الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الخوف من السقوط.. رعب يسري في أوصال جمهورية الخوف
سامي خاطر

يعيش نظام الملالي حالة من الخوف والترقب منذ استيلائه على منجزات ثورة 1979 الوطنية ذلك لأنه يؤمن في قرارة ذاته بأنه حالة غير شرعية ولا يمكنه بناء حالة من الاستقرار لذاته، وقد بلغ به الأمر اليوم في نهاية المطاف نتيجة إفلاسه السياسي وانعدام حالة الثقة في أوساطه إلى تمكين كل متطرف وشريك في جرائم النظام من السلطة السياسية كمجيئ خامنئي بـ رئيسي إلى سدة الرئاسة، ومحسن إجئي إلى السلطة القضائية، وتمكين الحرس من المجلس وكافة مفاصل الدولة من الأمن إلى المخابرات إلى الجيش إلى البحرية إلى الاقتصاد إلى مجالس المحافظات إلى وزارة الخارجية. 

يواجه النظام الإيراني العديد من المشاكل والأزمات التي تهدد بسقوطه، ويتملك الرعب أوصاله من هذا السقوط، ونوجز فيما يلي بعض الأسباب المؤدية إلى هذا الرعب:

-الأزمات الاقتصادية: يعاني الاقتصاد الإيراني من العديد من المشاكل ومنها الفساد الإداري والمحسوبية وتدهور قيمة العملة المحلية وعدم الأهلية القيادية والإدراية وعجز النظام عن إدارة البلاد في أغلب الظروف، وينسب النظام فشله إلى العقوبات الدولية، وبالطبع سيؤدي هذا الفشل، وهذه الأزمات المتراكمة لعقود إلى احتجاجات شعبية ونزع ثقة الشعب كلياً بالنظام وهذا ما حدث بالفعل.

-الأزمات السياسية: يواجه نظام الملالي أيضاً أزمات سياسية من بينها صراع العقارب الدائر بين أقطابه الداخلية على الامتيازات، وكذلك التوترات مع دول المنطقة والعالم، وقد أدت هذه الأزمات إلى تدهور صورة النظام دولياً وانعدام الثقة فيه وفي قدراته ونواياه وعزز ذلك من عزلته الدولية وقلص من دعم الدول الأخرى له.

-الفشل في البرنامج الفضائي: عانى ويعاني نظام ولاية الفقيه من سلسلة من الإخفاقات والفشل الذريع في برنامجه الفضائي حيث تتكرر حوادث سقوط الصواريخ الفضائية مما أظهر حقيقة النظام الذي شل المنطقة وأربك العالم وكأنه طبل أجوف ما أدى إلى تقليص الثقة فيه وفي قدراته وتراجع شعبيته حتى في أوساط المنتفعين منه.

-الاحتجاجات الشعبية: يشهد النظام الإيراني (نظام ولاية الفقيه) انتفاضات شعبية متكررة، ومن بينها انتفاضة عام 2019، وانتفاضة عام 2022/ 2023 الجارية إلى اليوم على الرغم من القمع الدامي الذي يمارسه النظام ضد المتظاهرين من النساء والشباب والأطفال، وقد أنهكت هذه الانتفاضات النظام خاصة عندما أيقن أنه بات في مواجهةٍ وتحدٍ حقيقيين مع النساء وقد زاد ذلك من حدة الضغوط عليه الأمر الذي وضعه على المحك اليوم مواجهاً مصير السقوط الحتمي بدون أدنى خيارات وهو ما يزيد من حالة الخوف والرعب لديه ويتجه خيار القمع داخليا وخلق الأزمات خارجياً.

-التحديات الداخلية والإقليمية: يواجه نظام الملالي تحديات عديدة ومتزايدة، ومنها عجزه الداخلي عن مواجهة الانتفاضة الوطنية التي تقودها النساء، وحالة التصدع الداخلية التي تعصف به، والتوترات مع دول المنطقة والعالم، لا قوة للنظام على الأرض داخل إيران ولا خارجها إلا بافتعال الأزمات الخارجية وبتحالفاته الجديدة مع الصين وروسيا اللتان ستملكان عما قريب نصف المشاريع القومية الكبرى في إيران، ورغم تحالفاته هذه إلا أن الغرب لا يزال يهادنه ويدعمه وهو ما يثير استغراب الكثيرين.

-مسرحية الضغوط الدولية: يتعرض الملالي لمناورة ضغوط دولية متزايدة يتم استعراضها بين الحين والآخر تحت عنوان البرنامج النووي والتدخلات في المنطقة، وقد أدت هذه الضغوط إلى زيادة عزلة نظام الملالي بسبب خوف الكثير من الدول من الاقتراب منه ما يجعله أكثر عرضة للسقوط، وأكثر ما يخشاه الملالي اليوم هو أن يخرج الغرب عن سيناريو المهادنة ونصوص المناورة التي استقاموا عليها فبمجرد دخولهم في مواقف حازمة مع النظام تكون نهايته التي يخشاها ويدركها.

-الخوف من التدخل الخارجي: يخشى نظام الملالي من التدخل الخارجي الذي قد يُطيح به أو يساعد على الإطاحة به.

-الخوف من التغيير السياسي: يخشى النظام الإيراني من أي تغيير سياسي، سواء كان ذلك تغيير من صلب النظام أو تغيير من خلال سلطة الشعب والمقاومة الإيرانية.

-التوترات الإقليمية: يدفع النظام الإيراني إلى التمسك بمواقف متشددة في القضايا الإقليمية مما يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة بما يتيح له فرصاً أكثر للبقاء.

في ظل كل هذه العوامل يسعى النظام الإيراني بكل السبل إلى الحفاظ على بقائه، وذلك من خلال القمع الشديد للمعارضة وتعزيز سلطته الدينية والعسكرية؛ ومع ذلك فإن هذه الإجراءات لن تكون كافية للحيلولة دون سقوط النظام في النهاية ذلك لأن الانتفاضات الشعبية مستمرة بقيادة النساء اللائي يمثلن رعباً للنظام برمته، وتزداد الأزمة الاقتصادية سوءاً يوما بعد يوم، كما أن الضغوط الدولية على النظام لن تتوقف.

وجهة نظر:

يرى البعض بأن رعب النظام الإيراني من السقوط هو مصدر قلقٌ كبير أيضاً للمجتمع الدولي؛ إذ يدفع هذا الرعب نظام الملالي إلى اتخاذ قرارات متطرفة وخطيرة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة لذا فالغرب ونظامهم العالمي حريصون كل الحرص دائماً على تهدئة مشاعر ولي الفقيه ونظامه ويعملون على بقائه في الإطار القديم المرسوم للمنطقة إطار (شرطي المنطقة)، والحقيقة هي أن الخوف من السقوط الذي يسري في أوصال جمهورية الخوف يدفعه إلى التلويح بالتهديد والوعيد الذي يسوق له تيار المهادنة بالغرب مما ينعش عملية بقاء الملالي في السلطة وتستمر معاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ونشر حالة من الذعر والفوضى في النطقة يعزز مصالح الغرب الملالي في آن واحد.

هل أفلح الملالي في القضاء على المقاومة الإيرانية طيلة عقود من الصراع؟

خاض نظام الملالي صراعاً مريراً مع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية منذ قيام الثورة الوطنية في إيران عام 1979، وقد استخدم النظام كل الوسائل الممكنة لوأد المقاومة الإيرانية ومنظمتها المحورية منظمة مجاهدي خلق ومن بينها القمع السياسي والاعتقالات التعسفية والاغتيالات ومجازر الإبادة الجماعية والقتل الحكومي تحت مسمى الإعدام، وعلى الرغم من ذلك استطاعت المقاومة الإيرانية الصمود والاستمرار في نضالها ضد النظام، وقد نجحت في تحقيق العديد من النجاحات ومنها على سبيل الذكر:

- نشر الوعي حول نظام الملالي القمعي وجرائمه.

- حشد الدعم الدولي لمشروع الحرية والديمقراطية والمساواة في إيران.

- مساعدة الشعب الإيراني على النهوض من أجل مقاومة وإسقاط النظام.

وبطبيعة الحال ما تزال المقاومة الإيرانية تواجه تحديات كبيرة؛ إلا أن استمرارها في النضال يثبت أن النظام لم يتمكن من القضاء عليها.

العوامل التي ساعدت على استمرار المقاومة الإيرانية:

هناك العديد من العوامل التي ساعدت على استمرار المقاومة الإيرانية، ومنها:

- الدعم الشعبي للمقاومة: يتمتع الشعب الإيراني بدعم كبير للمقاومة الإيرانية، وقد أظهر الشعب الإيراني هذا الدعم من خلال استخدام أدبيات وشعارات المقاومة والاقتداء بنساء المقاومة المناضلات والمشاركة في المسيرات والاحتجاجات ضد النظام.

- الدعم الدولي للمقاومة: تحظى المقاومة الإيرانية بدعمٍ معنوي وسياسي من العديد من الدول والحكومات والشخصيات العالمية، وقد استند هذا الدعم إلى مصداقية واقتدار المقاومة واعتدالها، وساعد على رفع صوتها وصوت ومظلومية الشعب الإيراني أمام العالم.

- الاعتماد على الذات: تتمتع منظمة مجهدي خلق والمقاومة الإيرانية بقيادة قوية وكفؤة أدارت مسيرتها النضالية بالزهد والكفاف والاعتماد في تمويلها المالي على الذات، وبالتالي امتلكت قرارها وحافظت على قيمها ومبادئها النضالية بثبات الأمر الذي أبقاها صامدة لعقود طوال أمام القدرات العملاقة لأعتى دكتاتورية في التاريخ المعاصر.

هل ستعالج مليارات الإدارة الأمريكية فوبيا السقوط التي تلاحق نظام ولاية الفقيه؟

في خطوة غير مفاجئة أعلنت الإدارة الأمريكية في سبتمبر 2023 عن تقديم مساعدات مالية بقيمة 1.5 مليار دولار لنظام الملالي كجزء من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية عام 2015، وقد جاء هذا الإعلان بعد سنوات من توترٍ مُعلنٍ بين البلدين ووسط مخاوف مُعلنةً من عودة الملالي إلى برنامجهم النووي.

وعلى الرغم من أن هذه المساعدات وغيرها من المفترض أنها ستسهم في تحسين الوضع الاقتصادي في إيران إلا أنها لن تعالج فوبيا السقوط التي تلاحق نظام ولاية الفقيه حيث يستند هذا النظام إلى أساس هشّ، لذا يتملكه الخوف على الدوام من فقدان سيطرته على مقاليد السلطة، الأمر الذي يدفعه إلى التآمر ضد المعارضة، وإلى سعيه إلى امتلاك أسلحة نووية لفرض سياسة أمر الواقع على الدول العربية وحماية نفسه وضمان بقائه مرحلياً، كما أن هناك من الأسباب التي تجعل من المستحيل معالجة فوبيا السقوط لدى نظام ولاية الفقيه بمجرد تقديم المساعدات المالية، وعليه فإن المساعدات المالية الأمريكية لن تكون سوى مسكنات مؤقتة لنظام ولاية الفقيه الذي سيبقى عرضة للسقوط في أي وقت، وذلك بسبب الأساس الهشّ الذي قام ويقوم عليه.

ماذا تعني ملاحقة عصابات نظام الملالي لعناصر منظمة مجاهدي خلق اللاجئين المقيمين في ألبانيا؟

ملاحقة عصابات نظام الملالي لعناصر منظمة مجاهدي خلق اللاجئين المقيمين في ألبانيا تعني محاولة نظام الملالي القضاء على المعارضة الإيرانية المنتشرة في الخارج، ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية تأسست في عام 1965هي إحدى أبرز قوى هذه المعارضة وتعمل على الإطاحة بنظام الملالي الذي يدرك تماماً أنه لا بقاء له لطالما بقيت منظمة مجاهدي خلق على قيد الحياة وحتى لو كانت في كوكب خارج كوكب الأرض لقام هذا النظام بملاحقتها؛ إنها فوبيا الخوف الهستيري، وعلى الرغم من أن ألبانيا قد استضافت أعضاء المنظمة في عام 2013 بناء على اتفاق مع واشنطن والأمم المتحدة إلا أن نظام الملالي الذي لا يكترث بشرعية دولية ولا بسيادة دول ما يزال يلاحق المنظمة وعناصرها ويسعى للتأثير على الأنظمة الأوربية لدعم مخططاته الإجرامية.

وتستخدم عصابات نظام الملالي العديد من الأساليب لملاحقة أعضاء المنظمة بما في ذلك الهجمات السيبرانية والاغتيالات والتجسس والتخريب والفساد المالي، وقد شنت حشود قوات ألبانية نوعية بدفع من عصابات نظام الملالي في العام الحالي 2023 هجوماً مباغتاً على أعضاء المنظمة اللاجئين العزل في أشرف 3 بألبانيا مما أسفر عن استشهاد مجاهد وإصابة أكثر من 100 شخص آخرين وتدمير ومصادرة العديد من ممتلكاتهم.

وتعتبر هذه الملاحقة انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وهي جزء من سياسة النظام الإيراني في محاولة القضاء على المقاومة الإيرانية المنتشرة في الخارج، والتي تشكل تهديداً لنظام الملالي الحاكم باسم الدين في إيران؛ وتهدف هذه الملاحقة على أقل تقدير إلى حرمان أعضاء المقاومة الإيرانية من حقهم في العيش في أمان وسلام، وترهيب أعضائها وتهديدهم ومنعهم من مواصلة نشاطهم المعارض للنظام.

ستة مليارات دولار لقمع الشعب الإيراني في الداخل والتآمر على المقاومة الإيرانية في الخارج

أعلنت الولايات المتحدة في إطار اتفاق يتضمن الإفراج عن 5 أمريكيين محتجزين لدى نظام ولي الفقيه، وإطلاق الولايات المتحدة لسراح بعض الإيرانيين من السجون الأمريكية الإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية وتحويلها لنظام الملالي القمعي في إيران لقمع الشعب الإيراني في الداخل والتآمر على المقاومة الإيرانية في الخارج، وبالطبع لن يتم استخدام هذه المليارات في تحسين مستوى معيشة الشعب الإيراني كما حدث مع سابقاتها من مثيلاتها من الأموال، وتأتي هذه الخطوة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في إيران، حيث تعاني البلاد من أزمة اقتصادية عميقة جراء عدم أهلية النظام وسلطاته والفساد المستشري في كافة أوصال الدولة التي يتم توجيه مواردها نحو صناعة الإرهاب وإثارة الفتن والحروب، وبالرغم من أن الاقتصاد الإيراني يعد من أكبر الاقتصادات في المنطقة ولكونه اقتصاداً متعدد الموارد إلا أنه يعاني من فشل متراكم وعجزٍ تام وابتعاد عن التنمية ومسار الرفاهية الاجتماعية التي لا يعرفها سوى أفراد السلطة والمنتفعين وذويهم.

لن يتمكن النظام كسابق محاولاته من القضاء على المقاومة الإيرانية، ولن تمكنه العشرات من المليارات من إنقاذ نفسه من فوبيا الخوف التي تسري في أوصاله من حتمية السقوط القريب على يد النساء في إيران.

ليفانت - د. سامي خاطر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!