الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
النووي الأمريكي والشعب الإيراني
غسان المفلح
42 عاماً منذ قيام الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه، ونحن نشهد حلقات مسلسل تفاوضي أمريكي- ملالي. هذه الثورة الذي استولى عليها ملالي الخميني بدعم غربي واضح. حيث تم تصفية عشرات الألوف من أحزاب اليسار وغيرها على يد الخمينيين وبرعاية فرنسية مباشرة وغطاء أمريكي واضح.

رغم أننا شهدنا في السنة الأولى للثورة بدء ما عرف بأزمة الرهائن الأمريكيين، الذين تم احتجازهم من قبل طلبة إيرانيين في مبنى السفارة الأمريكية في طهران، في الرابع من تشرين الثاني 1979. الحجة أن أمريكا قد استقبلت الشاه المخلوع. كان الوسيط الجزائري الذي لعب دوراً مهماً في حل تلك الأزمة، قد كرّس جهوداً كثيرة لإنجاح هذه الوساطة، لماذا؟ حتى اللحظة لا نعرف الأسباب في الحقيقة. ربما تم اقتراح الجزائر لقربها من فرنسا، تم حلّ الأزمة بعدما نفت أمريكا شاه إيران المخلوع لمصر السادات. منذ تلك الفترة ونحن نشهد مسلسلاً أمريكياً تفاوضياً يبدو أن كل الأطراف فيه لا تريده أن ينتهي. رغم كل المؤشرات التي توحي بأنّ أقطاب الحزب الديمقراطي الأمريكي بزعامة بايدن ومجموعة أوباما يريدون إعطاء إيران تفويضاً باستمرار قتل شعوب المنطقة، وتخريب بلدانها. هذه المفاوضات لم تنقطع منذ تلك الأزمة، وفي كل حلقة من حلقاتها يكون لها عنوان مختلف، حتى وصلنا إلى العنوان الأخير منذ أقل من عقدين من الزمن وهو "النووي الإيراني".


لم يكن نووي الملالي أو العمل عليه بعيداً عن مراقبة الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً. للمتابع البسيط يمكن أن نلحظ وفقاً لخارطة العالم وتراتبيات السيطرة والهيمنة فيه، أن هذا النووي يجب أن يتم تسميته بالنووي الأمريكي في طهران. بعد أزمة الرهائن تلك كانت لبنان مسرحاً لمفاوضات أخرى أمريكية ملالية. هذه المفاوضات بدأت أيضاً بعدما فجر حزب مقرّ قوات المارينز في لبنان، 23 أكتوبر 1983. أسفر الهجوم عن مقتل 307 أشخاص: 241 أمريكياً و58 عسكرياً فرنسياً وستة مدنيين. كانت أمريكا تمتلك كل الحقائق بأن من قامت بهذا التفجير هي إيران عبر حزب الله وموافقة حافظ الأسد. كل ما فعلته أمريكا آنذاك أنها انسحبت من لبنان وسلمته لحزب الله برعاية حافظ الأسد. ما تزال أمريكا تدعم ما يسمى بالجيش اللبناني الموالي لحزب الله بملايين الدولارات، رغم الملف التفاوضي الماراثوني هذا. بدا النفوذ الإيراني بزعامة الملالي في لبنان ثم تبعه العراق لاحقاً. ثم اليمن وسوريا. كانت بالطبع هنالك محاولة في البحرين لكنها فشلت.
خلال هذا المسلسل الطويل، استولت إيران على عواصم أربع دول كما يصرّح مسؤولوها وأتباعهم من الميليشيات التي أسستها إيران


في المنطقة. ميليشيات ترفع شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل. منذ عام 2003 تاريخ سقوط نظام صدام حسين بتنسيق أمريكي إيراني واضح. العراق بات ساحة خلفية للملالي برعاية أمريكية فرنسية إنكليزية. خلال هذه الأربعة عقود ونيف وصلنا إلى مفاوضات فيينا التي تعقد الآن تحت شعار النووي الإيراني. رغم أننا شهدنا احتجاجات كبيرة للشعب الإيراني قبل بدء هذه الجولة ضد سلطة الملالي.
أعلنت الشرطة الإيرانية، يوم الأحد 7 نوفمبر 2021، اعتقال 10 عناصر من قادة "الانتفاضة البيضاء"، وسط مخاوف رسمية تتصاعد من خروج مظاهرات في الذكرى الثانية لاحتجاجات الوقود التي أودت بحياة العشرات وتوقيف المئات. وقام الشعب الإيراني في انتفاضات عديدة خلال هذه العقود، لكن أهمها حدث في العقدين الأخيرين. تم قمع كل هذه الانتفاضات بشراسة دون أن يتحرّك أحد في العالم لإنقاذ الشعب

الإيراني. الإعدامات مستمرة حتى الآن للخصوم السياسيين. الشعب الإيراني الذي يعاني أزمة فقر وبطالة والحجة جاهزة هي العقوبات الأمريكية. رغم أن تلك العقوبات لم تطل أحداً من رموز هذا النظام الذي يقبض عليه مقام المرشد بوصفه القائد الفعلي للحرس الثوري، أكبر مؤسسة قمعية في إيران. هذا المسلسل الأمريكي تدفع ثمنه شعوب المنطقة، عموماً، والشعب الإيراني، بشكل خاص، لأن أمريكا


هي التي تقدم بالمقابل سبل النجاة لنظام الملالي هذا. متى ينتهي هذا المسلسل؟ إذا أفرجت أمريكا عن الأموال كما حدث أخيراً فهي ستذهب حصراً إما لمساعدات إنسانية لا تستمر أو لدعم نظام الملالي كي يبقى رابضاً على رؤوس الإيرانيين وبقية شعوب المنطقة في بعض الدول. لن تسمح أمريكا للملالي بالتصرف بالأموال إلا لمزيد من تقوية النظام، من جهة، والاستمرار في قتل طموحات شعوب المنطقة في الحرية والسلام، أما ما يخصّ الموقف الإسرائيلي فهذا له بحث آخر.

غسان المفلح

ليفانت - غسان المفلح

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!