الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبرنامج النووي الإيراني

الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبرنامج النووي الإيراني
سامي خاطر

الظاهر المُعلن أن هذه الوكالة هي إحدى مؤسسات المجتمع الدولي وتستند إلى قوانين وضوابط وأهداف مُحددة، ولكن الحقيقة المستقاة من نهجها وبعض مواقفها تقول غير ذلك، وهنا يمكن القول إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي إحدى أدوات القوى الاستعمارية، حتى وإن كانت في إطار مؤسساتي عالمي شأنها شأن أغلب المؤسسات التي تصب في مصالح النظام العالمي، وهناك عدة أسباب لذلك منها:

سيطرة الدول الغربية على الوكالة: يسيطر الغرب على الوكالة من خلال عضوية الدول الأعضاء والمساهمة في ميزانيتها، ومن أصل 35 دولة عضو في مجلس المحافظين الذي يشرف على عمل الوكالة تأتي 23 دولة غربية في عضويته، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر المساهمين في ميزانية الوكالة، وبالتالي فإن مسار عمل الوكالة سيكون بمنطق ورؤية ومخططات الدول الـ 23 وأكثرهم تمويلاً وهيمنةً الولايات المتحدة.

استخدام الوكالة لأغراض سياسية: تم استخدام الوكالة لأغراض سياسية في عدة مناسبات من بينها هدم العراق وتبرير احتلاله.

عدم المساواة بين الدول الأعضاء: تتمتع الدول الغربية بصلاحيات في الوكالة أكثر من الدول النامية على سبيل المثال، يمكن للغرب فرض عقوبات على الدول النامية التي لا تلتزم بمعايير الوكالة.

من ناحية أخرى، هناك من يدافع عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويؤكد أنها منظمة مستقلة تسعى إلى تحقيق السلام والأمن الدوليين من خلال منع انتشار الأسلحة النووية.

الحجج التي تدعم وجهة النظر القائلة بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي إحدى أدوات القوى الاستعمارية:

*سيطرة الدول الغربية على الوكالة تمنح هذه الدول نفوذاً غير متناسب في صنع القرار؛ هذا النفوذ يمكن أن يستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية معينة.

*استخدام الوكالة لأغراض سياسية قد يضر بالدول التي يتم اتهامها بتطوير أسلحة نووية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية أو حتى تدخل عسكري على هذه الدول لتنفيذ مخططات مركز صنع القرار في الوكالة وتحقيق أهداف استعمارية.

*عدم المساواة بين الدول الأعضاء الأمر الذي يعزز الهيمنة الغربية على الوكالة والمجتمع الدولي.

الحجج التي تدعم وجهة النظر القائلة بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي منظمة مستقلة:

*أن الوكالة لديها قواعد وإجراءات صارمة تهدف إلى منع استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية؛ هذه القواعد والإجراءات تطبق على جميع الدول الأعضاء بغض النظر عن موقعها أو نظامها السياسي.

*أن لدى الوكالة سجل حافل في منع انتشار الأسلحة النووية، ولقد ساعدت الوكالة في إقناع العديد من الدول بتوقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

*أن الوكالة تسعى إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية السلمية، وهذا التعاون يمكن أن يفيد جميع الدول بما في ذلك الدول النامية.

*انعدام الشفافية لدي النظام الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني

لا توحي كافة المعطيات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ومسار الوكالة مع الملالي بوجود شفافية لدى الطرفين بهذا الخصوص، وهناك عدة أسباب لذلك منها:

*اتهامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران لم تكن شفافة بشأن برنامجها النووي حيث زعمت الوكالة أن إيران لم تكشف عن جميع أوجه برنامجها النووي، وأنها أخفت أدلة على أنشطتها النووية العسكرية المحتملة.

*رفض نظام الملالي السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى جميع المواقع النووية المشتبه بها وسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى بعضها، ورفض النظام السماح لها بالوصول إلى مواقع أخرى.

*اتهامات نظام الملالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية متحيزة بأنها ضده وأنها تستهدفه بشكل غير عادل حسب زعمه.

بعض الأمثلة المحددة التي تشير إلى عدم وجود شفافية لدى الطرفين:

*زعمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2003 أن إيران كانت تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً، ونفت إيران هذه الاتهامات ولكنها لم تقدم أي دليل يدعم نفيها.

*عام 2009 زعمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت تقوم بأنشطة نووية غير معلنة في موقع نطنز؛ ونفت إيران هذه الاتهامات ولكنها سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى الموقع.

*زعمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2023 أن إيران كانت تمتلك آثاراً لنشاط نووي في ثلاثة مواقع لم تعلن عنها سابقاً، ونفت إيران هذه الاتهامات ولكنها رفضت السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى المواقع.

*كلا الطرفين لم يكن صريحاً وشفافاً ولم ينشرا حقائق تتعلق بالبرنامج النووي لنظام الملالي ويبدو ذلك واضحاً من تسويف الوقت والمناورات الدائرة بين الطرفين والمرونة غير المبررة في نمطية عمل الوكالة بشأن برنامج الملالي النووي.

سلمية أنشطة الملالي النووية في الآونة الأخيرة من عدمها

لم تكن أنشطة الملالي النووية في الآونة الأخيرة بمستوى الأنشطة السلمية، وهناك عدة أسباب لذلك منها:

*رفض إيران السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى جميع المواقع النووية المشتبه بها. 

*اتهامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران لم تكن شفافة بشأن برنامجها النووي؛ إذ زعمت الوكالة أن إيران لم تكشف عن جميع أوجه برنامجها النووي، وأنها أخفت أدلة على أنشطتها النووية العسكرية المحتملة.

*استمرار إيران في تطوير تقنيات نووية يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية، وتشمل هذه التقنيات تخصيب اليورانيوم وإعادة تدوير البلوتونيوم.

بعض الأمثلة المحددة التي تشير إلى عدم وجود تطابق بين أنشطة الملالي النووية والأنشطة السلمية منها:

*زعمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2022 أن إيران كانت تزيد من مخزونها من اليورانيوم المخصب، نفت إيران هذه الاتهامات ولكنها لم تقدم أي دليل يدعم نفيها.

*عام 2021 زعمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت تجري تجارب على مكونات الصواريخ الباليستية التي يمكن استخدامها لإطلاق أسلحة نووية، وقد نفت إيران هذه الاتهامات دون أن تقدم أي دليل يدعم نفيها.

*معدلات تخصيب اليورانيوم العالية بحسب ما أوردته الوكالة لا تشير إلى أنشطة سلمية.

*حقيقة اقتراب النظام الإيراني من إنتاج القنبلة النووية وتمويل الغرب للملالي بمليارات الدولارات

بعض الحجج التي تدعم وجهة النظر القائلة بأن النظام يقترب من إنتاج قتبلة نووية:

*يمتلك النظام تقنيات نووية يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية.

*يعد رفض النظام السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى جميع المواقع النووية المشتبه بها أمراً دالاً على وجود أنشطة محظورة.

*عمل النظام على زيادة مخزونه من اليورانيوم المخصب.

أما بالنسبة لتمويل الغرب للنظام الإيراني، فقد حدث ذلك في إطار الاتفاق النووي الذي تم إبرامه في عام 2015 بموجب الاتفاق، إذ وافق النظام الإيراني على الحد من أنشطته النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، ومع ذلك انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 لعدم انضباط النظام مما أدى إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، والجدير بالذكر أن الغرب موَّل النظام الإيراني لتعزيز نفوذه في المنطقة وغض النظر عن مستجدات برنامج الملالي النووي جزءا من دعم الغرب له.

صمت الغرب وتصريحاتهم الخجولة يوحي بوجود ما يدبره الغرب والملالي خلف الكواليس بشأن المنطقة

نعم؛ يوحي صمت الغرب وتصريحاته الخجولة بشأن سياسات الملالي بشكل عام وبرنامجهم النووي وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل خاص بوجود ما يدبره الغرب والملالي خلف الكواليس بشأن المنطقة.

هناك عدة أسباب تدعم هذه الفرضية منها:

*العودة إلى الاتفاق النووي مع الملالي: بدأ الملالي والدول الغربية عام 2023 مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015، وقد تم إحراز تقدم في المفاوضات إلا أن بعض الخلافات ما تزال قائمة.

*الحرب في أوكرانيا: يوحي الغرب بأن الحرب في أوكرانيا قد أدت إلى إعادة تقييم أولويات السياسة الخارجية للغرب، وقد أدى هذا إلى تركيز الغرب على الحرب في أوكرانيا مما أدى تلقائيا إلى تخفيف الضغط على إيران؛ علماً بأن عمل الوكالة لا شأن له بما يجري في أوكرانيا.

*المصالح المشتركة بين الغرب والملالي: لدى الغرب والملالي بعض المصالح المشتركة مثل السعي إلى الهيمنة على المنطقة، وقد يؤدي هذا إلى خلق تعاون بين الجانبين حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الإنسان التي يبد أن كلاهما لا يؤمن بها.

*الرغبة في إحياء الاتفاق النووي: تسعى أمريكا والغرب إلى إحياء الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015، وقد أدى هذا إلى تخفيف الضغط على إيران على أمل أن يؤدي إحياء الاتفاق في ظاهره إلى الحد من برنامج إيران النووي.

*رغبة الغرب في التعاون مع إيران: قد تؤدي رغبة الغرب في التعاون مع إيران في مجال الطاقة حيث تعد إيران من الدول الغنية بالنفط والغاز وتتطلب هذه الرغبة بعض التنازلات.

فيما يلي بعض الأمثلة المحددة التي تدعم هذه الفرضية:

*في عام 2022 اتهمت الولايات المتحدة إيران بتزويد الحوثيين في اليمن بصواريخ باليستية ولم تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء ضد إيران مما أثار تكهنات بأن هناك صفقة سرية بين الجانبين.

*في عام 2023 وافقت إيران على إعادة قبول بعض المراقبين الدوليين في برنامجها النووي، وكانت تلك خطوة إيجابية، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة للحد من برنامج إيران النووي.

*في عام 2023 وافقت إيران على السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى ثلاثة مواقع نووية لم تعلن عنها سابقاً، وقد سوق الغرب ذلك على أنه إنجازاً دبلوماسياً مهماً، ولكن لم يتم حل جميع القضايا المتعلقة ببرنامج إيران النووي.

وعلى ضوء هذه العوامل يمكن القول إن المتغيرات في خطاب أمريكا والغرب مع الملالي بشأن برامجهم النووية والصاروخية تعكس مجموعة من المصالح والأهداف السياسية والأمنية التي تجري المناورات السياسية بشأنها.

على من سيُطلق الملالي السلاح النووي؟

على العالم أن يُدرك جيدا بأنه في حال امتلك الملالي سلاحا نوويا فإنه لا يوجد على الإطلاق ما قد يردع هذا النظام على من إطلاق سلاح نووي ولا يوجد من يؤثر على قراره بهذا الشأن خاصة بعد أن يصبح الحكم كليا بيد حرس النظام بعد وفاة خامنئي؛ وكذلك سيكون الهدف من استخدام السلاح النووي الإيراني هو تركيع الدول العربية.

في حال أعلن الملالي امتلاكهم سلاحاً نووياً فمن المرجح أن يكون الهدف الأول منه هو ردع أي هجوم غربي وخلق أوضاع سياسية جديدة بالمنطقة، ومع ذلك فأنه ليس من المُستبعد إذا شعر الملالي بأن نظامهم مهدد بالسقوط هم أن لجؤوا إلى استخدام السلاح النووي للحفاظ على وجودهم بالسلطة وتحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية بعيدة المدى.

أما بالنسبة لإمكانية إطلاق إيران لسلاح نووي على أم الربيع فمن غير المرجح أن يحدث ذلك، ويعتقد معظم الخبراء أن إيران لن تستخدم سلاح نووي إلا ضد دول المنطقة وفرض هيمنتها عليها، وكذلك خلق مكانة عالمية لها، وبالطبع لا يمكن مقارنتها بـ باكستان الدولة غير النفطية.

ليفانت - د. سامي خاطر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!