-
حقيقة الموقف الدولي الراهن من نظام الملالي

في ظل التحولات السياسية المتسارعة على الساحة الدولية، يبقى نظام الملالي في إيران محور جدل واسع، حيث تتعدد الروايات حول طبيعة الموقف الدولي منه؛ لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تكمن في أن هذا النظام بقيادة علي خامنئي يسعى جاهدًا للحفاظ على بقائه وهيمنة منظومة "ولاية الفقيه" بأي ثمن دون أن يقدم تنازلات جوهرية قد تعرض وجوده للخطر.. إن استراتيجية خامنئي واضحة: المماطلة، شراء الوقت، واللعب على الحبال الدبلوماسية لضمان استمرارية حكمه بعيدًا عن أي نية حقيقية للانفتاح أو التخلي عن طموحاته.
يهدف خامنئي كما يتضح من سياساته إلى الحفاظ على النظام ككيان متماسك يستند إلى هيمنة "ولاية الفقيه" التي تُعدّ العمود الفقري لسلطته الدينية والسياسية، ويتجاوز هذا الهدف مجرد البقاء الشخصي إذ يسعى إلى ضمان استمرارية النموذج الثيوقراطي الذي يقوده، والذي يرى فيه أداة للسيطرة على الشعب الإيراني وتصدير نفوذه في المنطقة، وفي هذا السياق لا يمكن تصور أن يسمح خامنئي بفتح المجال أمام أي انفراجة سياسية أو اجتماعية قد تُضعف قبضته الحديدية على المجتمع الإيراني الذي يعاني من اختناق سياسي واقتصادي متفاقم.
على عكس ما قد يتوقعه البعض فإن خامنئي لن يسلك طريقًا مشابهًا لما فعله معمر القذافي في ليبيا حين تخلى عن برنامجه النووي مقابل وعود دولية لم تُنقذ نظامه في النهاية، ويدرك خامنئي يدرك جيدًا أن التخلي عن برنامجه النووي بشكل كامل أو تقديم تنازلات كبيرة سيُفقده ورقة ضغط استراتيجية بل وقد يُعرض نظامه لمخاطر الانهيار، وبدلاً من ذلك يعتمد النظام على سياسة "الإزدواجية" أي اللعب المزدوج؛ تلك السياسة التي تجمع بين التصريحات الدبلوماسية الملطفة والمناورات الخفية لكسب الوقت.. هذه الاستراتيجية تهدف إلى إطالة أمد الأزمة مع إبقاء المجتمع الدولي في حالة من التردد والانتظار.
وراء الكواليس يعمل النظام على تقديم وعود وتعهدات غير واقعية سواء في المفاوضات النووية أو في التعامل مع العقوبات الدولية، وهذه الوعود ليست سوى أدوات تكتيكية لامتصاص الضغوط الخارجية وتجنب المواجهة المباشرة، بينما يواصل تعزيز قدراته العسكرية والأمنية داخليًا وخارجيًا.. ففي الوقت الذي يُظهر فيه النظام استعدادًا ظاهريًا للحوار يُمعن في قمع الاحتجاجات الشعبية، ويُشدد قبضته على المعارضة، ويواصل دعم وكلائه في المنطقة من حزب الله إلى الحوثيين للحفاظ على نفوذه الإقليمي.
الموقف الدولي من هذا النظام يبدو متذبذبًا إذ تتأرجح الدول الغربية بين فرض العقوبات ومحاولة استئناف المفاوضات. لكن هذا التذبذب يخدم مصلحة خامنئي، الذي يستغل الانقسامات الدولية لصالحه. فالولايات المتحدة على سبيل المثال تتبنى نهجًا صلبًا في بعض الأحيان لكنها تتراجع أحيانًا أخرى تحت ضغط الحلفاء الأوروبيين الذين يفضلون الحلول الدبلوماسية.. هذا الوضع يمنح النظام مساحة للتنفس، ويُطيل أمد بقائه دون تغييرٍ جوهري في سلوكه.
في الواقع، إن استمرار هذا النهج من قبل النظام يعكس قناعة خامنئي بأن الوقت حليفه الأكبر. فهو يراهن على أن الضغوط الداخلية والخارجية قد تتراجع مع مرور الزمن، أو أن يتمكن من تحقيق اختراقات تكنولوجية تجعل موقفه أقوى؛ لكن هذه المقامرة قد تكون سلاحًا ذو حدين إذ إن الشعب الإيراني الذي يعاني من الفقر والقمع قد لا يصبر طويلًا خاصة في ظل وجود مقاومة تاريخية عميقة متجذرة ومنظمة مقتدرة إلى جانب وجود تنظيمات داخلية لهذه المقاومة كوحدات المقاومة التي أوجعت النظام وتهدد وجوده، وأما المجتمع الدولي فقد يفقد صبره أيضًا إذا استمر النظام الإيراني في تحدي القوانين الدولية.
ختاماً يمكن القول إن الموقف الدولي الراهن من نظام الملالي يتسم بالتردد والضبابية بينما يواصل خامنئي سياسته في شراء الوقت وتجنب أي تنازل حقيقي؛ لكن السؤال الجوهري يبقى: إلى متى يمكن لهذا النظام أن يصمد أمام الضغوط المتزايدةِ داخليًا وخارجيًا دون أن ينهار تحت وطأة تناقضاته الداخلية وقدرات المقاومة الإيرانية؟
موسى المعاني/ وزير أردني سابق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!