الوضع المظلم
السبت ١١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
النظام السوري المقامر بالشعب والوطن والتاريخ
نزار غالب فليحان

في مقاله في "منصة قُرْبَة" 21 أبريل 2019 بعنوان: حين تعرف النهاية المأساوية للفعل ومع ذلك تفعله! محللاً رواية "المقامر" للروائي الروسي "فيودور ديستويفسكي" يقول الكاتب "محمد عادل":

"اقتباس":

“الناس محتشدون في قاعات القِمار يسحق بعضهم بعضًا، ألا ما أشدَّ وقاحتَهم جميعًا!”
وصَفَ الرجل حلقة المقامرة والتوتُّر الموجود حولها، فهي تمتلئ بأشياءٍ تجدها متناقضةً للوهلة الأولى؛ في الحلقة الغنيُّ والمُعدم، والعجوز والصبي، والمهذَّب والفاحش. كلهم اجتمعوا على شيءٍ واحدٍ هو حبُّ المال، يتركون أنفسهم الزاهدة وأخلاقهم الفاضلة خارجًا ويصطحبون معهم نفوسهم الجشعة، فهنا العالم الماديّ، هنا شهوة السلطة، هنا كلُّ شيءٍ مباح! "انتهى الاقتباس"

وقد صار أن دخل رأس النظام الحاكم في سوريا صالة القمار السياسي العالمي دون أدنى دراية بمبادئ تلك الآفة، مدفوعاً بوصية عراب آلَ بموجبها شعب ووطن لوصايته وسلطته، بل وملكيته، العراب الذي ارتكب الجريمة الأكبر حين اختصر سوريا بشخصه وبعائلته، متكئاً هو الآخر على مقولة "أونوريه دي بلزاك" "وراء كل ثروة عظيمة جريمة ما"، المقولة التي كانت استنتاجاً عند بلزاك، لكنها كانت منطلقاً ونهجاً عن النظام الحاكم في سوريا.

ولا يخفى على أحد عديد الجرائم التي ارتكبتها السلطة الحاكمة لسوريا منذ استولت على الحكم، الحكم الذي تطلب بقاؤه المقامرة بكل شيء كي يبقى ويدوم، مدفوعاً بغرائز دون الإنسانية، بل دون الحيوانية في مراحل عديدة، دوافع دنيا غايتها اغتصاب البشر والحجر.

ولئن بلغت سيطرة النظام الحاكم لسوريا ذروتها مع رحيل العراب، العراب الذي كان يُظَنُّ أنه خبير في المقامرة، في حين كان خبيراً باستثمار والاستفادة ما أمكن من تفويض عربي وإقليمي ودولي بإدارة أزمات الشرق الأوسط وملفات الفساد الكبرى، تاركاً لأزلامه الانتفاع بفتات ملفات فساد محلية قَوَّتْ من نفوذه ورَسَّخَتْ حكمه، فإن تلك السيطرة بدأت بالتلاشي منذ استلام المقامر الابن تلك الملفات، بدءاً من الخروج من لبنان وليس انتهاءً بالسيطرة على مساحات نفوذ محدودة أطلق عليها رأس النظام هذا مصطلح "سوريا المفيدة"، المصطلح الذي اجترحه كي يبرر هزائمه واندحاره.

على طاولة القمار العربي والإقليمي والدولي قامر رأس النظام بالبشر، فأقصى وقتل وهَجَّرَ وغَيَّبَ واعتقل، وقامر بالأرض، فسيطرت قوى إقليمية ودولية على مساحات شاسعة من سوريا، وعلى مناطق ثروات وموانئ بحرية وجوية ومدن، وقامر بالسيادة التي لطالما تشدق بها، السيادة التي تُنْتَهَكُ كل يوم براً وبحراً وجواً دون أن يحرك ذلك شعرة في رأسه، وقامر بمواقفه الجوفاء التي أغرق الشعب بشعاراتها، فلا وحدة أشاد ولا بحرية سمح ولا اشتراكية حقق، ولا هو حرر شبراً واحداً من أراضٍ احتلها التركي والإسرائيلي، ولعل من الضروري أن نؤكد هنا على مصداقيته الوحيدة في الحفاظ على عهد التخلي عن تلك الأراضي المحتلة، بعد خضوعه لاتفاق إذعان مع الجار التركي واتفاقية وقف إطلاق النار انهزامية مع العدو الصهيوني، وهو أمر يُسَجَّلُ له.

هذا العناد في المقامرة أودى بوطن، وأودى بشعب، وطن كان حتى منتصف خمسينيات القرن المنصرم قبلة المستثمرين والسياح والمفكرين، وطن شهد حضارات إنسانية لم تزل آثارها ماثلة منذ ما ينوف عن ثمانية آلاف عاماً قبل الميلاد، وطن عاشت فيه مملكة ماري وإيبلا وأوغاريت والكنعانيون والفينيقيون والآراميون في هلال لم يعرف إلا الخصب، هلال صار اليوم إلى قفار بائسة يحكمها شذاذ آفاق، وشعب ترك للعالم لغات وشرائع واختراعات واكتشافات وصروح وقلاع، صار اليوم شتاتاً في كل أصقاع الأرض، أو ضحايا جرائم يندى لها جبين الإنسانية.

تلك كانت سوريا المفيدة، ليس فقط للسوريين بل للدنيا بأسرها، صارت اليوم إلى كانتونات مجزأة وصارت مناطق نفوذ وسيطرة ومصدراً للرعب والمخدرات. ورأس النظام لم يزل يقامر على ما تبقى في جيوبه من بقايا نفوذ وأراض ومقدرات.

فمتى تنتهي هذه المقامرة المأساة؟ ومن يوقف هذا المقامر الذي كان يدرك النهاية المأساوية للعبة ومع ذلك ظل يقامر؟

ولئن كانت المقامرة على شيء تملكه -رغم مأساويتها- خياراً شخصياً لا يبرره أخلاقياً إلا العته، وليس له عذر يخفف وطأته سوى الجنون، بل يصنف ضمن السلوكيات المنحرفة والشاذة، فكيف ومقامرة النظام الحاكم في سوريا هي مقامرة على شعب وعلى وطن وعلى تاريخ؟!

ليفانت: نزار غالب فليحان

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!