الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بوابة دمشق الجديدة.. ماذا تريد الأردن من الأسد؟
محمد محمود بشار
البوابات التي تمر منها الحلول الإسعافية مهمة جداً لمعالجة الأزمات اليومية الناجمة عن الحروب المستمرّة منذ عقد من الزمن في سوريا.

الرئيس السوري بشار الأسد لا يثق في حلفائه إلى اللانهاية، فلكل ثقة حدودها التي ترتسم عند مصالح كل دولة أو قوة حليفة بالنسبة لدمشق. ولأنّ تلك المصالح هي التي تحكم على قرارات حلفاء دمشق، ما زالت لحدّ الآن الحدود السورية مع دول الجوار إما مغلقة أو مرهونة بصفقة يعقدها الحليف مع الجار من دون المرور بدمشق كعاصمة سابقة للقرار السياسي والسيادي في سوريا.

سوريا الآن هي بلد العواصم المتعددة، فعلى سبيل المثال (حميميم) الآن هي إحدى أهم العواصم السورية، حيث التواجد العسكري الروسي الضخم وتحول هذه القاعدة العسكرية إلى ملتقى دبلوماسي مهم، وعندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوريا، لم يتجه إلى دمشق، بل كانت النقطة الأولى التي وطأت قدماه فيها هي حميميم، وكان الأسد موجوداً في الصف الثاني لمستقبلي بوتين، حيث كان الصف الأول يتكون من الضباط الروس رفيعي المستوى.

العاصمة الأخرى هي بلدة (عين عيسى)، وهي التي اتّخذتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عاصمة لها، وعلى الرغم من صغرها فهي تشكل مركزاً رمزياً لاتخاذ القرارات لقوات سوريا الديمقراطية، وهي أهم حليف للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.

وإحدى العواصم هي مدينة جرابلس الواقعة تحت سلطة الجيش التركي الذي قام بشنّ ثلاثة عمليات عسكرية كبيرة احتلّ من خلالها العديد من المدن والبلدات السورية المتاخمة للحدود التركية، وذلك تحت مسميات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام). ومدينة جرابلس لها رمزيتها وأهميتها بالنسبة للدولة التركية في عدوانها على الأراضي السورية، فهي أول مدينة احتلّتها تركيا في سوريا وذلك من دون حرب، فانتقلت المدينة من حكم داعش إلى حكم الأتراك.

أما (التنف) فهي دولة ضمن دولة، هي الدولة الأكثر سرية وغموضاً على مستوى كافة المناطق السورية، حيث التواجد الأمريكي المكثّف مع قوة عسكرية محلية غير واضحة المعالم بالنسبة لأغلبية السوريين وتلك القوى تطلق على نفسها اسم (مغاوير الثورة).

يحاول الرئيس السوري الآن إعادة ضخ الحياة إلى شرايين دمشق وإنعاشها كعاصمة لها ثقلها السيادي واستقلاليتها في القرار، وذلك من خلال التوجّه إلى العمق العربي من دون وصاية روسية أو إيرانية.

وبالنسبة للحدود المحيطة بسوريا، فإنّ الأردن هو أفضل حلّ إسعافي أمام دمشق لحلحلة بعض الأمور الآنية المستعجلة، وكذلك هو الطريق الذي سيعيد دمشق إلى عمقها العربي، وبنفس الوقت فإنّ دمشق ترى في عمان الجسر الأكثر متانة للتواصل مع مراكز صنع القرار في الغرب، لما للأردن من مكانة مميزة في شبكة العلاقات الدولية.

الحدود السورية التركية بشكل شبه كامل هي خارج سيطرة دمشق، حيث تدير الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أغلبية المدن والبلدات الحدودية في الشمال الشرقي، وتحتلّ تركيا ما تبقى من مدن وقصبات حدودية.

والحدود العراقية كذلك القسم الأكثر أهمية منها تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تدعمها واشنطن، للحفاظ على مصادر النفط والطاقة في سوريا، وبالتالي لتستطيع الاستمرار في حربها ضد داعش.

أما القسم الآخر من الحدود العراقية السورية يقع تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية، والتي جعلت من تلك الحدود بوابة لتمدّد النفوذ الإيراني في الدول العربية، وخاصة في سوريا والعراق ولبنان.

بالنسبة للحدود اللبنانية المتاخمة للحدود السورية، هي أيضاً من الناحية العملية تقع تحت سيطرة حزب الله، أي أنّ الدولة اللبنانية لا حول لها ولا قوة في إدارة المعابر الحدودية مع سوريا، وبالتالي لا يمكن لدمشق أن تعتمد على تلك الحدود عندما تتعامل كدولة مع الأمر.

الحدود الاسرائيلية هي شبه مغلقة منذ عقود، وخاصة في منطقة الجولان والقنيطرة، ودمشق لا تجرؤ حتى على التفكير في فتح هذه الحدود نظراً لحساسية العلاقة مع إسرائيل.

بقي أمام دمشق الحدود الأردنية، فهذه الحدود تحت سيطرة المملكة الأردنية بشكل كامل، والأردن هي الدولة الوحيدة من بين دول الجوار السوري التي لم تستخدم هذه الحدود لقضم أراضٍ سورية وتقوية نفوذها داخل سوريا، بالعكس تماماً، حيث دعا العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في آخر زيارة له لواشنطن، وأثناء لقائه مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تطبيع العلاقات مع دمشق.

الخطوة الأولى في عملية التطبيع استمدّت شرعيتها من حلّ أزمة المحروقات في لبنان وإيصال الغاز إلى لبنان عبر خط غاز يربط عدة دول عربية ويمر من الأردن إلى سوريا ليصل إلى لبنان، ومن ثم تطورت العلاقة بين عمان ودمشق لعقد اتفاقيات جديدة وفتح الحدود واستقبال الوفود الرسمية بين البلدين.

ولكن يبقى الأردن حليفاً مهماً للولايات المتحدة الأمريكية، وخيوط هذه الاستراتيجية الأردنية الجديدة إزاء الوضع السوري قد حيكت في البيت الأبيض، حيث تم الإعلان عنها في واشنطن وتحت رعاية جو بايدن.

يبدو أنّ السياسة الأمريكية الجديدة هي تجريد الرئيس السوري بشار الاسد من حلفائه الروس والإيرانيين، ودمشق راضية بهذا المسار الجديد، طالما أنّ كرسي الحكم في حي (المهاجرين) الدمشقي في أيادٍ أمينة.

محمد محمود بشار

ليفانت - محمد محمود بشار

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!