الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بيانا الحكومة المؤقتة والائتلاف يوحيان بعدم التعاون مع المؤسسة الدولية المعنية بالمفقودين

بيانا الحكومة المؤقتة والائتلاف يوحيان بعدم التعاون مع المؤسسة الدولية المعنية بالمفقودين
رياض علي

بتاريخ 29 حزيران 2023، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤسسة هي الأولى من نوعها، خلال سنوات الصراع المستمر في سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن، وقد صوت لصالح إنشاء هذه المؤسسة 83 دولة مقابل رفض 11 دولة وامتناع 62 عن التصويت، وتهدف إلى الكشف عن مصير وأماكن وجود جميع المفقودين والمختفين قسرياً في سوريا وتقديم الدعم الكافي للضحايا والناجين.

ومع أن إنشاء هذه المؤسسة يمنح بعض الأمل لعائلات المفقودين والمختفين قسراً خلال الصراع، ومن قبل مختلف أطرافه، وعلى رأسهم النظام السوري الذي استخدم الاختفاء القسري كسلاح لترهيب معارضيه، ووسيلة لابتزاز أهالي الضحايا واستجرار الأموال منهم، إلا أنه وبنفس الوقت، فإن امتناع هذه العدد الكبير من الدول عن التصويت لصالح القرار، خيَّبَ آمال الكثير من المدافعين عن حقوق الانسان، وأعطى إشارة تدعو للتفكير ملياً والبحث عن الأسباب التي تدعو إلى عدم مناصرة هذا العدد الكبير من الدول "المتحضرة" لإحداث مؤسسة هدفها فقط الكشف عن مصير المختفين قسرياً، وطمأنة أهاليهم وأحبابهم بالنسبة للأحياء، وتسليم جثث المتوفين لأهاليهم، أو إرشادهم لأماكن دفنهم.

ومع أنه من المتوقع أن يكون النظام السوري ومؤيدوه من أشد المعارضين لإحداث هذه المؤسسة، كونه من أكثر الأطراف المتورطة بهذه الجريمة البشعة "الاختفاء القسري"، إلا أنه من غير المقبول أن تأتي مؤسسات تزعم معارضتها لنظام الأسد، كالحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ببيانات تهدف إلى تحجيم دور هذه المؤسسة، وإعطاء صورة مشوهة عنها، وهي إيهام الآخرين بأن نطاق عمل هذه المؤسسة ينحصر فقط بالكشف عن مصير المختفين في سجون ومراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري والميليشيات التابعة أو المؤيدة له، ونرى أن هذا الموقف لا يقلّ خطورة عن موقف النظام السوري، فالتركيز فقط على كشف مصير المفقودين والمختفين من قبل ميليشيات الأسد، وإهمال مصير باقي المفقودين والمختفين على أيدي سلطات الأمر الواقع والميليشيات التابعة لها، وفي مختلف المناطق السورية، يؤكد على أن هدف الحكومة المؤقتة والائتلاف ليس معرفة مصير المفقودين، وإنهاء معاناتهم ومعاناة أهاليهم، وإنما هو فقط استثمار هذا الأمر سياسياً، وتسجيل نقطة على النظام السوري لا أكثر، ومحاولة يائسة لتبرئة ساحتها من أعمال الخطف والإخفاء القسري التي تقوم بها فصائل الجيش الوطني التابعة للمؤسستين المذكورتين، في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتستر على الجريمة أو محاولة إخفائها هي جريمة بحد ذاتها.

فالحكومة المؤقتة تجاهلت مصير المفقودين لدى فصائلها العسكرية كالحمزات والعمشات والسلطان مراد وغيرهم، وركزت فقط على أولئك المعتقلين والمفقودين من قبل نظام الأسد، حيث ذكرت في بيانها رقم 29 الصادر في اليوم التالي لإنشاء المؤسسة الدولية: "إننا في الحكومة المؤقتة نرحب بإنشاء هذه المؤسسة الدولية، ونعتبر أنها خطوة هامة في إلزام النظام المجرم بالكشف عن مصير المختفين قسرياً والعمل الجاد على إطلاق سراحهم ووقف عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري"، كما أن الائتلاف الوطني السوري أكد في بيانه الصحفي "بعد تثمين القرار عالياً"  على "تعاونه ودعمه الكامل لأي جهد يصب في إطلاق سراح المعتقلين السوريين والمختفين قسراً في سجون نظام الأسد"، كما حضَّ على ضرورة "أن تكون هناك آلية رادعة تلزم نظام الأسد بالتعاون مع المؤسسة المعنية بالمفقودين".

إذاً، وكما قلنا أعلاه، فإن الحكومة المؤقتة والائتلاف تجاهلتا عمداً الإشارة إلى حالات الاختفاء القسري المنسوبة إلى الفصائل والميليشيات التابعة للمؤسستين المذكورتين، مع أنه وفي أكثر من مناسبة أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، على تورّط فصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا في ارتكاب الكثير من الانتهاكات، ومنها الاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري، وقد يكون من المفيد هنا التذكير بحادثة الإخفاء القسري لعشر نساء كرديات على الأقل في أحد مراكز الاعتقال التابعة لفرقة الحمزات، التابعة للجيش الوطني السوري، واللواتي تم الكشف عن مكان اعتقالهن بمحض الصدفة، حين قام أشخاص غاضبون باقتحام مقر الفصيل المذكور في مدينة عفرين بتاريخ 28 أيار 2020، على خلفية اعتداء نفذه عدد من عناصر الفصيل على أحد المحال التجارية، وهو ما تسبب بمقتل وجرح ما لا يقل عن خمسة مدنيين، ليتم العثور على المعتقلات مع طفل رضيع كانت إحداهن قد أنجبته خلال فترة اعتقالها، وبعدها تم تسليم المعتقلات المذكورات إلى الشرطة العسكرية التابعة أيضاً للجيش الوطني، وبعد فترة قام الأخير بتسليمهن مجدداً إلى فرقة الحمزات.

والمحاولات اليائسة لمؤسستي الائتلاف والحكومة المؤقتة في تحريف الحقائق ولفت الأنظار إلى أن اهتمام المؤسسة ينصب فقط على أولئك المختفين قسرياً من قبل النظام السوري، تتناقض تماماً مع ما ورد في قرار إحداث المؤسسة، موضوع هذه الأسطر، لأن القرار نصَّ على ضرورة "الكشف عن مصيرين المفقودين في سوريا"، أي سوريا بكامل جغرافيتها وليست فقط تلك المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إلا إذا كانت الحكومة المؤقتة والائتلاف تعتبران المناطق الخاضعة للجيش الوطني السوري المدعوم من الاحتلال التركي، ليست سوريا؟ كما دعا القرار "جميع الدول وكذلك جميع أطراف النزاع السوري إلى التعاون الكلي مع المؤسسة"، ولا يمكن لعاقل أن يدعي بأن النظام السوري هو المستهدف الوحيد بهذا القرار، ويستثني فصائل الجيش الوطني من بين تلك الأطراف، وإذا كان الأمر كذلك لما أتت كلمة أطراف النزاع بصيغة الجمع.

قصارى القول، إن المؤسسة المُحدَثة من قبل الأمم المتحدة، ستعمل بهدف الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً في سوريا ككل، ومن قبل جميع أطراف النزاع وسلطات الأمر الواقع والميليشيات التابعة لها، بما فيها فصائل الجيش الوطني السوري، وعلى الحكومة المؤقتة والائتلاف توجيه تلك الفصائل، بالتعاون الجدي مع المؤسسة والكشف عن مصير المفقودين وبيان أماكن الاعتقال السرية التابعة لها، ولا سيما أن هذا الأمر قد تم التأكيد عليه من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة، وفي أكثر من تقرير، والتوقف عن التستر على الجرائم التي ترتكبها تلك الفصائل، كما فعلت سابقاً، عندما انتقدت التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة خلال شهر أيلول لعام 2020، والذي أكد على ارتكاب فصائل الجيش الوطني السوري لانتهاكات وجرائم بحق سكان وأهالي المنطقة، حيث اعتبرت الحكومة المؤقتة هذا التقرير "متحيزاً ويتضمن افتراءات وأكاذيب سياسية مصاغة بلغة تحمل عداءً كبيراً للثورة السورية"، وعلى المؤسسات التي تدّعي تمثيل الثورة السورية الظهور بمظهر المدافع عن السوريين المظلومين، وعلى رأسهم المغيبين قسريا، بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم، وليس فقط أولئك المغيبين من قبل النظام السوري وأزلامه.

والسؤال الذي ينتظر الإجابة في الأيام القادمة، وعندما تباشر المؤسسة عملها، هل ستتعاون الحكومة المؤقتة والائتلاف معها في الكشف عن مصير المفقودين لدى الفصائل التابعة لهما، أم أنهما ستعتبران هذه المؤسسة أيضاً "متحيزة ولا ضرورة للتعاون معها" خاصة إن صدر عنها ما يشير الى تورط تلك الفصائل في عمليات الخطف والاختفاء القسري؟ لننتظر ونرى.  

ليفانت - رياض علي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!