا بالحجز على أموال أيمن جابر أم أنها ستعاقبه بالمزيد، لا سيما أن ما فعله معها يعتبر كبيراً وخطيراً تجاوز كل الخطوط الحمراء، وهل ستنسى لإيران جريمتها بقصف حميميم؟

غالباً سينتهي دور أيمن جابر في سورية، ويغيب عن المشهد تماماً، وقد سبق لروسيا أن وجّهت له إنذاراً غير مباشر، لكنه شديد اللهجة تمثّل باستدعائه لأكثر من فرع أمني واستجوابه حول تجاوزات شتى.


أما فيما يخصّ إيران، فإن روسيا تزوّد إسرائيل بمواقع ميليشياتها لتقوم تلك باستهدافها بين فينة والأخرى، ويرجح ضلوع روسيا باستهداف مقرات الحرس الثوري الإيراني في دير الزور مرات عدة، وتعمدّها ضرب الميليشيات الإيرانية خلال معارك إدلب الأخيرة وغيرها من المعارك السابقة، وادّعاء حدوث ذلك عن طريق الخطأ، كل ذلك انتقاماً على تطاول إيران على القاعدة الروسية في حميميم.


في التعريف، أيمن جابر أحدث ضحايا روسيا في الساحل هو شبيح عتيق، رافق فواز الأسد منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وشاركه تهريب المخدرات والسلاح والأدوات الكهربائية وتجارة الفحم الرائجة، وتقرّب من آل الأسد أكثر من خلال الزواج بإحدى قريبات الرئيس، وهذا عزز نفوذه فاستلم إدارة مرفأ اللاذقية لسنوات، وأنشأ العديد من الشركات التجارية وسيطر على تجارة الحديد في سوريا.


ومع بداية حرب الأسد على السوريين تولّى تزويد مروحياته بالبراميل المتفجرة التي يصنعها في معامل الحديد التي يملكها في اللاذقية وحمص وحماة، وأنشأ ميليشيات صقور الصحراء، ودعم غيرها من الميليشيات لتشترك في قتل السوريين المطالبين بالعدالة والحرية.


حرب الآخرين على أرضنا مستمرة حتى يتفق الأفرقاء على تفاصيل النفوذ والمكاسب، وهذا مرتبط ببقاء بشار الأسد على رأس هرم النظام حتى إنجاز التقاسم، وعند استكمال ذلك سيكون بديله المشابه للأسف جاهزاً.


صحفي سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!