الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
قراءة في رسالة الائتلاف الإخواني إلى جامعة الدول العربية
فيصل أبوزيد

إنّ الموروث الثقافي والفكري التاريخي عند أغلبية أعضاء الائتلاف، المتمثّل بهوس السلطة والاستبداد، والقائم على سلطة الدولة المركزية المستبدة، ينسف كل محاولات بناء دولة المواطنة السورية المنشودة، ورسالة الائتلاف الموجهة مؤخراً إلى جامعة الدول العربية (حصراً)، واستنجادهم بها لمواجهة تمدّد حزب الاتحاد الديمقراطي، وأطماعه العنصرية والانفصالية (حسب زعمهم)، وتهديده للأمن القومي العربي (المحصن)، وإن كانت محقة، هي بحد ذاتها إدانة للائتلاف الإخواني، ونسف لمشروع سوريا الجديدة، التي يدعو إليها معظم السوريين، وبمختلف انتماءاتهم العرقية والإثنية والدينية، سوريا المواطنة التشاركية التعدديّة.


وإذا عدنا لمضمون الرسالة التي وجهها الائتلاف إلى جامعة الدول العربية، نقرأ بين سطورها كمية كبيرة من الحقد والغل على طموحات الكورد في سوريا، باعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي يمثل طموحات وأهداف غالبية الكورد في سوريا (حسب اعتقاد الغالبية من العرب)، الذين يطلقون على وحدات حماية الشعب التابعة للحزب، اسم وحدات الحماية (الكوردية)، علماً أنّ هذه الوحدات تضم في صفوفها أعضاء قياديين وعناصر من مختلف المكونات في المنطقة، وقد حاربت هذه الوحدات الإرهارب الداعشي على رقعة واسعة من الأراضي السورية، ودفعت ثمن ذلك دماء الآلاف من أبناء المنطقة، شهداء في سبيل منع تمدّد داعش في المنطقة وتكرار تجربة سنجار في العراق، والتنكيل بأبناء المنطقة، بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية.


يتّهم الائتلاف الإخواني في رسالته إلى جامعة الدول (العربية)، حزب الاتحاد الديمقراطي، بأنّهم يمارسون الإرهاب بحق أبناء المنطقة التي يسيطرون عليها، ويحاولون فرض واقع انفصالي بقوة السلاح في المنطقة، فإذا كان الإرهاب في نظرهم هو الدفاع عن عرض أبناء المنطقة، والحفاظ على سلامة وأمن المنطقة من الإرهاب الداعشي، ومن يلفّ لفها، كجبهة النصرة، والفصائل السورية المرتزقة التي أنشأتها دولة الاحتلال تركيا لخدمة أجنداته الاستعمارية، فمرحبا بهذا الإرهاب وكلنا فداء له.


يتّهمون الحزب بإجراء التغيير الديموغرافي للمنطقة، وكأنّ الحزب المذكور هو الذي جلب أبناء الغوطة وريف حلب، وأسكنهم في منازل الكورد في عفرين أولاً، ثم سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل ابيض) ثانياً، بموجب اتفاقيات وهدن شوفينية مشبوهة وقعها مع النظام عن طريق راعيهم الأول أردوغان تركيا مع بوتين روسيا، راعي النظام السوري، وتم على إثرها تهجير السكان الأصليين للمنطقة، من أبناء الشعب الكوردي، واستخدمت منازلهم لإسكان العرب وإقامة مقرّات سياسية وعسكرية ودينية، في خدمة أهداف وغايات الاحتلال التركي وأطماعه العثمانية، وفصل الكورد في غرب كوردستان عن ذويهم وأقرانهم في شمال كوردستان، بشريط حدودي من المكون العربي. 


يتهمون الحزب بأدلجة المناهج الدراسية، في الوقت الذي يقوم به الائتلاف الإخواني بتعليم أبناء السوريين في المناطق التي احتلّوها بالدبابة التركية، المناهج التعليمية التركية والفكر الأتاتوركي العنصري، ورفعوا العلم التركي على واجهات العلم والمعرفة والدوائر التي أقاموها على ركام منازل الكورد، وفرضوا على العامة تداول العملة النقدية التركية بدلاً من العملة السورية، في حين ما زالت العملة السورية هي العملة الوحيدة المتداولة في منطقة نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي في كوردستان الغربية، أو ما يسميها الائتلاف الإخواني الشوفيني بشرقي الفرات، في محاولتهم طمس الهوية الكوردستانية للمنطقة.


كما ورد في الرسالة الشوفينية “اقتباس” (أنّ تلك الميليشيات تعتمد سياسات عنصرية ممنهجة عبر فرض مناهج دراسية مؤدلجة تحضّ على الكراهية، وتحاول سلخ الأجيال القادمة من عمقها العربي وتاريخها الإسلامي، وتهدّد وحدة سورية وقيم شعبها).


إنّ الاختلاف بين المكونات السياسية السورية المختلفة، لا يعني النفي الهوياتي لشعب كامل يعيش على أرضه التاريخية، ولا يحق لأي مكون سياسيي أن يطمس الهوية القومية أو الدينية لجغرافية المنطقة التي يتمدّد عليها المكون الآخر، وبناء سوريا الجديدة يتطلب التخلص من ثقافة العقلية التسلطيّة لمكون على حساب الآخر، تلك الثقافة التي رسّخها وعمل عليها النظام طيلة فترة حكمه التي امتدّت لأكثر من نصف قرن، ويجب أن يكون للحوار الوطني مساحة في عقولنا ونضالنا، حتى نتمكن من بناء دولتنا الجديدة التي نطمح إليها كسوريين.


لذلك فإنّ الائتلاف السوري المعارض المرتهن للأطماع التركية العثمانية، مدين بالاعتذار من الشعب الكوردي وباقي مكونات سوريا، العرقية والإثنية والدينية، عما بدر منه بعد أن وجّه رسالته التي يدّعي بها المظلومية إلى جامعة الدول العربية، واعتباره بأنّ سوريا هي دولة (عربية إسلامية) وأنّها ملك للعرب والمسلمين وحدهم، وأنّ جامعة الدول العربية هي حاوي وملاذ السوريين الأول والأخير. 


ليفانت – فيصل أبو زيد 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!