الوضع المظلم
الإثنين ٢٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
المسألة اليهودية في الشرق الأوسط
كمال اللبواني

كانت المسألة اليهودية (الشرقية) موضوعاً هاماً في أوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد تم التعامل معها  بواسطة الاضطهاد ومعاداة السامية منذ القديم بممارسات دينية مسيحية في عموم أوربا، وخاصة في إسبانيا، ثم بممارسات قومية عنصرية مع نشوء القوميات، وخاصة في القوميات التي فشلت في الالتحاق بركب التقدم، كروسيا وأوربا الشرقية ثم ألمانيا، وهذا ما تسبب بهجرة عدد كبير من اليهود لأمريكا والدولة العثمانية.

واستمر ذلك الحال حتى انطلاق مشروع الصهيونية  البريطاني، الرامي لإقامة دولة قومية لليهود في فلسطين (موطنهم التاريخي الأسطوري القديم)، وهذه النظرية تفترض أن الدين اليهودي ليس ديناً تبشيرياً، وليس نمط إنتاج (رأسمالي ربوي متميز في وسط إقطاعي)، بل قومية منعزلة ومغلقة بشكل صارم، ومع ذلك لم تنجح محاولة تهجير اليهود نحو فلسطين بأعداد كبيرة بدون الهولوكوست النازي الرهيب، بينما نجح العرب بتهجير اليهود العرب من بلدانهم لإسرائيل بغبائهم، وهم نصف اليهود الحاليين في دولة إسرائيل، التي ضمت أقل من نصف يهود العالم، حيث بقيت أعداد أكبر في الخارج، خاصة في نيويورك.

لقد أعادت الحركة الصهيونية تموضع اليهود في العالم وحولتهم من مضطهَدين في دول الغرب لحلفاء له في الشرق، ومعتدين على العرب فيه، بعد أن وضعتهم في خندق العداء لكتلة بشرية كبيرة جداً، هي العرب والمسلمون، حاول الغرب حصر القضية بدولة كاذبة ابتدعها هي فلسطين لفصلها عن محيطها، لكن عنجهية اليمين اليهودي رفضت حتى الآن القبول بحل الدولتين ضمن أراضي فلسطين التي رسمتها بريطانيا، وفقاً للقرارين ٢٤٢ و٣٣٨ الذين صدرا عن مجلس الأمن، وقصر النظر الاستراتيجي هذا جعل من القضية الفلسطينية قضية عابرة للحدود السياسية والجغرافية والقومية وحتى الدينية، كقضية شعب طرد من أرضه وتشتت في أصقاع العالم، واحتل موطنه شعب آخر، مهما كانت ظروف هجرته ومسبباتها، فأقل ما يقال هو أن يتعايش الشعبان معاً على هذه الأرض، وهذا هو جوهر الحلول التي حاول المجتمع الدولي تشجيعها للقضية الفلسطينية، التي جهد اليمين اليهودي بتشجيع من اليمين الغربي على قتلها، دون أن يدرك أن عرقلة حلها داخل فلسطين سيعزز من كونها قضية عامة تشمل كل العرب والمسلمين، لا تحدّها  حدود فلسطين الانتداب، بل سوف تغذي نزعات الجهاد الإسلامي وتبرر كل عنفها كرد للعدوان حتى بعيداً جداً عن فلسطين.

بموت الحل للقضية الفلسطينية يصبح الوجود اليهودي في المنطقة هو القضية التي تحتاج لحل، فمع تنامي وشيوع موجات العداء والكراهية ونمو التحالفات الكبرى المقاومة له التي تمتد بعيداً في الشرق والغرب، وبتخلي الغرب التدريجي عن اليهود، لا بد أن يشعر اليهود أنهم قد تورّطوا في صراع لا طائل لهم في وضح حد له، بل يتزايد الخوف من مذبحة جديدة قد يتعرضون لها تهدد بها صباحاً ومساء أيديولوجيات إسلامية سنية وشيعية ومتحالفة معاً تحت راية المقاومة، ولا يفيد فيها امتلاك أسلحة الدمار الشامل، التي لم تعد حكراً على إسرائيل.

نعم أصبح ضمان سلامة اليهود وعيشهم الآمن في المنطقة قضية يتوجب الاهتمام بها من قبل العرب الذين يدركون أن مرحلة من تاريخهم القديم كانت يهودية الطابع، وأن قسماً كبيراً من أجدادهم كانوا يهوداً، وأن اليهود هم الحلفاء الأقرب والأكثر تشابها معهم، لكن الغرب أراد ضرب العرب باليهود وضرب اليهود بالعرب، بواسطة إقامة دولة معادية لليهود في قلب العالم العربي المقدس، وهكذا أصبح من الضروري تغيير المسار والخروج من لعبة الغرب، فبدلاً من الاستمرار في سياسة الغرب التصادمية مع اليهود، يتوجب الانتقال لسياسة بناء جذور السلام الذي ينتهي بالاندماج في النسيج الاجتماعي الاقتصادي للشرق الأوسط، الذي يجب أن يقوم على أسس جديدة تحل من خلالها القضية الفلسطينية واليهودية على السواء، بعيداً عن طبول الحرب التي لن تحسم.

وهكذا يتوجب على أنصار السلام من العرب واليهود العمل معاً لسحب السلطة من المتطرفين الذين يتبادلون الشرعية والقوة، ويزيدون فقط من معاناة العرب واليهود على السواء لصالح من يخاف من تحالفهم وتعاونهم، والتعاون معاً من أجل إعادة بناء الشرق الأوسط على السلام والاستقرار والديمقراطية ليكون مركزاً للحضارة من جديد، وهذا يتطلب تضحيات مؤلمة، أولها ذكريات الماضي القريب المؤلمة.


 

ليفانت - كمال اللبواني

 

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!