الوضع المظلم
الإثنين ٢٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
المشروع الكوردي في سوريا
فيصل أبوزيد

سنوات من الضياع والحرمان والعبودية عاشها الكورد تحت حكم البعث والاسد, سنوات خداع وزيف حقائق مارستها الاحزاب الكوردية المختلفة لتسلب ارادة الشعب الكوردي وقراره لتضعه في مصلحتها الحزبية الضيقة.


منذ ان نشأ اول حزب كوردي في خمسينات القرن الماضي والحركة الكوردية تتخبط بمطالبها القومية في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية نتيجة اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة, وازدحمت الساحة السياسية الكوردية بالاحزاب الليبرالية والاشتراكية والقومية سواء كانت يمينية او يسارية, واختلفت تلك الاحزاب فيما بينها بنهجها احيانا وبأسلوب النضال احيانا أخرى وتارة بالولاءات, وحملت في أرحامها اجنة مشوهة فازدادت الولادات في صفوفها, وظهرت للوجود مخلوقات غريبة وبابعاد مغايرة للمخلوق الكوردي المعتاد او اقله الذي يجب ان يكون


عند انطلاق الثورة السورية استبشر عموم الشعب الكوردي باقتراب بداية الحل لقضيتهم المهمشة على رفوف مكاتب الانظمة الديكتاتورية المتعاقبة وخزائن المجتمع الدولي الراعية لتلك الانظمة الفاسدة, فالتحق الشباب الكورد الغيورين بركب الثورة واعلنوا تضامنهم مع اهالي درعا وبقية المناطق والمحافظات السورية المشتعلة ولم يبخلوا باي جهد او وقت لدعمهم ومساندتهم


في البداية وقفت الاحزاب الكوردية موقف المتفرج والحياد من الثورة ولم تستطع تجاوز محنة الخلافات الشخصية لتوحيد خطابها وقرارها بشان الموقف من الثورة والمطالب الكوردية, حتى تدخل مجموعة من المثقفين الكورد اللذين شكلوا كتلة مدنية اطلقت على نفسها اسم اعلان قامشلو لتوحيد الخطاب والقرار السياسي الكوردي من اجل لم شملهم وتوحيد خطابهم وبادرت تلك الكتلة باتصالاتها المكوكية بالاحزاب المختلفة وعقدت مع قادة الاحزاب لقاءات عديدة لتقريب وجهات النظر ووضع الخلافات الشخصية والتنظيمية جانبا بهدف الوصول الى اطار سياسي كوردي جامع يلبي طموحات الشعب الكوردي ويكون ممثلا سياسيا لهم في الصراع الدائر, ولكن بعض قيادات تلك الاحزاب وكعادتها في الخوف من المثقفين اعتبرت بان هذه الكتلة ستشكل خطرا على مناصبهم ونفوذهم داخل دكاكينهم الحزبية, فالتفوا من خلفهم واتفقوا على عقد مؤتمرا بحضور قيادات بعض الاحزاب وبعض الاعضاء ومجموعة من المستقلين اشباههم واقصوا مجموعة من الأحزاب الأخرى لاسباب عدة منها خلافات تنظيمية ومنها شخصية ومنها عائلية و شكلوا جسما كسيحا اطلقوا عليه المجلس الوطني الكوردي الذي انظم فيما بعد لتيار المعارضة السورية تحت قبة السيادة التركية


اما حزب الاتحاد الديمقراطي فقد سبق الجميع وشكل مجلس غرب كوردستان ولم ينظم الى المجلس الوطني الكوردي, بسبب الخلاف على الحصص والمقاعد, وشكل فيما بعد تحالفا مع مجموعة من القوى والاحزاب الاخرى منها الكوردية ومنها غير كوردية ليعلن عن تشكيل الادارة الذاتية القائمة حتى اللحظة ويستفرد بالسلطة الامنية والعسكرية والاقتصادية والادارية والسياسية في مناطق نفوذها


كلا الكتلتين السياسيتين المشكلتين على انقاض الارادة الكوردية لم يحملا في خطابيهما مشروع كوردي وطني واقعي, فالادارة الذاتية حملت في خطابها مشروع الامة الديمقراطية القائم على اساس المساواة في الحقوق والواجبات لكافة شعوب المنطقة من كورد وعرب واشوريين وسريان وغيرهم ولكنهم في نفس الوقت اقصوا الآخر المختلف عنهم سياسيا ومارسوا بحق الشعب سياسة الترهيب والتجويع والتهجير القسري, من خلال قراراتها وممارساتها اليومية, حتى بات نصف الشعب على ابواب السوشيال في اوربا ودول الجوار, والنصف الآخر الباقي في مكان نشأته  يتلقى يوميا الفرمانات والقرارات الاعتباطية, التي تدفعه باتجاه اللحاق بالنصف الاول في ظل غياب الحياة بابسط مقوماتها


اما المجلس الوطني الكوردي والممثل في الائتلاف السوري المعارض فقد نأى بنفسه عن ما يجري في المناطق الكوردية والقى بالتهمة على حزب الاتحاد الديمقراطي ومجموعة الاحزاب المتحالفة معه في الادارة الذاتية, ورفع شعار الحقوق القومية للشعب الكوردي من خلال الفيدرالية القومية دون ان يهيأ الارضية السياسية لمشروعه من حيث قبوله من قبل شركائه في الائتلاف اولا ومن قبل دول الجوار والمجتمع الدولي ثانيا


ان اي مشروع سياسي يطرح لاجل الحل في سوريا عموما ولاجل القضية الكوردية خصوصا يجب ان يتصف بالموضوعية والواقعية, ومن ثم يتم البحث عن داعميين دوليين لهذا المشروع, لذلك على الكورد ان يدركوا ان الاجسام السياسية الكوردية الموجودة حاليا على الساحة السياسية بانها هزيلة وغير قادرة على الاستمرار, ويجب البحث عن جسم سياسي آخر يكون قادرا على وضع الحلول المنطقية والواقعية للقضية الكوردية في سوريا, ويستمد شرعيته من التزامه بقضية الكورد السوريين باعتبارها قضية وطنية سورية, وربما يكون هذا الجسم من خلال الحوار بين مجموع الجسمين او الكتلتين السياسيتين ومجموعة الشباب والمثقفين والاكاديميين المقصيين من التمثيل السياسي, وان لا يكون على غرار الهيئة الكوردية العليا الفاشلة التي تشكلت بموجب اتفاقية اربيل عام 2012م, وعلى الساسة الكورد تحمل مسؤولياتهم الاخلاقية والسياسية وان يدركوا بانهم يمثلون شعب باكمله, وان قراراتهم ستكون تاريخية, لذلك يجب اختيار الساسة الاصحاء في قيادة القرار الكوردي, واقصاء الاشخاص المصابين بامراض نفسية واجتماعية للوصول بالقضية الكوردية الى برالامان, بدلا من افراغ المناطق الكوردية من سكانها الاصليين وتركها عرضة للسرقة والاغتصاب


ان خصوصية الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية تفرض علينا استقلالية قرارنا السياسي عن باقي الأجزاء الكوردستانية مع احترامنا وتضامننا معهم, لذلك فان التطلعات القومية والديمقراطية للشعب الكردي في سوريا, لا يمنع من العمل في إطار الوطنية السورية الكاملة, والعمل على ردم الهوة التي اوجدها النظام بين المكونات السورية, نتيجة ممارساته الشوفينية باتباع سياسة الاقصاء والتهميش والتبعية عبر سنوات حكمه.


فيصل أبو زيد    

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!